لماذا تكره قطتي النساء والأطفال؟

منذ 1 سنة 119

إن كان هناك من حيوان أليف يحتاج إلى حملة تسويقية لتحسين صورته النمطية العامة فهو من دون شك القط. ففي عالم الحيوانات الأليفة، تعتبر القطط حالة فريدة وأكثر الحيوانات مواجهةً للتصورات السلبية. في الوقت الذي تمنح فيه الحيوانات الأخرى الفرصة لسبر أغوار شخصيتها والتعمق فيها، غالباً ما تبسط القطط وتعطي صورة نمطية. فهي منعزلة ومتطلبة وتعتبر نفسها أفضل منكم [تعبير مجازي لطبيعة القطط الاستقلالية وثقتها بنفسها]. قد يكون بعض ذلك صحيحاً، ولكن خبيرة القطط المعروفة عالمياً الدكتورة سارة براون صنعت مسيرة لامعة من خلال إثبات لماذا لا تصح تلك الصورة النمطية دائماً.

بدأت الدكتورة براون دراستها منذ أكثر من 30 عاماً وأمضت سنوات عديدة في تحليل أدق تفاصيل سلوك القطط، مسلطة الضوء على كل الصفات الغريبة والتعقيدات التي تحفز القطط وتدفع سلوكها. وبعد أن أنجزت أطروحة الدكتوراه حول القطط الضالة (feral cats)، عملت أيضاً مستشارة في سلوكيات القطط وقامت بزيارة المالكين في منازلهم في محاولة منها للمساعدة على حل مشكلات حيواناتهم الأليفة. وتتراوح المشكلات النموذجية من التبول في أرجاء المنزل إلى مهاجمة كاحلي مالكها. في إحدى المرات، تعاملت الدكتورة براون مع قطة تقوم بمضغ كابلات التلفزيون. واستذكرت تلك الحالة قائلة، "كانت تلك القطة خطرة للغاية".

دعوت الدكتورة براون إلى منزلي للقاء قطتي "بلانش دوبوا"  Blanche DeBois واستغرقها الأمر دقائق معدودة لفك رموز نشاطنا اليومي الكامل. "أتصور أنك لا تتركينها بمفردها لوقت طويل"، قالت لي. "أستطيع القول إن بينكما علاقة قوية." وهذا صحيح: فأنا مهووسة حرفياً بقطتي بلانش. مع أنني لست مقتنعة أنك في حاجة إلى تكون خبير قطط لتعرف هذه الحقيقة.

يتمحور جزء كبير من كتاب الدكتورة براون الجديد "The Hidden Language of Cats" (اللغة الخفية للقطط) حول دحض بعض المفاهيم الخطأ الشائعة المحيطة بالحيوانات. في الكتاب، تقوم بدراسة جذور أسلاف القطط وتتفحص بعض السجلات التاريخية والدراسات العلمية لتوضيح بعض الأمور الممتعة والمثيرة المتعلقة بتلك المخلوقات المكسوة بالفراء. وقالت لي إن "عديداً من الأشخاص يسيئون فهم القطط" وأرجعت ذلك إلى واقع أنها تتحدر من القطط البرية في شمال أفريقيا وهي من الأصناف المنعزلة تماماً.

وتشرح الدكتورة براون أن تلك القطط "لم تكن تلتقي ببعضها البعض بشكل كبير وكانت تتواصل من خلال الرائحة. لم يكن التواصل وجهاً لوجه أمراً رائجاً لتلك الحيوانات وخلافاً للكلاب التي تتحدر من الذئاب الاجتماعية، تحتم على القطط تطوير لغتها من الصفر لكي تتواصل". خلاصة القول، كان أمامها كثير من العمل لإنجازه وتبين بوضوح أن بعضها عمل بجهد أكبر من بعضها الآخر.

كما أن القطط لم تستأنس منذ فترة طويلة كما حصل مع الكلاب، ولهذا فإن إشارات التواصل لديها تكون أكثر دقة في كثير من الأحيان. وتقول الدكتورة براون: "تتعلق تلك الإشارات في ما إذا كان ذيلها موجهاً نحو الأعلى أو للأسفل وكذلك الجهة التي تصوب إليها شواربها، كما أن لدى أذنيها سبع طرق مختلفة للتحرك. لا يتعلق الأمر بكونها منعزلة، بل بكون غالبية التصرفات التي تقوم بها تمر علينا مرور الكرام من دون أن نلاحظها. كل ما يجب علينا القيام به هو إمعان النظر في تلك الإشارات".

وفي هذا السياق، تبرز أبحاث طوال الوقت لإثبات ذلك. في الواقع، كشفت دراسة جديدة نشرت هذا الأسبوع في مجلة "Behavioural Processes" بأن القطط لديها 276 تعبيراً للوجه وهي خصائص يعتقد أنها تطورت نتيجة للعيش مع البشر. ووجد الباحثون أنه من خلال مجموعة متنوعة من حركات عضلات الوجه، بما في ذلك لعق الأنف وتجعيد الأنف والرمش بالعين فإن القطط كانت قادرة على التعبير عن أنفسها بطرق أكثر مما اعتقد الخبراء في السابق.

وليس هذا الرقم ببعيد من التعابير الـ357 التي رصدت في قرود الشامبانزي، ولكنها أكثر بكثير من تعابير الوجه الـ27 التي لوحظت عند الكلاب، مع أن أحداً لم يقم حتى اليوم بدراسة عدد التعابير التي يمكن أن تنبثق من مزيج تلك الحركات. مع ذلك، فإن هذه الرؤية الجديدة تقدم منظوراً مثيراً للاهتمام لعشاق القطط في أي منافسة ودية مع محبي الكلاب.

تشرح الدكتورة براون أنه في ما يتعلق بالأمور التي تحاول القطط التواصل من خلالها، يعني ذلك غالباً "أطعمني، أخرجني، أدخلني، العب معي، اتركني وشأني!" وتضيف: "تحب القطط قيادة التفاعلات والقيام بذلك على طريقتها الخاصة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إنه أمر أعرفه حق المعرفة. فقطتي "بلانش" لا تحب أن يخبرها أحد بما عليها فعله. على سبيل المثال، عندما أحتاج إلى حبسها في غرفة ما، تقوم بخدش الباب بعنف والمواء بقوة إلى أن أفتح لها. لكن ذلك لا يعني أنها قطة محبة للمشكلات. إن كان هناك من شيء، فإن مشكلتها الوحيدة تكمن في أنه ليس لديها ما يكفي من المشكلات. هي تشبه الزعيمة التي تقضي أيامها تعاين مملكتها (أي شقتي) بدءاً من قصرها (شجرة القطط) أو من برجها (مجموعة من الأدراج التي تطل على حديقة مشتركة). تتمتع بلانش بدلال مفرط وإسراف في الملذات. في بعض الأحيان، أشعر بالقلق من أن يؤثر ذلك في تصرفاتها ويفسدها، ولكن الدكتورة براون التي استغرقت 30 دقيقة في تقييمها أكدت لي أن ذلك بعيد من الواقع.

وقالت لي فيما حملت شريطاً تلعب به بلانش بسعادة: "تبدو لي أنها قطة طبيعية بالكامل ومصدر بهجة بشكل رائع. بالنسبة إلى قطة تعيش في المنزل، يشكل تطورها أمراً مهماً للغاية. فمن الرائع أن يكون لديك مكان لتخدشه وعديد من الألعاب فتلك الأمور تشكل أساساً لكي تجعل حياتها مهمة قدر الإمكان".

خلال حديثي مع الدكتورة، كانت بلانش تتجول في أرجاء الشقة وتتسلق على شجرة القطط الخشبية وتختبئ تحت الأدراج وتقوم بالمواء. وتلاحظ الدكتورة أنها "منشغلة للغاية!" وتشير إلى كيف أن ذيلها يرتفع إلى الأعلى عندما تقترب منها وهي على ما يبدو إشارة إلى أنها ترحب بها بشكل ودي.

تربطني علاقة وثيقة ببلانش وهو ما حاولت شرحه بدقة للدكتورة براون. ومرة أخرى، لا أعتقد أن الأمر يحتاج إلى توضيح. كوني أعمل من المنزل، نقضي كثيراً من الوقت معاً. فهي تنام على الوسادة بقربي في معظم الليالي وتقوم في بعض الأحيان بوضع مخالبها على يدي وتستمتع بالوجود بقربي عندما أكون في المنزل. وفي هذا الصدد، تقول الدكتورة براون: "من الواضح أنها تشعر بأمان عندما تكون برفقتك. لا تبدو مهتمة بالحصول على مساحتها الخاصة، بل ترغب بأن تكون ضمن مساحتك وأن تشكل جزءاً من دائرتك الاجتماعية".

يتمحور معظم كتاب الدكتورة براون حول كيفية تواصل القطط معنا. فعلى سبيل المثال، هناك أنواع عديدة من المواء وهي تختلف بين القط والآخر. فتعتبر الدكتورة أن "الأشخاص الذين يعيشون مع قططهم بشكل وثيق قد يطورون مرجعاً يمكنهم من فهم معاني المواء. فالقطط تستخدم تلك اللغة كإشارة إلى تخبركم بما تريده أو تحتاج إليه".

هذا جيد. ولكن، ماذا عن قيامنا نحن بالتواصل مع قططنا؟ تنتشر عديد من النكات والصور التي تتعلق بهذا الأمر على الإنترنت، وهي تتعلق مثلاً كيف أن القطط لا تعرف أسماءها. وفي هذا السياق، تشير الدكتورة براون إلى أن هذا الأمر ليس صحيحاً بالكامل. وتقول إن "الدراسات أظهرت أن بوسع القطط التعرف على أسمائها من بين كلمات أخرى تبدو مشابهة له. هي لن تركض إليكم عندما تسمع اسمها كما تفعل الكلاب، ولكنها قد تتوقف فجأة عما تفعله وتمنحكم مزيداً من الاهتمام".

كما بوسعنا أن نخبرها بأننا نحبها، ولكن ربما ليس بتلك العبارات. "إن أفضل طريقة لإظهار الحب للقطط تكمن في ملاحظة ما تقوم به ومحاولة قراءة الإشارات التي تبعثها والإجابة عليها. قد يتم ذلك من خلال منحها مساحة خاصة بها لقضاء الوقت بمفردها عندما تحتاج إليها أو العاطفة عندما تطلبها".

تقوم "بلانش" ببعض التصرفات المحددة التي أود أن أسأل الدكتورة براون عنها. لماذا تقوم مثلاً بالالتفاف على ظهرها وترفع أقدامها الصغيرة في الهواء عندما أعود إلى المنزل؟ تجيب الدكتورة براون بأن ذلك "إطراء كبير ويعني أنها مرتاحة للغاية، ولكن الأشخاص يميلون للاعتقاد أن ذلك يعني "اقتربوا ودلكوا بطني" وغالبية القطط تكره ذلك". وبالفعل، لا تحب بلانش تلك الحركة.

ومن بين الأمور الأخرى التي تكرهها؟ الأطفال، فقد هسهست لثلاثة أطفال خلال العام الماضي [دفع الهواء عبر فمها في إشارة تحذير للتعبير عن عدم الراحة]. "إنه تصرف شائع" تقول الدكتورة براون، "يمكن للأولاد أن يقوموا بحركات مفاجئة أو مباشرة تجاه القطط وهو ما قد تعتبره القطة تخويفاً أو تهديداً. فهي تحب أن تختار بنفسها نوع التواصل الذي تحبه وتفضله". تبدو الأمور واضحة بالنسبة إليّ حتى الآن. لدي سؤال آخر أيضاً: لماذا عندما أضع حصيرة اليوغا الخاصة بي في المنزل، تسارع بلانش إلى الاستلقاء عليها بقربي وتقوم غالباً بالتمدد. هل تود ممارسة اليوغا أيضاً؟ تشرح الدكتورة براون: "تحب القطط أن نقوم بالتمدد على الأرض؛ لأننا بذلك نصبح على المستوى نفسه معها. أعتقد أنها تشعر بأننا نقوم بأمر مثير للاهتمام لا نقوم به دائماً، وتعتبر ذلك ممتعاً وتود المشاركة فيه".

وأود أيضاً إثارة مسألة أخرى تشعرني بالقلق. باستثنائي، لا يبدو أن بلانش تحب النساء، أقله ليس لفترة محدودة، فهي تقوم بالمواء وتبتعد عندما تحاول امرأة حملها أو التفاعل معها. ولكنها في المقابل تتودد بسرعة للرجال وتقفز إلى ذراعهم لكي تسمح لهم باحتضانها وتدليلها وتتخذ أجمل المواضع عندما يقترب منها أي رجل. هل تكره قطتي النساء أو لعلها قطة "فاسقة"؟

تقترح الدكتورة براون أنه "لعل مرد ذلك يعود إلى تربيتها. ربما كانت محاطة بالرجال أكثر من النساء عندما كان عمرها بين أسبوعين وسبعة أسابيع، وهي الفترة التي تحصل فيها عادة غالبية العلاقات الاجتماعية بالنسبة إلى القطط. لعل هؤلاء الرجال تفاعلوا معها بطريقة أحبتها بشكل خاص أو استمتعت بالطريقة التي أمسكوها بها. وهذا أمر مثير للاهتمام لأن القطط بشكل عام تفضل الطريقة التي تتفاعل معها النساء عادة".

أصل بذلك إلى السؤال الأخير الذي أود طرحه على الدكتورة براون. أريد أن أسألها عن الأشخاص الذي يملكون قططاً. لأنه بقدر ما قد تكون القطط في حد ذاتها عرضة لسوء الفهم، فإن تلك الصورة النمطية لا تقارن حتى بالتنميط الذي يتعرض له مالكو القطط وخصوصاً إن كانوا نساء مثلي، كما تعرف أي أنثى تملك قطاً، فإن صورة "المرأة المجنونة التي تملك قطاً" crazy cat lady (هي صفة سلبية تطلق عادة على المرأة التي لم تتزوج والتي ترافق القطط وتصبح معزولة اجتماعياً) تلتصق بها على المستويين الاجتماعي والثقافي وتظهر جلياً في كل مكان من مسلسل "فريندز" Friends إلى "ذا سمبسونز" The Simpsons. وهي صفة أطلقها الناس علي شخصياً مرات عديدة.

"هل أنا واحدة من أولئك النساء؟ ربما أنا كذلك،" تقول الدكتورة براون التي تملك قطاً اسمه "سمادج". أكدت لها أنه في حال انطبقت عليها تلك الصفة فهي حتماً تنطبق علي أنا أيضاً. "إنه أمر مثير للاهتمام لأن القطط تملك تاريخاً طويلاً من العلاقة مع النساء بدءاً من الآلهة المصرية ومن بعدها الساحرات". ليس واضحاً بشكل دقيق متى أصبحت النساء متهمات بأعمال السحر والشعوذة أو متى بدأت القطط تعتبر شريكتها في تلك الأعمال وفي المجتمع أيضاً، ولكن في عام 1233، أصبحت القطط مرتبطة بشكل وثيق بأعمال الشعوذة والأرواح الشيطانية لدرجة أن البابا غريغوري التاسع أعطى أوامر بالقضاء على كل القطط آنذاك. ولذلك بدءاً من القرن الـ13 حتى القرن الـ17، ذبحت القطط وغالباً ما كانت تحرق من خلال ربطها على الأعمدة مع النساء اللاتي اتهمن بأعمال الشعوذة. ولهذا، فيما حظيت القطط بعلاقة مد وجزر مع البشر بشكل عام، يبدو أن النساء ارتبطن بشكل وثيق مع القطط.

إن التحدث مع الدكتورة براون وقراءة كتابها عزز حبي للقطط وولعي بها خصوصاً مقارنة بحيوانات أخرى. وفي هذا الصدد، تقول الدكتورة براون إنها "أقل ترويضاً من الكلاب وهذا برأيي ما يجعلها مثيرة للاهتمام وربما أكثر تحدياً أيضاً".

ولهذا، في حال أطلق الناس علي لقب "المجنونة صاحبة القطة" فسيكون ذلك وساماً أحمله بكل فخر.

صدر كتاب "The Hidden Language of Cats" من تأليف الدكتورة سارة براون عن دار نشر بنغوين مايكل جوزيف.