يحتفل العالم كل عام في الثالث من يونيو (حزيران) باليوم العالمي للدراجات، بهدف تسليط الضوء على أهمية استخدام الدراجة الهوائية كوسيلة نقل بسيطة ورخيصة وصديقة للبيئة، وفي الوقت ذاته تقلل من الازدحام المروري الذي تسببه السيارات، ومن هنا فقد اعتمدت الأمم المتحدة هذا اليوم يوماً عالمياً للدراجات.
وتواكباً مع هذا التوجه العالمي سعت كثير من الدول إلى تشجيع استخدام الدراجة كوسيلة مواصلات، وتنفيذ كثير من المشروعات التي تدعم هذا التوجه وتدفع الناس إلى اعتماده كوسيلة سهلة وصديقة للبيئة.
وفي مصر تم تبني كثير من المبادرات الداعية إلى ركوب الدراجات سواء كهواية مثل مجموعات قيادة الدراجات التي انتشرت في السنوات الأخيرة أو كوسيلة للمواصلات، وبالفعل حقق بعضها نجاحاً نسبياً مثل المبادرة التي تم إطلاقها في شرم الشيخ.
ومنذ ما يقرب من عام تم الإعلان عن مشروع يهدف إلى اعتماد الدراجة كوسيلة مواصلات في القاهرة تحت اسم (كايرو بايك) صاحبه احتفاء من الجمهور والمتخصصين على السواء، ليتم أخيراً تداول عديد من الصور على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر فيها محطات الدراجات التي تم افتتاحها خاوية تماماً وخالية من الدراجات بشكل يتناقض مع التوقعات التي صاحبت بداية المشروع، والتي كانت تأمل في أن يكون بادرة لانتشار هذا الفكر وتعميمه بصورة أكبر في مناطق أخرى.
بدأ المشروع بمنطقة وسط القاهرة بإجمالي 500 دراجة موزعة على 45 محطة تعمل بالطاقة الشمسية ومزودة بكاميرات للمراقبة ويتم تتبعها بالـGPS ويتم تشغيلها من خلال تطبيق على الموبايل ويعتمد المشروع فكرة المشاركة، باعتبار أن هناك نقاطاً عدة تتوافر بها الدراجات يمكن للمستخدم الحصول على الدراجات منها، يكون أغلبها متقاطعاً مع محطات المترو وخطوط النقل العام.
يستهدف المشروع قطاعاً من الجمهور أغلبهم من الموظفين وطلاب الجامعات والمستخدمين لوسائل المواصلات بشكل كبير باعتبار سهولة استخدام التطبيق ورخص سعر الدراجات، إذ كان سعر استخدام الدراجة لمدة ساعة يعادل جنيهاً واحداً وهو سعر رمزي بالمقارنة بأي وسيلة أخرى للمواصلات، إذ يصل سعر أقل تذكرة لمترو الأنفاق على سبيل المثال إلى خمسة جنيهات (0.16 دولار أميركي).
عقبات متنوعة واجهت المشروع منذ انطلاقه من بينها أن كلفة استخدام الدراجة ضئيلة جداً ولا تتناسب مع كلفة الصيانة والتشغيل، وظهور مشكلات في استخدام التطبيق واعتماد فكرة الحصول على كارت مشحون مقدماً، وخروج أحد القائمين على المشروع معلناً أن واحدة من المشكلات التي تواجهه هي استخدام عمال توصيل الطلبات هذه الدراجات لكلفتها الزهيدة مما أدى إلى سوء استخدام للدراجات، بينما فريق من المستخدمين يرى أن شوارع القاهرة غير مصممة من الأساس لاعتماد الدراجة كوسيلة مواصلات، وأن المنطقة التي وجدت بها مسارات للدراجة محدودة جداً ولا تمكن من الانتقال بالدراجات على نطاق واسع بشكل آمن.
المشروع السابق ليس الأول من نوعه في القاهرة ولكنه يعتبر المشروع الذي تم تنفيذه بشكل رسمي في تعاون بين أكثر من جهة وسبقته محاولات عدة، إضافة إلى جهود فردية من أشخاص ومحاولات لنشر فكر قيادة الدراجات من خلال مجموعات تنظم جولات بالدراجة بشكل غير منتظم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لم يصدر بيان رسمي أو إفادة من أي جهة من القائمين على المشروع بوضعه حالياً وهل انتهى أمره أم سيتم إعادة إحيائه بأي وسيلة، غير أن واحداً من المواقع الإخبارية المحلية نشر تصريحاً على لسان مصدر من محافظة القاهرة لم يذكر اسمه أفاد بأن المشروع سيتم إعادة تشغيله بالتعاون مع مشغل آخر ذي سابقة أعمال أفضل في هذا المجال، وأن الأمور ستعود إلى طبيعتها وسيتم إصدار بيان بالتفاصيل، وفي الوقت ذاته تقدم أحد أعضاء مجلس النواب المصري بطلب إحاطة بالبرلمان بخصوص هذا الموضوع، إلا أنه لم يتم نشر مزيد من التفاصيل عن رد الحكومة عن وضع المشروع.
البنية الأساسية ليست مؤهلة للدراجات
كيف يرى الخبراء الأمر وما المعوقات التي يمكن أن تكون سبباً في تعثر مثل هذا المشروع بخاصة مع طبيعة مدينة القاهرة، باعتبارها واحدة من أكثر المدن ازدحاماً، وهل هي مؤهلة من الأساس لاستخدام الدراجات في شوارعها المزدحمة؟
يقول الخبير البيئي والمستشار السابق لوزير البيئة حسام محرم لـ"اندبندنت عربية"، "النقل غير الآلي متضمناً الدراجات الهوائية هو أحد عناصر حزمة النقل النظيف البديل الذي تسعى الدول إلى زيادة نسبته، بخاصة أن الدراجات ليس لها عوادم تلوث الهواء الجوي، وإن كانت هناك حدود لهذا البديل أهمها ضرورة وجود بنية أساسية ملائمة لاستخدام الدراجات الهوائية، مع الوضع في الاعتبار أن هذا البديل ينتشر في المدن الصغيرة أكثر من المدن الكبرى". مضيفاً "في حالة القاهرة الكبرى المعروفة بضخامتها فإن الدراجات الهوائية ما زالت محدودة الاستخدام لأسباب متعددة من بينها ضخامة مسافات معظم الرحلات اليومية لكثير من المواطنين سواء كانت رحلات روتينية أو رحلات عارضة، لذلك فإن النمط الأكثر انتشاراً في القاهرة الكبرى هو الدراجات النارية أو الموتوسيكل، لأنه ملائم للاستخدام في الرحلات التي يقطعها معظم المواطنين الذين ينتمون إلى الشريحة المستهدفة".
ويضيف "لا بد أن تركز الخطط المستقبلية على وضع الاشتراطات المتعلقة باستخدامات الدراجات الهوائية ضمن الأكواد والمواصفات المتعلقة بشبكة الطرق ومنظومة النقل حتى يكون هذا البديل عملياً وآمناً بالنسبة إلى المواطنين، ويمكن البدء بالمدن الجديدة والتوسعات المزمعة خلال السنوات المقبلة، وتظل جزئية التوعية والترويج جزئية مكملة وليست هي الركن الأساسي في تعظيم استخدامات الدراجات الهوائية، بل الأساس هو مدى ملاءمة البنية الأساسية والخصائص العمرانية فهي أهم المعايير الحاسمة". وتابع "شبكة الطرق في القاهرة وطبيعة الأرصفة ليست ملائمة في كثير من الأحيان، مما يجعل الدراجات الهوائية غير آمنة طبقاً لمواصفات ومعدلات الأمان والسلامة في شبكة الطرق مما يقلل من الإقبال عليها".
رأي المستخدمين
شهدت القاهرة في السنوات الأخيرة كثيراً من المجموعات المهتمة بقيادة الدراجات كهواية والتي كان يظهر أعضاؤها في صبيحة عطلات نهاية الأسبوع في شوارع القاهرة في تجمعات كبيرة تعطي انطباعاً بأن هناك اهتماماً من قطاعات كبيرة من الجمهور بقيادة الدراجات، فكيف يرى الجمهور أسباب تعثر فكرة اعتماد الدراجة كوسيلة للمواصلات في مصر.
أحمد السيد (27 سنة) من بين المشاركين في تجمعات قيادة الدراجات في القاهرة يقول "أعتمد دراجتي الخاصة كوسيلة للانتقال منذ نحو سبع سنوات، وأشارك بشكل منتظم في كثير من تجمعات قيادة الدراجات، ويمكنني القول إن واحداً من أسباب فشل هذا المشروع أن القاهرة غير مؤهلة في تخطيطها لاعتماد الدراجة كوسيلة مواصلات، فحتى لو وجدت مسارات للدراجة في بعض المناطق مثلما حدث في الفترة الأخيرة فإن أغلب المناطق لا تتوافر بها بالتالي لا يكون من السهل استخدام الدراجة لمسافات طويلة في قضاء المشاوير اليومية".
ويضيف "هذا المشروع يصعب تنفيذه على مراحل، وإنما كان الأفضل أن يكون مشروعاً متكاملاً يتم افتتاحه مرة واحدة بمسارات ممتدة تغطي جميع أنحاء العاصمة وتتيح لقائد الدراجة السير بأمان في واحدة تعد من أكثر المدن ازدحاماً".
بينما تشير فرح (23 سنة) "أسكن في واحدة من المدن الجديدة شرق القاهرة واعتماد الدراجة كوسيلة للانتقال فيها فكرة مقبولة ومنتشرة باعتبار هدوء الشوارع وصلاحيتها لقيادة الدراجة مثلما هي الحال في بعض المناطق الهادئة داخل القاهرة مثل الزمالك والمعادي على سبيل المثال، إلا أن قيادة الدراجة في قلب القاهرة أمر ليس بالهين بخاصة في المسافات الطويلة ووجود مناطق غير ممهدة لهذا الأمر، مما يشكل صعوبة كبيرة ولا يشجع الناس على استخدام الدراجة، وفي الوقت ذاته هذا المشروع كان لا بد أن يصاحبه حملة إعلامية كبيرة لنشر الوعي بأهميته وبالمسارات المتاحة والنقاط التي تتوافر فيها الدراجات".