لماذا تتنمر النساء على بعضهن في أماكن العمل؟

منذ 1 سنة 188

عندما قام رئيس جينا* باتهامها باستخدام هاتفها أثناء العمل، عرفت فوراً من أخبره، تقول "أجبته أنني لا أستخدم هاتفي إلا أثناء استراحة الغداء، وهذه هي الحقيقة، لكنه قال إن أحد الزملاء أبلغه بسوء سلوكي وإن عليه اتخاذ إجراء".

هذا هو الاتهام الكاذب الأحدث في سلسلة وجهتها لجينا مديرتها المباشرة. تضيف، "إنها تصب إحباطها عليّ دائماً وصرخت في وجهي ذات مرة فشعرت بعدها أنني سأفقد عقلي".

حصل الموقف الأخير عندما كانتا وحدهما مما جعل الزملاء الآخرين يتجاهلون مخاوفها. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هناك قول شهير منقول عن وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت التي توفيت في وقت سابق العام الحالي، "يوجد مكان خاص في الجحيم للنساء اللاتي لا يساعدن النساء الأخريات".

إنه اقتباس يستخدم غالباً ضمن سياق أماكن العمل كطريقة لإلهام الموظفات لمساعدة بعضهن بعضاً، ومع ذلك فحتى في عام 2022 فإن المشاعر في مقولة أولبرايت تبدو طوباوية تماماً، لأن ذلك المكان الخاص حقيقي جداً بالفعل ويمتلئ بسرعة.

وجد "معهد [دراسة] التنمر في أماكن العمل" أن النساء يتعرضن إلى التنمر بنسبة تصل إلى 80 في المئة من قبل نساء أخريات، بينما أظهرت دراسات أخرى أن النساء اللاتي يشتكين إلى النساء يتعرضن بشكل متكرر أكثر للتنمر وسوء المعاملة وتقويض الوظيفة، وتنتشر هذه الظاهرة لدرجة أن لها اسماً خاصاً هو "متلازمة ملكة النحل" يستعمل لوصف النساء ذوات الخبرة الطويلة اللاتي يقمن بإعاقة النساء الأخريات عن قصد بسبب جنسهن، وقد صيغ في السبعينيات ولا يزال مستخدماً حتى اليوم، بازدراء نوعاً ما، لوصف هذه المشكلة المستمرة.

وفقاً لمنظمة "ثورة إعلاء الأصوات" غير الربحية الهادفة إلى وقف ثقافة الصمت حول المضايقات والتنمر في أماكن العمل، فإن السلوكات السامة الأكثر شيوعاً والمبلغ عنها هي سلوكات التلاعب (72 في المئة)، والاستخفاف اليومي (67 في المئة) والمراقبة المفرطة لعمل المرء (62 في المئة)، كما أظهرت الأبحاث التي أجراها موقع "غلاس دور" Glassdoor المعني بشؤون التوظيف أن النساء معرضات إلى التنمر أكثر من الرجال، وقد يعود ذلك إلى أن جرأة النساء على الدفاع عن أنفسهن أقل.

لا يقف الأمر عند حد كون هذا السلوك شائعاً بشكل مقلق لكنه أصبح طبيعياً لدرجة أنه يظهر بانتظام في الثقافة الشعبية.

ألقوا نظرة سريعة على الموسم الجديد من مسلسل "إميلي في باريس" Emily in Paris الناجح الذي تعرضه "نتفليكس" من بطولة ليلي كولينز في دور فتاة أميركية تعمل في مجال التسويق بالكاد تستطيع نطق كلمة "كرواسون" بشكل صحيح، لكنها سرعان ما تصبح شخصاً مؤثراً ويثير القلاقل في العاصمة الفرنسية.

في هذا الجزء نرى رئيسة إميلي المباشرة سيلفي (تمنحها الممثلة فيليبين ليروي بيليو صبغة لامبالية مدهشة)، تتنافس وجهاً لوجه مع رئيستها الأميركية مادلين في نزاع هزلي شيئاً ما يصل إلى ذروته عندما تحضر كلتاهما إلى إحدى الفعاليات وهما ترتديان فستاناً من صناعة مصمم الأزياء نفسه، ويا له من تجاوز للمحرمات.

في هذه الحال تمثل سيلفي الأم الحاكمة والعساسة وهي تتعالى على امرأة أخرى ترى أن وظيفتها تهديد لها، وفي هذه الأثناء تمثل مادلين (كيت ولش) النظير المنادي بتولي النساء مناصب إدارية وتحطيم النظام الأبوي، والتي يمكننا القول إنها الرمز الأكثر خداعاً بين الاثنتين.

إنها أيضاً الشخص الذي صرنا نراه بكثرة خلال السنوات الأخيرة.

نشأ مصطلح "الفتاة الزعيم" سنة 2014، وكان يستخدم لوصف القيادات النسائية التي تميز نجاحها بنهج "المرونة" الذي تتحدث عنه الكاتبة شيريل ساندبرغ في كتابها الذي يحمل العنوان نفسه، وكان لفترة من الوقت معقل الحركة النسوية المعاصرة، إذ حصلت القائدات الملهمات اللاتي يتبنين أفكاره ويتحدثن عنها بلا كلل على التكريم كرموز نسوية، وحملت دور الأزياء وعلامات العطور وحتى البرامج التفلزيونية أسماءهن، لكن سرعان ما انهار كل شيء بعد سنوات عدة مع ظهور قصص تتحدث عن إخفاق من يطلق عليهن "الفتيات الزعيم"، مثل أودري جيلمان ولورين كاسان اللتين أسستا نادي "ذا وينغ" النسائي النخبوي الشهير الذي أغلق عقب مزاعم بالتمييز، أو إليزابيث هولمز المديرة التنفيذية لشركة اختبار الدم الناشئة "ثيرانوس" التي حكم عليها أخيراً بالسجن 11 عاماً بتهمة الاحتيال.

نتج من ذلك أن مصطلح " الفتاة الزعيم" في حد ذاته أصبح اختصاراً للقيادة النسوية الزائفة، إنهن النساء اللاتي خنّ مُثلاً زعمن أنهن يؤمنّ بها، وقد لا يكون شيئاً تطمح النساء إليه، لكن المبادئ الأساس للفتاة الزعيم تلك التي تستند إلى ثقافة الفردية والنشاط في العمل إلى حد كبير، تركت بصماتها بلا شك على بعض القيادات النسائية.

خذوا مثلاً كيم كارداشيان ومولي ماي هيغ، نجمة برنامج تلفزيون الواقع "جزيرة الحب" Love Island التي تحولت إلى شخصية مؤثرة غير عادية، وغيرهما ممن يؤيدن أخيراً فكرة أن أي شخص يمكنه التغلب على العقبات لتحقيق نجاح باهر، وما عليك سوى بذل الجهد الكافي في المحاولة أو كما قالت كارداشيان "تخليّ عن تراخيكِ وانهضي للعمل".

 المواقف المشابه لهذه تسهم في السمية التي نراها تنشأ بين النساء في العمل، مما يعزز ثقافة المنافسة الشرسة والندرة. لا يوجد سوى عدد محدود من الأدوار القيادية المتاحة للنساء، افعلي ما في وسعك للحصول على موقعك حتى لو عنى ذلك المساومة على النساء الأخريات في العملية.

على الأقل يبدو أن هذه هي الفرضية العامة التي تطرح عندما ينشأ الخلاف بين النساء في العمل، لكن الوضع ليس بهذا الوضوح دائماً.

تتذكر ماي البالغة من العمر 37 عاماً من لندن "اعتادت إحدى رئيساتي الكبيرات في السن إهانة موظفاتها الأصغر سناً، وكان إحساسها بالاستحقاق غير مسبوق، وبعد فترة وجيزة وجدت نفسي أبكي قبل العمل وخلاله وبعده".

غادر أكثر من ثلاثة أرباع فريق ماي في غضون ستة أشهر من بدء رئيستها الكبيرة في السن في منصبها، وتضيف "كان هذا تنمراً وحدث في العديد من الأماكن الأخرى التي عملت فيها ولم أتمكن من معرفة ما الذي كان يغذي سلوكها".

بالنسبة إلى كيتي (27 عاماً) كانت المشكلة أن رئيستها تدخلت في حياتها الشخصية باستمرار، وتتذكر قائلة "وصلت إلى مرحلة لم أعد قادرة على إخبارها بما كنت أفعل في وقت فراغي بسبب أحكامها المسبقة وأسئلتها وفضولها غير المهني تماماً، وتوقعت مني أن أعمل بعد انتهاء الدوام كل يوم، وفي معظم الأيام كنت أعود للمنزل وأنا أبكي".

سيكون من السهل استبعاد تنمر النساء على الأخريات في العمل واختزاله في أشياء بسيطة مثل الغيرة أو الإشارة إليه على أنه متلازمة "ملكة النحل" في العمل، لكن القضية أكثر تعقيداً بكثير. تشرح الكاتبة وعالمة النفس والرئيسة التنفيذية في فريق "التركيز على الضحية" الخيري من الاختصاصيين المعنيين في دعم ضحايا الصدمة وسوء المعاملة والعنف الدكتورة جيسيكا تيلور، "العالم محكوم بنظام أبوي فظيع ولكنه ناجح وفعال، وقد نشأنا جميعاً على العيش والعمل فيه، وتعلم النساء والفتيات في وقت باكر أنهن يتنافسن مع نساء وفتيات أخريات. من هي الأجمل؟ من هي الأذكى؟ هناك مكان لواحدة فقط، أتفهمين قصدي؟ وهكذا يتعلمن القتال من أجل الحصول على فتات السلطة الذي يتوفر لهن من طريق سحق النساء والفتيات الأخريات".

هذه العقلية التي تجعل النساء غالباً يتصرفن ضد بعضهن بعضاً، نجاح امرأة ما هو نقيصة في أخرى.

تقول جينا "أعتقد أن مديرتي شعرت أنني أهددها، كنت أجيد عملي ولما بدأت في اكتساب مزيد من الخبرة في مجالات أخرى من العمل في محاولة للابتعاد منها، أعتقد أنها أدركت عدم قدرتها على التحكم بي بعد ذلك ولهذا حاولت تدمير سمعتي وثقتي في نفسي لتشعر أنها في حال أفضل وتسعى إلى استعادة السيطرة".

تشكل النساء اليوم 8.8 في المئة فقط من الرؤساء التنفيذيين من بين 500 شركة في قائمة "مجلة فورتشون"، وهي النسبة التي تعد تحسناً مقارنة بالأرقام السابقة. تقول بيث هوكينغ مدربة القيادة، "كلما كانت النساء أعلى رتبة كلما تمت مقارنتهن بنظرائهن من الرجال أو على الأرجح سيكون رؤساؤهن رجالاً، رأيت هذا يحدث عندما تحاول النساء تجسيد ذكوريتهن وبالتالي التخلص من طاقتهن الأنثوية ليظهرن على قدم المساواة مع الرجال، ونظراً إلى وجود عدد أقل من النساء في القيادة العليا وشراسة المنافسة الشديدة، تعتقد بعض النساء أن الفرص المتوافرة غير كافية وبالتالي يحرصن على القتال من أجل ما يعتبرنه مقعدهن الشرعي الموجود فوق مقعد آخر".

مع ذلك قد تكون المرأة في حالات أخرى قد تعرضت إلى التنمر في مكان العمل وتكرر عن غير قصد أنماط المعاملة التي عانتها، وتقول هوكينغ "أعتقد أن المرأة إذا مرت بوقت عصيب في مكان العمل في الماضي فإن القائدة التي ستصبحها ستسير بإحدى طريقتين، إما أن تحاكي السلوك عينه معتبرة أنه طقس عبور متبع للموظفين الأصغر سناً، أو تدرك أن هذه لم تكن طريقة الإدارة التي أحبت الخضوع لها وبالتالي تتخذ مساراً مختلفاً".

لحسن الحظ يزداد إدراك أرباب العمل لمسألة التنمر في مكان العمل بين النساء أو غير ذلك، وعادة ما تكون الشركات الكبيرة مجهزة تجهيزاً جيداً بأقسام الموارد البشرية القادرة على معالجة المخاوف الفردية لكن من أجل تشجيع النساء على التحدث علناً ضد التنمر في مكان العمل، وقد تكون هناك حاجة أيضاً إلى تغيير على مستوى ثقافي أوسع.

تتذكر ماي، "انتهى بي الأمر إلى مواجهة مديرتي في شأن سلوكها، وأذكر أنني كنت أرتجف وأنا أسرد قائمة بكل الأشياء التي فعلتها بي، هدأت الأمور لبضعة أسابيع ثم استأنفت ما كانت تقوم به".

من الواضح أن هناك حاجة إلى بذل مزيد من الجهد إذا كانت المرأة ستصل إلى مرحلة الشعور بالأمان والثقة في مكان العمل.

يقول أنطونيو فليتشر، رئيس قسم التوظيف في شركة المحاماة وايتهيد مونكتون، "على أصحاب العمل خلق بيئة لا يتردد فيها الأفراد في الإشارة إلى سلوك الآخرين غير اللائق، بما في ذلك التنمر، ويجب على النساء، كما هو الحال مع جميع الموظفين، ألا يترددن في طلب المعونة عندما يشهدن مثل هذا السلوك أو يتعرضن إليه، ويجب أن يكون أصحاب العمل واضحين للغاية في شأن ما يعد سلوكاً مقبولاً أو غير مقبول في مكان العمل".

لكن على المستوى الفردي يصبح الأمر أكثر تعقيداً، ويعد تعلم عدم الرد على التنمر بأشكاله كافة أمراً بالغ الأهمية عندما يتعلق الأمر بمنع المشكلة من التفاقم، ويعني هذا مقاومة الرغبة في الدفاع عن نفسك ضد الاتهامات الباطلة على سبيل المثال، وكظم غيظك عند مواجهة تعليقات قاسية أو متعالية.

تقول الدكتورة تيلور "لا تنتقمي ولا تصبحي مثلها ولا تنغمسي في نهج العين بالعين، بل يجب أن تركزي استجابتك بعد ذلك على حماية نفسك والاهتمام بها في مواجهة شخص يصب عليك كثيراً من مخاوفه وقيمه الكارهة للنساء".

الأهم من ذلك لا تدعي الأمر يؤثر في طريقة تعاملك مع النساء الأخريات في العمل، فآخر ما تريدين القيام به هو الإسهام في الحلقة السامة التي عانيتها، وبدلاً من ذلك استخدميها كمرجع للتصرفات التي ينبغي تجنبها، وتعهدي بالتصرف بطريقة أفضل وسترين الفوائد بنفسك، ليس عليك كفرد وسحب، ولكن على شركتك وأي شخص آخر في محيطك.

* تم تغيير أسماء المشاركات في المقالة.