عاملة منزلية في المغرب (مواقع التواصل)
يستهوي استقدام الخادمات الأجنبيات، الآسيويات منهن على وجه الخصوص، عديداً من العائلات الثرية في المغرب، التي تحرص على توظيفهن، خصوصاً الفيليبينيات منهن، إما من أجل "التباهي" الطبقي، أو لضرورات مهنية واجتماعية. وفي وقت تتنافس فيه عائلات ميسورة مغربية على استقدام العاملات المنزليات الآسيويات، فإنهن يشتكين أحياناً من سوء معاملتهن، أو عدم احترام تلك العائلات قوانين الشغل المعمول بها في البلاد.
وفي ظل غياب أي معطيات رسمية أو شبه رسمية في شأن عدد الخادمات الآسيويات أو الأجنبيات في المغرب، فإن معطيات جمعيات حقوقية تعمل في المجال تشير إلى وجود أكثر من 10 آلاف خادمة آسيوية في البلاد.
موضة "الخادمات الفيليبينيات"
وتحرص أسر غنية في المغرب على جلب عاملات منزليات من جنسيات آسيوية خصوصاً، حيث صار الأمر أشبه بـ"موضة" في أوساط العائلات الثرية في المدن الكبرى، خصوصاً العاصمة الرباط والدار البيضاء وغيرهما. وتوظف هذه الأسر المغربية ذات المداخيل المرتفعة الخادمات الآسيويات بطريقتين، الأولى عبر شركات قانونية متخصصة في جلب اليد العاملة من دول آسيا، ومن الفيليبين تحديداً، بالتالي تكون إقامة تلك الخادمات في البلاد قانونية ومحمية، أما الطريقة الثانية فتتمثل في تشغيل عائلات ثرية خادمات آسيويات، مستغلةً الهجرة السرية لعديد منهن، خصوصاً من الفيليبين، لتوظفهن لتأدية أشغال البيت، دون توثيق عقود عمل، إذ إنهن مهاجرات غير نظاميات لا يملكن بطاقات الإقامة.
وفي سياق يتعلق بالعمالة الفيليبينية، أثير أخيراً موضوع اعتزام توظيف المغرب لعديد من الممرضات الفيليبينيات، وهو ما سبق أن صرح به سفير الفيليبين لدى المغرب، ليزلي باجا، غير أنه في المقابل لا يسمح القانون المغربي بتوظيف ممرضات من جنسيات أجنبية، ويفضل عديد من الأسر المغربية الغنية تشغيل آسيويات على أن تجلب عاملات مغربيات من مناطق فقيرة، بالنظر إلى عوامل عدة، منها المشكلات الاجتماعية التي قد تتسبب بها عاملة المنزل المغربية، مع الإشارة إلى جودة عمل الخادمة الآسيوية وصبرها في أداء المهمات المنوطة بها مقارنةً بغيرها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
معاناة خادمات آسيويات
وتشتكي العاملات الآسيويات أحياناً من ظروف العمل في البيوت المغربية، نظراً إلى إما "سوء المعاملة" أو "صعوبة العمل" أو عدم الاستفادة من الميزات التي يتيحها القانون المغربي المتعلق بعاملات المنازل.
وينص القانون المغربي (19.12) الخاص بعمال المنازل على أنه يتعين على الأسرة المشغلة توفير تصريح للعاملة (أو العامل) وضمان الراحة الأسبوعية والعطلة السنوية ورخصة التعطل عن العمل خلال الأعياد الدينية والوطنية، كما يمنح ذات القانون حق التغيب لأسباب عائلية وصحية.
هذه الميزات التي يتيحها القانون المغربي لا تستفيد منها خادمة فيليبينية، تعمل لدى أسرة ميسورة بالدار البيضاء، حيث قالت لـ"اندبندنت عربية" إنها لا تستفيد من يوم الراحة الأسبوعية إلا نادراً، كما أنها تعمل في أيام العطل، ولا يحق لها المطالبة بذلك لأنها مهاجرة غير نظامية".
ووفق المتحدثة ذاتها، فإن هناك زميلات لها من بلدها، يعملن في بيوت عائلات مغربية ويتشكين من أكثر من مجرد حرمان من العطلة في المناسبات الدينية والعطل الرسمية، إذ يشتكين من سوء المعاملة خصوصاً من جانب ربة البيت، على اعتبار أن أغلب الخادمات قدمن من طريق شبكات للهجرة السرية.
وأردفت المتحدثة عينها أن "هناك خادمات آسيويات يشتكين من التحرش الجنسي أو حتى من الاعتداء من طرف ذكور الأسرة المشغلة"، مبرزةً أنه في "أحيان عدة لا تكشف الخادمة عما وقع لها مخافة طردها، وأحياناً أخرى تلجأ إلى جمعيات حقوقية متخصصة بمؤازرة هذه الحالات".
في السياق، تلعب "هيئة التضامن مع المهاجرين الآسيويين" دوراً محورياً في دعم الخادمات القادمات من دول آسيا، اللواتي يتعرضن أحياناً لسوء المعاملة من تعنيف وتحرش جنسي أو حتى هتك عرض واغتصاب وغيرها من المشكلات.
في المقابل، تقر خادمات آسيويات بما يحظين به من معاملة جيدة من قبل الأسر المغربية التي توظفهن للقيام بأعباء المنزل، ومنهن "أبيكيل"، وهي خادمة فيليبينية، قالت لـ"اندبندنت عربية" إن راتبها الشهري أفضل بكثير من زميلاتها المغربيات، كما أن الأسرة التي تشغلها تتيح لها الاستفادة من الإجازات القانونية.
فقدان ثقة وتباه
في سياق متصل، علق مصطفى السعليتي أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة القاضي عياض بمراكش، على هذا الموضوع قائلاً إن "حرص كثير من العائلات الميسورة على توظيف خادمات آسيويات يفسر بعوامل عدة، أبرزها فقدان الثقة بعاملات المنازل المغربيات". وشرح السعليتي أن "التجارب بينت أن هناك سلوكيات تتسم بالعنف من طرف بعض عاملات المنازل المغربيات، خصوصاً عندما يتم استقدامهن من طبقات هشة وفقيرة، بعدما عشن إحباطات اجتماعية ونفسية، إضافة إلى نقص في المستويات العلمية والثقافية، ما يدفع الأسر المعنية إلى البحث عن بدائل، تتمثل في استقدام خادمات آسيويات".
وعزا السعليتي استقطاب الأسر الميسورة لعاملات المنازل الآسيويات إلى عامل ثان، هو "تحقيق نوع من التباهي الاجتماعي والبحث عن التميز والاختلاف عن عائلات أخرى، قد تجمعها بها علاقات الجوار أو المصاهرة أو الأعمال، تشغل خادمات مغربيات".
ولفت المتحدث ذاته إلى "عامل ثالث في هذا الصدد هو مميزات وخصوصيات ترتبط بعاملات المنازل الآسيويات، من قبيل الأمانة والتفاني والجدية وغيرها من السلوكيات والسمات التي قد لا تتوفر كثيراً لدى عاملات منازل من جنسيات أخرى". وأضاف السعليتي عاملاً آخر يفسر تهافت الطبقات الغنية على تشغيل خادمات آسيويات يتجسد في "نوع من نظرة الاستصغار لبعض هذه الأسر الثرية لبنات مجتمعهم اللواتي ينتمين إلى طبقات اجتماعية فقيرة، حيث قد تنظر إليهن نظرة ازدراء، بالتالي تفضل عليهن خادمات وافدات من مجتمعات وجنسيات أجنبية".