في الأيام التي سبقت إطلاق فيلم "باربي" Barbie للمخرجة غريتا غيرويغ تعرض العمل لهجمات مختلفة من قبل شخصيات يمينية تكمن مشكلتها مع الفيلم في أجندته التي تصفها بـ"ووك" [الوعي بالمساواة الاجتماعية والجندرية والجنسية...] و"النسوية". في وقت تتعرض النساء لهجمات غير مسبوقة على يد المحافظين، ليس من المستغرب أنهم سيستهدفون أيضاً الأشياء التي تجلب لنا السعادة، مثل هذا الفيلم.
من بين أكثر المنتقدين صراحة للعمل حتى الآن هي جينجر غيتز، زوجة مات غيتز العضو الجمهوري في الكونغرس الأميركي عن ولاية فلوريدا الذي يناهض الحق في الإجهاض و[حقوق] المتحولين جنسياً. بعد حضور العرض الافتتاحي لـ"باربي" وقضاء وقت ممتع على ما يبدو، توجهت إلى "تويتر" لشن حملة ضد الفيلم بينما أشادت بأداء الممثلة مارغوت روبي.
غردت غيتز: "هل تفكرون في مشاهدة فيلم باربي؟ أوصي بالاكتفاء باستلهام الأزياء من العمل والتخلي عن الذهاب إلى السينما".
ما حجتها؟ "باربي التي نشأت معها كانت تمثل الإمكانات غير المحدودة والإقبال على وظائف متنوعة وتمكين النساء. لسوء الحظ، يتجاهل فيلم باربي لعام 2023 مقاربة أي فكرة عن العقيدة أو الأسرة، ويحاول تطبيع فكرة أن الرجال والنساء لا يمكن أن يتعاونوا بشكل إيجابي (كم هذا مقرف)". كم هو مثير للسخرية هذا النقد، عندما يكرس محافظون من أمثال زوجها حياتهم لإسكات النساء اللاتي يسعين إلى الحفاظ على الحق في الإجهاض وحقوق المتحولين. وتريد هي التحدث عن "الأسرة"؟ في أعقاب تعاون دورية حدودية في تكساس مع زميله الجمهوري، الحاكم غريغ أبوت، زعم أنه طلب من الدورية إلقاء أطفال في نهر ريو غراندي، أليست هذه قضية فعلية تتعلق بـ"العقيدة والأسرة" يجب التركيز [تسليط الضوء] عليها؟
لكن جينجر غيتز لم تتوقف عند هذا الحد، إذ نشرت تعليقاً كارهاً للمتحولين جنسياً في مراجعتها للفيلم، قائلة إن "انخفاض الـ’ت‘ - أي هرمون التستوستيرون لدى شخصية كين (يؤديها ريان غوسلينغ) – و’طاقة السيطرة‘ التي تتمتع بها باربي كانا عاملين منفرين شديدين بالنسبة إليها". لما كان لمثل هذا التعليق المحزن المثير للشفقة أي قيمة تقريباً لولا القوة التي يتمتع بها زوجها ومنصة المنبر التي سنحت لها.
في البداية، بدا أن مات غيتز كان له رأي مختلف عن زوجته، حيث كان يظن إلى حد كبير أن الفيلم يستحق المشاهدة لأنه وجد مارغوت روبي جذابة، لكن حتى هو لم يستطع تجنب تعكير مدحه بشيء من رهاب المتحولين جنسياً. لجأ عديد من المعلقين المحافظين إلى أجهزتهم الإلكترونية لانتقاد عضو الكونغرس لمشاهدته فيلماً من بطولة الممثلة هاري نيف، فكان رد النائب غيتز. على ذلك: "إذا سمحت للمتحول جنسياً أن يمنعك من مشاهدة مارغوت روبي... فقد انتصر الإرهابيون...".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن بالطبع لم يكن عضو الكونغرس عن فلوريدا فقط هو الذي وجب عليه رفع الصوت. انتقد تيد كروز الفيلم لنشره "دعاية شيوعية" على ما يبدو بسبب ظهور خريطة لبحر الصين الجنوبي مرسومة بقلم تلوين في الفيلم. على كل حال، أظن أن مخاوف كروز أقل ارتباطاً بالإمبريالية ومتعلقة أكثر بنشر رسائل كراهية سياسية ونقمة بين مؤيديه تجاه التيارات الشيوعية والنسوية والليبرالية - بغض النظر عن "التيارات" التي تناسب روايته.
لا أحد مطالب بأن يحب فيلم باربي لأنه لا يتناول [مسائل] "الإيمان والعائلة"، وهذا زعم ليس سخيفاً فحسب بل غير حقيقي [غير صادق]... يظهر الفيلم بطلته محاطة بالمجتمع والأصدقاء، وتخوض رحلة تكتسب من خلالها ثقة أكبر بنفسها بعد مرورها بأزمة وجودية. يريد المحافظون الاعتقاد أن الطريقة الوحيدة لتصوير العقيدة والأسرة هي الصلاة أو إنجاب الأطفال بالإكراه، لكن هناك عدداً لا يحصى من الطرق التي تستطيع النساء من خلالها تناول تلك المفاهيم [المسائل].
باربي [فيلم] يدور إلى حد كبير حول مسألة العائلة، يوجه رسالة مؤثرة ولافتة عن الأمومة في نواة سرديته. وهو حتى يتناول مسألة الإيمان، فباربي تحتم عليها الإيمان لتدرك جمال البشرية، ولو ترتب عليها ما لا يخفى عليها أنه [احتمال] وفاتها. والفيلم إجمالاً مسل، وثمة حس صادق بالمفارقة [الروحانية] في هذه المشاهد.
يبدو النقد غير منطقي لأنه فعلياً على هذه الحال. نظراً إلى أن أياً من هؤلاء الأشخاص لا يتحلى بالشجاعة الكافية للاعتراف ببساطة لماذا يكره هذا الفيلم - إنه أول فيلم صيفي رائج توجه مقاليده امرأة [في الإخراج والبطولة]... ربما على الإطلاق. ولأن المحافظين يكرهون النساء، فإنهم سيهاجمون هذا الفيلم. يشبه الأمر قانوناً من قوانين الطبيعة تقريباً في هذه المرحلة أنك حيثما رأيت نساء يستمتعن، تجد المحافظين متربصين ويزبدون [يتوعدون] ويتوقون إلى تدمير تلك المتعة [حرمانهن منها].
تكمن المفارقة المضحكة في أن "باربي" ليس حتى فيلماً نسوياً بشكل صريح. إنه ليس راديكالياً، فهو لا يكره النساء أو يشوههن بسبب الأشياء التي يستمتعن بها. تعتقد الكاتبة في الشأن الثقافي البرازيلية نيكول فرويو أن "باربي" جزء من الأسس النسائية الفكرية، لكنها تشير إلى أنه ليس عملاً نسوياً دائماً. تقول: "الأسس الثقافية التي تستند إليها المرأة هي مجموعة من الأعمال التي عادة ما تتمتع بها الإناث والأشخاص الذين يمثلون المرأة. المراجع الثقافية النسائية لا تشوه ما هو أنثوي، بل ترتقي بها وتتحداها وتستمتع بها، مع إدراك أننا نعيش في مجتمع بطريركي [أبوي] مبني على كراهية النساء".
"باربي" هو فيلم وردي ورقيق وذكي ومليء بالحنين. إنه عمل ممتع، ونحن بصراحة، نستحق قضاء وقت ممتع بعدما سلب المحافظون حقوقنا وجعلونا نخاف من السير في الشوارع بمفردنا وإرسال أطفالنا إلى المدرسة والحمل والإجهاض والتحول الجندري. في وقت يشهد غضباً لا يوصف جراء تجريدنا من حقوقنا الإنسانية، إنه فيلم من المفترض أن يجعلنا سعداء ولا يحمل دعوة إلى الثورة، لكن أتعلمون ما الخلاصة؟ إذا استمر المحافظون بالتظاهر بالحماقة حيال ذلك، فربما يتعين علينا تحويل الفيلم إلى دعوة إلى الثورة. ففي نهاية المطاف، أنا لا أعارض طلاء قاعات الكونغرس باللون الوردي المميز لـ"باربي".