لماذا يحظى الصحافيون بمزيد حرية عن الأساتذة؟

منذ 1 سنة 206

في الأشهر الأخيرة، كانت هناك عدة حالات لجامعات النخبة أو أعضاء هيئة التدريس يقدمون فيها نوعاً من الممانعة المؤسسية للتقدمية الرقابية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك رفض جامعة كورنيل وضع شرط تحذيري طالبت به جمعية الطلاب الجامعيين، وتشكيل مجموعة من أعضاء هيئة التدريس في جامعة هارفارد تدافع عن الحرية الأكاديمية، وإدانة جامعة ستانفورد الرسمية للاضطرابات التي حدثت في حديث قاض محافظ بكلية الحقوق.

تتلاءم هذه التطورات مع الحجة التي ساقها في وقت سابق من هذا العام «موسى الغربي» في جامعة كولومبيا، وهو مراقب مدرك للحرب الثقافية، والتي تقول إن «الصحوة الكبرى» كفترة من الحماس الأخلاقي الشديد قد تختفي، وإنه بعد «10 سنوات متواصلة من الاضطرابات المتصاعدة في مؤسسات اقتصاد المعرفة ومراكز اقتصاد المعرفة»، نشهد إلغاء جزئياً للتسييس، وتضاؤلاً في ضبط الأمن الآيديولوجي ومحاولات الإلغاء. وهم أيضاً يماطلون، إلى حد ما، بمقالة هذا الأسبوع من مات أغليسياس، المؤسس المشارك لشركة «فوكس» الذي تحول إلى منصة «سابستاك» الشهيرة، مجادلاً بأن منتقدي الصحوة الاجتماعية يخاطرون بخلق نبوءة ذاتية التحقيق إذا ما أكدوا باستمرار على العقبات في حرية التعبير والعقوبات المهنية للهرطقة (الخروج على الإجماع)، بدلاً من مجرد تشجيع الصحافيين والأكاديميين على التحلي بالشجاعة والإقرار بأنه يمكنك اتخاذ موقف مثير للجدل من دون أن تختفي مهنياً على الفور.

أنا أتفق مع «موسى الغربي» في أن الاتجاهات الفكرية الأخيرة داخل المؤسسات الليبرالية هي إلى حد ما أكثر تأييداً للنقاش الحر، وأنا أتفق مع أغليسياس في أن الشجاعة الفكرية ضرورية، وأن لغة مناهضة الصحوة الاجتماعية تشجع الناس في بعض الأحيان على تخيل موقف سوفياتي أكثر مما هو موجود بالفعل. لكنني أعتقد أيضاً أن هناك سبلاً مختلفة قد يفسح بها عصر من «الاضطرابات المتصاعدة» والثورة الآيديولوجية المجال أمام السلام الثقافي النسبي.

في بعض الحالات، قد تتراجع الثورة أو تُقاوم أو تنهار من تلقاء نفسها. لكن في حالات أخرى، قد يحل السلام؛ لأن الثورة تشعر بالثقة في سبيلها إلى تحقيق النصر النهائي، ولم تعد تشعر بالحاجة الملحة إلى تقديم أمثلة لأعدائها؛ إذ يمكنها التحرك بارتياح نحو ترسيخ المسيرة المؤسسية الطويلة.

يقترح الأكاديمي الكندي إيريك كوفمان السيناريو الأخير في رده على الحجج التي وصلت إلى الذروة. ويرى أن تأرجح البندول الحالي حقيقي بما فيه الكفاية، ولكن القائمين على التنفيذ الآيديولوجي ليسوا في حاجة إلى الفوز في كل معركة على المدى القريب للفوز بالحرب المؤسسية:

«... على المدى الطويل، تفسح الليبرالية المجال للتطور في مساحات النخبة. وتعكس الليبرالية الثقافية الجديدة في وسائط الإعلام آراء كبار الموظفين، وتعارضها جماعات التآلف والموظفون الشباب. وهذا أمر مهم؛ لأن الدراسات الاستقصائية تجد باستمرار أن قيم «الصحوة» سائدة بين اليساريين الأصغر سناً بمقدار الضعف عنها بين اليساريين الأكبر سناً. وأكثر من 8 من كل 10 طلاب جامعيين في 150 كلية أميركية رائدة يقولون إن الخطباء الذين يقولون إن حركة «حياة السود مهمة» هي حركة كراهية، أو أن التحول الجنسي هو اضطراب عقلي لا ينبغي السماح لهم بالتحدث في الحرم الجامعي. إضافة إلى ذلك، يعتقد 7 من كل 10 أشخاص أن البروفسور الذي يقول شيئاً يجده الطلاب مسيئاً يجب إبلاغ جامعتهم بشأنهم. والواقع أن الأكاديميين الشباب لا يقلون جرأة عن أولئك الذين تجاوزوا سن الخمسين. هؤلاء هم فرق المحررين الصحافيين وأساتذة الغد.

هناك الكثير مما يمكن قوله عن هذا الموضوع، ولكن أريد أن أركز على الجملة الأخيرة، لأنني أعتقد أنها تخلط بين تجربتين قد ينقسم الواقع بينهما إلى حد كبير: المناخ الفكري داخل الإعلام والصحافة من جهة، وفي الأوساط الأكاديمية من جهة أخرى.

تخضع كلتا المهنتين للضغوط والأفكار والمحفزات التي أسفرت عن إثارة التقدمية، وقد شهد كل منهما أشكالاً مختلفة من الاضطرابات الداخلية في السنوات الأخيرة. لكن في اعتقادي أن مسارهم الآيديولوجي قد تباعد بعض الشيء بالفعل، ومن المرجح أن يتباعد أكثر مع استمرار دورة الأجيال كما يصفها إيريك كوفمان.

ولأكون واضحاً، فأنا أناقش وسائل الإعلام التي تعتبر نفسها تقليدياً مؤسسات سائدة - محايدة آيديولوجياً أو من يسار الوسط أو ليبرالية صغيرة الحجم، وليست سياسية صريحة في مهامها الرسمية، مع بعض المساحة للتنوع، رغم أن موظفيها يصوتون غالباً للديمقراطيين. ويبدو أن هذه المنظمات أقل عُرضة لأن تنال التحصين الآيديولوجي مثل المؤسسات الأكاديمية ذات الوضع المماثل، بسبب العديد من القوى التي تحد من الترسخ الكامل للآيديولوجيا التقدمية.

الأول أن وسائل الإعلام، بحكم تعريفها، عبارة عن مشروع موجه نحو الجماهير، ويعتمد على نوع ما من السوق الجماهيرية لضمان قدرته على البقاء. يمكن للجمهور الجماعي تقديم مطالبه الآيديولوجية الخاصة به، وأن يلتقط فعلياً بعض الصحافيين الذين يخدمونها؛ ويمكنك بالتأكيد أن ترى نسخاً من ذلك يحدث صراحة في وسائل الإعلام اليمينية في عهد ترمب. لكن الحركة كانت في كثير من الأحيان أشبه بآيديولوجية تقودها النخبة، ولها تأثير خاص في الأوساط الأكاديمية والمنظمات الناشطة المحترفة، وتميل قواعدها وعقائدها إلى الانتشار من الدوائر الداخلية إلى الخارج، بدلاً من المطالبة بها من قِبل الجماهير أولاً.

مما يعني أنه سيكون هناك دائماً جمهور كبير محتمل لا «يحصل» على القواعد الآيديولوجية الجديدة، أو ليس بعد، والذي بالنسبة له المعارضة أو النقاش حول النظام الناشئ سيبدو أكثر طبيعية ومرغوباً فيه من المؤمنين الحقيقيين. وإذا بدا أن المناقشة العادية على وشك أن تختفي من منشور معين أو قناة بث معينة، فإن بعض القراء والمستمعين والمشاهدين سوف يتبعون الحجة في مكان آخر لمنافس، أو شركة ناشئة، أو بديل من بدلاء الصحافي الأميركي «جو روغان»، أو منصة مثل «سابستاك»، إذا لزم الأمر. وبعض المعلقين والصحافيين الذين يتابعونهم، ممن يختارون العمل في هذا المجال، قد ينتهي بهم الأمر بحيازة مكافآت أكبر بكثير مما كانوا عليه من قبل.

هذا لا يخلق اعتراضاً صريحاً على التوحيد الآيديولوجي، لا سيما في ضوء قوة الدمج في الصحافة على سبيل المثال، حيث تبدو صحيفة «نيويورك تايمز»، وصحيفة «وول ستريت جورنال»، وصحيفة «واشنطن بوست» أكبر كثيراً نسبة إلى تناقص المنافسة بين الصحف اليومية، مقارنة بما كانت عليه عندما بدأت ككاتب. ولكنه لا يزال يخلق ضوابط قائمة على السوق حول آليات داخلية معينة للتنفيذ الآيديولوجي. لنأخذ مثالاً على التلفزيون، الأمر ليس متروكاً فقط للرأي الداخلي في «نتفليكس» أو «إتش بي أو»، سواء كان ذلك لعرض برنامج «ديف تشابيل» الكوميدي، أو الاستمرار في عرض برنامج «بيل ماهر» الحواري؛ إذ يحصل الجمهور الجماعي على تصويت مهم للغاية أيضاً.

* خدمة «نيويورك تايمز»