ملخص
يرى العديد من الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم من الطبقة العاملة أن عدم ارتياحي لفكرة توظيف عمال تنظيف يعكس نوعاً من التحيز، ويعد دليلاً على الإحراج الذي تشعر به الطبقة المتوسطة عند التفاعل مع مهنة تُعتبر شريفة ونبيلة. ومع ذلك، أصدقائي من الطبقة المتوسطة الذين يوظفون عمال تنظيف يعتبرون أنفسهم يقومون بعمل نبيل أيضاً، حيث يرون في ذلك دعمًا للطبقة العاملة من خلال تقديم أجر عادل للأشخاص الذين قد لا يتاح لهم ذلك الأجر في ظروف أخرى.
أحب أن يكون منزلي نظيفاً كل الوقت تحسباً لزيارة أي شخص، بمن في ذلك عمال التنظيف، وهو ما يجيب عن سؤال لماذا لم أستعن بعاملة تنظيف من قبل؟ ومع ذلك، لم أكن أدرك أن هناك مزيداً من الأسباب وراء عدم ارتياحي لفكرة الاستعانة بعاملة تنظيف إلى أن ذهبت إلى موعد غرامي أخيراً. سألتني عما إذا كان لدي عاملة تنظيف، وكانت الإشارة واضحة: "لن أقترب من سريرك إذا لم تكن تنظفه بصورة احترافية بانتظام". وهكذا فجأة أصبح شيئاً كنت أعتبره دائماً رفاهية وكأنه أمر إلزامي. فأجبت بصدق، "عاملة تنظيف؟ هذا شيء... فاخر بعض الشيء، أليس كذلك؟" كان رأياً غريزياً لم أستطع تبريره في ذلك الوقت. وبعد أسابيع من الاستلقاء على سريري النظيف، ولكن الفارغ، بدأت أحلل سبب استخدامي لهذه الكلمة تحديداً: "فاخر".
آخر نقاش كبير حول وضع عمال التنظيف في الحياة البريطانية كان في شهر مايو (أيار) من عام 2020 أثناء جائحة كورونا، عندما سمحت لهم حكومة "المحافظين" بالعودة إلى العمل بينما كان أفراد العائلة المقربون لا يزالون ممنوعين من التواصل. أدى ذلك إلى إدانة كثيرين لأولويات الحكومة التي بدت مرتاحة جداً مع فكرة الخدمة المنزلية لدرجة أنها فضلت "العاملين" على الروابط الأسرية الأساسية. كاتب الرأي في صحيفة الـ"غارديان" أوين جونز أثار نقاشاً حول ما إذا كان يجب على رؤساء عمل عمال التنظيف تسريح موظفيهم موقتاً [ضمن برنامج الدعم الحكومي الذي وفر الأجور للعمال الذين تم صرفهم نتيجة إجراءات الإغلاق خلال فترة الجائحة]، مما أثار حفيظة الـ17 في المئة من الأسر التي تستعين بعمال التنظيف في المملكة المتحدة.
الالتباس والقلق حول هذا الموضوع ظاهرة جديدة نسبياً. لم يقلق بيرتي ووستر أبداً في شأن جيفز [شخصيتان خياليتان من سلسلة قصص تتمحور حول الخادم جيفز ورئيسه في العمل بيرتي ووستر]، ولم يشعر ويل سميث بالحرج من وجود خادمه جيفري في مسلسل "الأمير الجديد في بيل إير" Fresh Prince of Bel-Air. على العكس من ذلك، لا أعرف اليوم أي شخص لا يصاب بنوبة من "التنظيف المسبق" قبل وصول عاملة التنظيف. السبب جزئياً وراء ذلك هو لإخفاء أدوات تعاطي المخدرات وعلامات الحياة الجنسية. ولكن ذلك يرجع أيضاً إلى عدم الارتياح حول قيام شخص آخر بمهام يستطيع معظم البشر الأصحاء القيام بها بأنفسهم.
ما أختلف فيه مع أقراني هو ما يتعلق بقضية الطبقة الاجتماعية. يرى كثير من الأشخاص الذين يعدون أنفسهم من الطبقة العاملة أن عدم ارتياحي لفكرة عمال التنظيف هو صورة من صور التحيز، دلالة على الطبقة المتوسطة التي تشعر بالحرج من التفاعل مع مهنة يعد أنها شريفة ونبيلة. ومع ذلك، فإن أصدقائي من الطبقة الوسطى ممن يستعينون بعمال تنظيف يرون أنفسهم يقومون بعمل نبيل أيضاً، باعتبارهم حلفاء للطبقة العاملة من طريق المساهمة بأجر عادل للأشخاص الذين قد لا يحصلون عليه لولا ذلك. إنهم في كثير من الأحيان يستخدمون تعابير قديمة جداً مثل "أجر عادل مقابل عمل شريف" عندما يبررون الأمر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن بالنسبة لي، فإن استحضار المفاهيم البريطانية للطبقية يعد نوعاً من التسطيح عند الحديث عن مهنة توظف في المتوسط عمالاً مهاجرين أكثر من أي صناعة أخرى في المملكة المتحدة. في لندن، المدينة التي أعيش فيها، يشكل المهاجرون أكثر من نصف عدد عمال التنظيف. وكابن لشخص غير بريطاني، فقد شاهدت عدداً لا يحصى من البريطانيين وهم يحاولون ببساطة إدخال شخص من ثقافة مختلفة في التصنيف الطبقي المهترئ في بريطانيا. ولكن عمال التنظيف المهاجرين لا يعانون التمييز الطبقي، بل يعانون الاستغلال في نظام نادراً ما يمكنهم من الدفاع عن أنفسهم بسبب افتقارهم إلى المهارات اللغوية.
وعلى حد تعبير المحامية ماريا غونزاليس ميريلو التي تدير مكتب يقدم استشارات قانونية مجانية لعمال التنظيف منذ أكثر من عقد من الزمن، "من السهل استغلال الأجانب، إذ إنهم لا يضعون معايير أو أهدافاً عالية لما يمكنهم تحقيقه أو كيف ينبغي معاملتهم، لأنهم يعملون في عزلة. لقد أتوا إلى هذا البلد بتوقعات كبيرة، وعندما وصلوا إلى هنا، رأوا أن الأمر أشبه بغابة". وفي استحضار لتشبيه مماثل، قالت عاملة التنظيف الأكوادورية جوديت موراليس بعد فوزها في وقت سابق من هذا العام بنزاع في شأن الأجر ضد موظفها، التي كانت مدرسة خاصة في جنوب لندن، "شعرت وكأنني أواجه أسداً". هذا يجعلني أتساءل: كيف يمكن لأي شخص أن يكون واثقاً بأنه ليس الأسد؟ [أي إن أفعال المرء أو مواقفه قد تضعه عن غير قصد في دور "الأسد"، مما قد يؤدي إلى استغلال الآخرين أو ترهيبهم، حتى لو لم يكن ذلك قصده].
كل شخص قابلته يوظف عاملة تنظيف يحمل نفس الاعتقاد: لا بأس بالأمر، طالما أنك تدفع لهم أجراً جيداً وتعاملهم معاملة منصفة. ولكن إلى أي حد نحاول كمجتمع قياس هذين الأمرين؟ إذا قمنا بالتوظيف من طريق وكالة، فهل نبذل الجهد المطلوب للتأكد من أن عمال التنظيف يحصلون على أجر حقيقي؟ حتى أكثرنا سذاجة يعرف بأن صناعة التنظيف مليئة بالاستغلال والإكراه والاحتيال واللاشرعية، ولكن كم منا يغض النظر إذا كان هذا يجعلنا نعود إلى منزل نظيف؟
في الحالة الأكثر شيوعاً، أي الاستعانة بعاملة تنظيف بصورة مباشرة، تصبح الأسئلة أكثراً عمقاً. فعلى سبيل المثال، أنت تقرر أجرها المادي. قد يتبنى الناس مبدأ "أجر عادل مقابل يوم عمل شريف"، لكن في الواقع متوسط الدخل لكل ساعة عمل بالنسبة لعمال التنظيف في المملكة المتحدة في حالة انخفاض وليس ارتفاعاً، ففي الوقت الحالي يبلغ متوسط أجورهم 10.21 جنيه استرليني، منخفضاً بنسبة ثلاثة في المئة عن المتوسط في عام 2020. إذا كنت تكسب أكثر مما كنت تكسبه في عام 2020، فلماذا لا يكسب عامل التنظيف أكثر مما كسبه في عام 2020؟
في حال كنت تعقد اتفاقاً مباشراً مع عمال التنظيف، فستتاح لك الفرصة لمقاومة الرأسمالية والتوصل إلى فكرة خاصة غير مرتبطة بالسوق حول ما يجب أن يكسبه. يمكنك تجاوز ما يقوله محيطك من الأشخاص الذين يستعينون أيضاً بعمال التنظيف حول "الأجر السائد" وتحديد الأجر المناسب لك فعلاً.
عمال التنظيف الأجانب لا يعانون التمييز الطبقي، بل من الاستغلال في نظام نادراً ما يمكنهم من الدفاع عن أنفسهم
كانت وجهة نظر جونز أثناء الجائحة هي أن أصحاب العمل الأثرياء يجب أن يدفعوا لموظفيهم من عمال التنظيف للبقاء في المنزل وعدم تعريضهم لخطر الإصابة. هذه الفكرة لا تزال موجودة، أعرف أشخاصاً يدفعون أجور عمال التنظيف حتى في حال تغيبهم عن العمل، إذا ما كانوا مرضى للغاية بحيث لا يستطيعون العمل أو كان لديهم حالة طوارئ عائلية. باختصار، توظيفك شخصاً يعمل لحسابه الخاص لا يعني أن الأمر متعلق بمصلحتك الذاتية فحسب.
إذا كانت الطبقة الاجتماعية ليست عاملاً عندما يتعلق الموضوع بتوظيف عاملة تنظيف، وإذا كان الأجر عادلاً، فإن المشكلة الأخيرة التي تزعجني هي النسوية. من جهة، هناك حجة مفادها أن الاستعانة بالعمالة للقيام بالأعمال المنزلية يمكنها أن تمكن النساء من تسلق السلم الوظيفي في العمل وتحقيق مزيد من النجاح، خصوصاً إذا كن عازبات أو في علاقة لا يقوم بها شريكهن بواجباته في المنزل (كما هي الحال في غالبية الأزواج المغايرين جنسياً، إذ أظهرت دراسة أجريت في عام 2019 أن سبعة في المئة فقط من الأزواج يتقاسمون المهام المنزلية بالتساوي).
ولكن من جهة أخرى، من المستحيل تجاهل حقيقة أن 93 في المئة من عمال التنظيف في المملكة المتحدة هم من النساء. وعليه، يجب على النساء توظيف نساء أخريات من أجل تحقيق حلمهن النسوي والتقدم في المجال الوظيفي. وعلى ما يبدو لا يزال الافتراض بأن الأعمال المنزلية هي "عمل المرأة" راسخاً، حتى عندما يتم توظيفها مقابل المال. وهذا الأمر لا يعجبني.
طبعاً لا يقوم جميع الناس باستغلال عاملات التنظيف. وكذلك، لا تحرم جميع عاملات التنظيف من تمثيل مطالبهن. ولكن من الواضح بالقدر نفسه أن أدنى شك باحتمال أن أكون صاحب عمل مستغلاً، يكفي لضمان عدم زوال مخاوفي المتجذرة حول الأمر برمته في أي وقت قريب. يحق لأصدقائي أن يعتقدوا أنني متحامل بعض الشيء، لكنني سأظل دائماً أرى الأمر فاخراً بعض الشيء، بغض النظر عن عدد الشريكات المحتملات اللاتي قد أخيفهن.