بعد أن نجا سام تومسون من 23 يوماً محروماً من الطعام والاستحمام بالماء الساخن واستخدام المرحاض، خرج من الأدغال في برنامج تلفزيون الواقع "أنا مشهور..." I’m a Celebrity، متلهفاً على شيء واحد فقط: تدخين سيجارة.
وانسحب نجم مسلسل "صنع في تشيلسي" Made in Chelsea بعيداً خلال الحفل الختامي لبرنامج الواقع لينضم إلى قائمة طويلة من الأطفال الظرفاء الذين يحبون تدخين السجائر. وليس جيرمي آلن وايت نجم مسلسل "الدب" The Bear، وروزاليا نجمة أغاني البوب، والممثل بول مسكال، ونجمة "تيك توك" فيكتوريا باريس، سوى عينة من المشاهير الشباب المغرمين بالتدخين. وفي حين أنهم قد يضطرون إلى التجمع خارجاً ليستمتعوا بسيجارة، إلا أنهم في صميم الصيحة الرائجة اليوم والتي يعود فيها التدخين إلى الظهور مرة أخرى، ولا سيما بين أفراد الجيل زد [جيل مواليد ما بين منتصف التسعينيات وأوائل العقد الثاني من القرن الحالي].
وكشفت دراسة حديثة أن مزيداً من الشباب في إنجلترا صاروا مدخنين خلال فترة الجائحة، مما أدى إلى توقف منحنى الانخفاض الذي شهده التدخين على مدى سنوات بين الفئة العمرية 18 حتى 24 سنة. وقبل جائحة كوفيد، كان العدد الإجمالي للمدخنين يتناقص بمقدار 5.2 في المئة سنوياً، ولكن منذ عام 2020 تباطأ معدل الانخفاض ليصل إلى 0.3 في المئة فقط، بحسب بحث أجرته كلية لندن الجامعية University College London.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بدأ مايس وارنر، البالغ من العمر 24 سنة، التدخين قبل ثلاث سنوات، وبحلول عام 2021، بنى عادة مستمرة معه حتى اللحظة والمتمثلة بتدخين 10 سجائر في اليوم. يتذكر قائلاً: "في وظيفتي بمجال البيع بالتجزئة، يُمنح المدخنون استراحة تدخين لمدة 5 دقائق كل ساعة، في حين لا يُعطى غير المدخنين أي استراحة، وهذا ما جعلني أبدأ التدخين".
وبعد تجربة السجائر الإلكترونية، انتقل مايس، المتحدر من مدينة لينكولن، إلى سجائر ماركة "سوفرين" Sovereign. يقول: "كنت أفرط في تدخين السجائر الإلكترونية نظراً إلى أنه بإمكاني الاستمرار فيها من دون توقف، ولكنني في نهاية المطاف تحولت إلى تدخين السجائر العادية لأنني أحببت فكرة أن السيجارة تنتهي عند حد معين".
يعتقد الباحثون في كلية لندن الجامعية أن مستويات الضغط النفسي والعزلة الاجتماعية العالية في فترة الجائحة كانت على الأرجح من الأسباب التي دفعت الشباب، مثل مايس، إلى تدخين السجائر. ويوافق مايس على أن السجائر ساعدته على الاسترخاء وبخاصة في أوقات العمل، إذ يقول: "تحصل على وقت لتلتقط أنفاسك خلال يوم عمل عصيب فعلاً. وهذا السبب في أن العديد منا يدخنون أثناء العمل، وهو ما دفعني شخصياً إلى الشروع في التدخين".
أما لوسي غرين، المتنبئة بالصيحات الرائجة، ومؤسسة شركة "لايت ييرز" Light Years الاستشارية، فتعزو إدارة الصحة النفسية إلى موجة التدخين المنتشرة. "هناك قدر من ممارسة اليقظة الذهنية في التدخين. إنه فعل تأملي وطقسي. ومن المثير للاهتمام أيضاً أنه مع زيادة انتشار التدخين في أوساط الجيل زد، فإنهم يبتعدون عن المشروبات الكحولية التي تزيد القلق فعلياً".
وتعتقد لوسي أيضاً أن الحنين إلى ثقافة التسعينيات ومحاولة الجيل زد التعويض عن الوقت المفقود أثناء فترة الإغلاق كان له دور في هذا الشأن، مضيفة أنه "في فترة ما بعد الجائحة برزت موجة من الإقبال على المتعة، لم تقتصر على زيادة الاهتمام بالتدخين فحسب، بل بالنوادي الليلية والحفلات عموماً أيضاً".
ولكن بالنسبة إلى مايس، فإن الإضافة الأبرز هي أن التدخين ساعده على أن يلتقي الناس. وقال في هذا الصدد: "كنت أتفاعل مع الكثير من الناس أثناء التدخين. كنت أطلب من أحدهم أن يشعل سيجارتي إن أمكن أو يعيرني قداحة، مما أتاح لي التحدث إلى أناس لم أكن لأكلمهم قط لولا ذلك".
لا يقتنع مايس بأن التدخين أمر "جذاب" ولكنه يعتقد أن بعض المدخنين يرونه محرماً فعلاً. ويقول: "من المثبت أن التدخين مميت. أنا أعلم أن التدخين سيقتلني، ولكن يمكن أيضاً أن أموت غداً لسبب غير مرتبط بالتدخين مطلقاً". ووفقاً للوسي، يعد هذا التسليم بالقدر سمة مميزة للجيل زد، الذين تقل أعمارهم عن 26 سنة، حيث تقول: "لقد ورثوا أوضاعاً كارثية تماماً، وربما لن يكون بإمكانهم أن يشتروا بيوتاً قط والكوكب يحترق من حولهم، لذا يفكر العديد منهم: لم لا أدخن إذاً؟".
وإذا كانت الحكومة تبحث عن مؤشرات حول كيفية عكس هذا المنحى التصاعدي، فإن تكلفة السجائر تعد أمراً حاسماً في ذلك. يقول مايس: "أدخن نحو 10 سجائر في اليوم كمعدل وسطي، وأنفق 45 جنيهاً استرلينياً في الأسبوع ثمناً لثلاث علب. وإذا ما ارتفع سعر السجائر إلى 20 جنيهاً استرلينياً للعلبة، فإنني سأقلل معدل التدخين".
وبدأ معدل التدخين بالتراجع في عقد السبعينيات من القرن العشرين، وأفاد مكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني بأن 6.4 مليون مواطن بريطاني من البالغين كانوا مدخنين في العام الماضي، وهذا يمثل أدنى نسبة من السكان منذ بدء التوثيق عام 2011. وجاء هذا التراجع في أعقاب عدد لا يحصى من مبادرات الصحة العامة المصممة للتشجيع على الإقلاع عن التدخين، بما في ذلك حظر إعلانات التدخين التلفزيونية عام 1965، وفرض ضرائب مبيعات مرتفعة في ثمانينيات القرن العشرين، وحظر التدخين في الأماكن العامة في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ومنذ عام 2012، بات عرض منتجات التبغ في المتاجر غير قانوني، وعام 2017، أصبح بيع السجائر مقتصراً على عبوات التغليف البسيطة.
وقبل نشر البحث الجديد، كانت الحكومة قد اقترحت بالفعل تطبيق قيود أكثر صرامة على مبيعات التبغ. وفي خطاب الملك الذي ألقاه الشهر الماضي، أوضحت الحكومة خطتها من أجل "جيل خال من التدخين"، عن طريق حظر بيع منتجات التبغ حظراً كاملاً. وسيشهد التشريع المقترح إلغاءً تدريجياً لمبيعات التدخين، بحيث يصبح الأطفال البالغة أعمارهم اليوم 14 سنة، غير قادرين على شراء التدخين في إنجلترا البتة في أي مرحلة من عمرهم في المستقبل. ويحذو هذا التشريع، إذا ما أقر، حذو نيوزيلندا التي طبقت السياسة نفسها العام الماضي، وهي تعمد اليوم إلى رفع السن القانونية لإمكانية شراء السجائر سنوياً، وصولاً إلى حظره بشكل كامل.
وتعتقد الدكتورة سارة جاكسون، المؤلفة الرئيسة في تقرير كلية لندن الجامعية المشار إليه أعلاه، أن الحكومة محقة في تركيزها على منع التدخين، ولكنها أضافت أن توزيع مليون سيجارة إلكترونية يمكنه أن يعكس هذا الاتجاه أيضاً. وقالت في مقابلة مع قناة "بي بي سي نيوز": "لا جدال في أن التدخين فتاك، ولكن معظم المخاوف تنصب على إقبال الشباب على التدخين الإلكتروني. إن أخطار السجائر الإلكترونية أقل بكثير من نظيرتها في التدخين العادي".
ولكن في حالة مايس، كان التدخين الإلكتروني هو ما قاده إلى الشروع في تدخين السجائر العادية. وأثار أطباء آخرون مخاوف متزايدة من أن التدخين الإلكتروني يمكن أن يصبح "مدخلاً" نحو التدخين العادي، ولا سيما لدى فئة الشباب الذين لم يسبق لهم أن دخنوا من قبل. لا يخلو التدخين الإلكتروني من الأخطار إذا دفعك إلى التعلق بشيء لم تكن مدمناً عليه في المقام الأول. وفي مقالة نشرتها مجلة "جونز هوبكنز الطبية" Johns Hopkins Medicine، حذر الدكتور مايكل بلاها، أستاذ الطب، من أننا "ربما نتسبب في الموجة الوبائية التالية من التدخين من خلال إدمان الشباب على السجائر الإلكترونية في مرحلة مبكرة من حياتهم".
وتشاطر جين إدواردز، وهي أم لطفلين، هذه المخاوف بعدما رأت كيف اتخذ ابنها المراهق تلك القفزة من التدخين الإلكتروني إلى تدخين السجائر العادية. وقالت: "يبلغ عمر ابني الأكبر 19 سنة، وكان ينفث الدخان الإلكتروني طوال الوقت، وسرعان ما تصاعدت الأمور لينتقل إلى تدخين السجائر الحقيقية. ينطوي التدخين الإلكتروني على تأثير عكسي مقارنة بتأثيره على الكبار أثناء محاولتهم الإقلاع عن السجائر الحقيقية".
وأضافت "أنا قلقة من أن ابني الثاني، البالغ من العمر 16 سنة، سيتبع الطريق ذاته. فهو مواظب على التدخين الإلكتروني في غرفته بشكل مستمر أثناء أداء واجباته المدرسية. في حالة التدخين العادي لا يمكنهم فعلها في الداخل على الأقل، ثم من يدري ما تفعله هذه المواد الكيماوية برئاتهم الصغيرة؟".
ويستخدم نحو 4.5 مليون بريطاني السجائر الإلكترونية، وهي أكثر شعبية في أوساط الفئة العمرية بين 16 و24 سنة، وفقاً لمكتب الإحصاءات الوطنية. ويقول أكثر من 15 في المئة من تلك الشريحة العمرية إنهم كانوا يدخنون السجائر الإلكترونية، إما بشكل يومي أو في المناسبات، خلال السنة الماضية، مقارنة بنسبة 11 في المئة في السنة التي سبقتها.
وعلى نحو مماثل، شهدت أكياس النيكوتين الفموية، المعروفة باسم "سنوس snus"، ارتفاعاً حاداً في شعبيتها. لا تحتوي هذه الأكياس - التي توضع تحت الشفة العليا ما بين 5 و10 دقائق – على التبغ، ولكنها محمَّلة بالنيكوتين. وقد خضعت هذه الأكياس الصغيرة، التي بدأ منشؤها في السويد وتحمل أسماء تجارية مثل: "نورديك سبيريت" Nordic Spirit و"فيلو" Velo و"زد واي أن" ZYN، للتدقيق أخيراً بعد أن شوهد عدد من لاعبي كرة القدم في الدوري الإنجليزي الممتاز يستخدمونها. وأفاد موقع "أتليتيك" The Athletic الرياضي بأن نسبةً تصل إلى 40 في المئة من اللاعبين ربما يكونون مدخنين نظاميين لأكياس النيكوتين، واعترف جيم فاردي مهاجم المنتخب الإنجليزي وفريق نادي ليستر سيتي في سيرته الذاتية بأنه استخدم الـ "سنوس".
ومع الزيادة المستمرة في تدخين السجائر واستخدام المنتجات البديلة – كالسجائر الإلكترونية والـ"سنوس" – فإن سنوات من التقدم الذي تحقق سابقاً باتت عرضة للضياع، الأمر الذي ينطوي على تبعات وخيمة على المستوى الصحي في البلاد وعلى هيئة الخدمات الصحية الوطنية. ووفقاً لمنظمة "العمل على التدخين والصحة" Action on Smoking and Heath، يمثل التدخين المسبب الأول للأمراض التي يمكن الوقاية منها وحالات الموت المبكر في إنجلترا، والتي تصل إلى 74600 حالة في السنة.
وسيكون من الصعب جداً التصدي لطفرة انتشار التدخين بين فئات الشباب إذا ما استمر المشاهير والمؤثرون في إشعال سجائرهم، بحسب رأي لوسي، إذ تقول: "العديد من مشاهير الجيل زد يدخنون، من أمثال ليلي – روز ديب، التي كانت تدخن طوال الوقت في الدور الذي أدته في مسلسل "آيدول" The Idol. وبالنسبة للعديد من أفراد الجيل زد، أظن أنه لم تكن لديهم النية في أن يصيروا مدخنين شرهين أو يدمنوا التدخين بشكل كامل. وعلى الأرجح أنهم يدخنون السجائر بدماغهم". ولو أخبرت الجيل إكس بذلك، فلعلهم فكروا بالطريقة ذاتها.
رايتشل ريتشاردسون هي كاتبة نشرة "هايلي فلامابل" highly flammable التي تعنى بالصيحات الشائعة في منصة "سابستاك" Substack