لم يكن متوقعاً، وعلى الإطلاق، أنْ يذهب السودان، الذي كان يُعتبر دائماً وأبداً الأكثر أمناً وأماناً بين كل الدول والأقطار العربية، إلى الاقتتال الداخلي؛ فالمعروف لدى العالم كله أن هذا البلد العظيم يتميز بالهدوء والاستقرار، وأنه لم يتعرض «سابقاً» لكل الزلازل والانقلابات التي تعرضت لها العديد من الدول العربية، الجمهورية خاصة. والمعروف أن بعض الأشقاء ما إن يذهبوا إلى النوم حتى يتفاجأوا بانقلابٍ عسكري جديد، وحقيقة أن هذا كان واقع الحال في سوريا القطر الشقيق والعزيز على قلوب العرب كلهم.
كنا قد تعرفنا على أشقائنا في السودان الطيب من خلال إخوتنا الطلبة السودانيين الذين كانوا قد انتشروا في العديد من الدول العربية، التي كانت قد ابتليت مبكراً «جداً» بداء الانقلابات العسكرية التي كانت قد شهدها معظم العرب في مراحل الانقلابات العسكرية التي كان أصحابها يصفونها بأنها ثورات.
والسؤال هنا هو: ماذا حصل يا ترى للسودان وللشعب السوداني الطيب العظيم حتى يلحق بقافلة الانقلابات العسكرية... وحتى تسير الخرطوم على الطرق الشائكة التي كانت قد سارت عليها بعض الدول العربية التي من المعروف أنها كانت قد مرت فعلاً بتجارب موجعة وقاسية.
كنا في مرحلة أن الحركة الطلابية التي كان لها باعٌ طويلٌ في رفع شعارات الانقلابات العسكرية التي كان أصحابها... وأصحاب أصحابها يسمونها «ثورات»، تشتبك في مدارسنا وجامعاتنا، وعلى أساس إما في هذا الاتجاه وإما في ذاك... وحقيقة أننا بدأنا نلمس أنه قد أصبحت هناك عودة إلى تلك المرحلة، لا أعادها الله.
والسؤال الموجع للقلوب هو: ما الذي يا ترى أصاب السودان الجميل العظيم والطيب حتى يعود إلى تلك المرحلة التي لم تترك للعديد من أقطارنا ودولنا العربية إلا الخراب والدمار... وهنا فإنه من الضروري التأكيد على أن بعض أبناء هذه الأمة العظيمة قد عاشوا هذا كله، وأن من بقي منهم قد دأبوا على التحذير للأجيال الصاعدة... بالابتعاد عن كل هذه «الفيروسات» القتالة، لكن الواضح أن هذا التحذير قد ذهب أدراج الرياح، وإلا فما معنى أن نرى كل ما نراه الآن، وحيث إن الكل يتوقع أن المقبل سيكون أكثر بلاء وويلات مما حصل سابقاً ولاحقاً وحتى الآن.
ويقيناً أنه لم يكن متوقعاً أن يحصل في السودان الطيب حقاً وحقيقة كل هذا الذي يحصل الآن؛ فقد هاجم جنود قوات الدعم السريع عدة معسكرات للجيش في العاصمة الخرطوم وغيرها من مدن ومناطق، والعنف قد امتد إلى أحياء كثيرة، وحقيقة أن ما حصل في هذا البلد الطيب لم يكن متوقّعاً على الإطلاق.
وبالطبع، فإنه قد كان مستبعداً أن ينضم هذا البلد الهادئ والطيب إلى دول الانقلابات العسكرية، الذي من المعروف أن أهله، قبل أن يحصل كل هذا الذي حصل، ما كانوا يستخدمون هذه المفردات الغريبة المتبادلة الآن... وكأن كل شيء قد تغير... وهذا البلد قد حصل فيه كل هذا الذي يحصل الآن... ونسأل العلي القدير أن يتمكن الطيبون من أهله من لملمة الأمور وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل أن تكون هناك كل هذه الشروخ المرعبة والمخيفة.
نأمل اليوم أن تثمر الجهود العربية التي تُبذَل على عدة صعد وقفَ نزف الدم هذا الذي يسيل في السودان الشقيق، وأن يرتقي الإخوة السودانيون إلى صوت العقل، الحكومة، وأن يستجيبوا للمناشدات العربية لوقف ما بدأوه من حرب واقتتال داخلي إن استمر فلن يترك أخضر ولا يابساً.
مَن كان يتوقع يا ترى أن يغرق هذا البلد العظيم فيما بات يغرق فيه، وحيث إن الشعب السوداني لم يسمع إطلاقاً ما بات يسمعه؛ فكأن شمس هذا البلد قد باتت تشرق من الغرب وتغيب من الشرق.
ألا يكفي هذا البلد الحبيب والعظيم حقاً ما يعانيه من فقر وتراجع اقتصادي، وآثار عقوبات اقتصادية تثقل كاهل الشعب السوداني الطيب؟ ألم يأن الأوان لإكمال عملية الانتقال السلمي للسلطة وللانتخابات لبدء مرحلة مدنية تنهي كل هذه الفوضى والخلافات والتقاتل على السلطة. نعم، ثمة خلافات وتباينات في هذه المرحلة الانتقالية سواء بين القوى المدنية والعسكرية أو بين القوى العسكرية ذاتها، كما ظهر في الاشتباكات الأخيرة، لكن كل ذلك لا يجوز إلى أن يتحول إلى احتراب وقتل وتدمير للبلد، بل المطلوب الحوار والتفاهم والتوافقات التي تنتشل الشعب السوداني مما هو فيه.
ثم هل كان متوقعاً منا الاطمئنان - يا ترى - بأن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، المرتاح البال، قد «تبرع» بتغريدة قال فيها إنه قلق للغاية بشأن التقارير التي تتحدث عن تصاعد العنف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي هي أيضاً قوات سودانية... يا سلام! شكراً له!
وحقيقةً أن ما يخفف وجع القلوب إزاء هذا كله أن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود وأغلب العرب قد دعوا «الأشقاء» السودانيين إلى سرعة وقف العمليات العسكرية، والتحلي بأقصى درجات ضبط النفس، وتجنب التصعيد، وتغليب مصلحة الشعب السوداني «الشقيق» على كل شيء، والحفاظ على مكتسبات هذا الشعب ومقدراته.