لماذا بدأت الاستدامة تؤثر على مستقبل الابتكار التكنولوجي؟

منذ 1 سنة 174

أصبح تأثير التغير المناخي على كوكب الأرض وحياة الإنسان أوضح أكثر في 2023، ولذا فإن هؤلاء الذين يعملون في القطاعات التكنولوجية صاروا يعرفون أن الاستدامة ليست "موضة" بل إنها ضرورة يجب الوصول إليها في أسرع وقت.

في السنوات الأخيرة، تأثر الابتكار في قطاع التكنولوجيا بشدة بتلك الرغبة في القيام بعمل أفضل من حيث تقليل "البصمة الكربونية" [الانبعاثات] العالمية وتخفيف الضرر الذي أصاب البيئة حقاً.

ويقول البروفيسور في التكنولوجيا البيئية نيك فولفوليس من كلية لندن الإمبراطورية ليورونيوز إن "الابتكار التكنولوجي الذي كان يحدث بمعدل وحجم غير مسبوقين، ما ينتج عنه اختراعات جديدة ومربحة وقد تكون مفيدة إلى حد ما بين الفترة والأخرى، كان مدفوعاً تاريخياً بالأهداف التجارية [وحدها] ولم يكن يأخذ بعين الاعتبار تحديات الاستدامة الأوسع نطاقاً التي نواجهها اليوم". 

ولكن فولفوليس يضيف أن العالم أصبح يعترف إلى حدّ ما اليوم أن الاستدامة والاقتصاد مترتبطان ببعضهما إلى حدود بعيدة، ويقول "يقلل التدهور البيئي من قدرة الكوكب على استدامة التنمية الاقتصادية وبالتالي لا يمكن أن تتعارض التنمية الاقتصادية المستدامة وحماية البيئة، حيث أن كلاهما ضروري لتحسين رفاهية الإنسان". 

وهذا، بحسب البروفيسور، يعني "أن الابتكار التكنولوجي لا يمكن أن يغفل مسألة الاستدامة" خصوصاً وأن الابتكار وحده لا يكفي. 

"أكبر فرصة وحيدة للاستدامة"

مع أن التطور والتقدم اللذين يأخذان المناخ والاستدامة بعين الاختبار كانا مدفوعين من المجتمع الذي أدرك حالة الطوارئ المناخية وأدرك مخاطرها التي ستترتب عليه، فإنه من واجب الحكومات والمؤسسات العامة بالدرجة الأولى خوض حملات توعوية تهدف إلى تعزيز جهود الابتكار المستدامة. 

على مستوى الاتحاد الأوروبي، إن الاستدامة والتكنولوجيا تشكلان جزءاً من مفهوم التكتل لـ"مرحلة انتقالية مزدوجة" وهي تهدف إلى دمج ثورة العالم الرقمي بالثورة الخضراء للقارة الأوروبية، أو الصفقة الأوروبية الخضراء

وعن هذا الأمر كتبت المفوضية الأوروبية "يبدو الابتكار والاستدامة أمرين مختلفين ولكنهما في الواقع يمثلان تحدياً واحداً. لا يمكن لأي منهما أن ينجح بدون الآخر وكل واحد منهما مهم بقدر الآخر للمستقبل الأوروبي". 

مع ذلك، يفاوض التكتل بعناية شديدة بشأن العلاقة بين الاستدامة والابتكار التكنولوجي للتأكد من أن أحدهما لا يعيق الآخر. 

لقد سمح الابتكار الرقمي بتحسين استهلاك للطاقة وتحسين نوعيتها أحياناً، واستبدال مصادر الطاقة بأخرى من أجل انبعاثات كربونية أقلّ. هذا الابتكار على سبيل المثال سمح بعقد اجتماعات عبر الإنترنت على سبيل المثال، موفراً السفر واستهلاك الوقود والتلوّث. 

حالياً، تستخدم التكنولوجيا الرقمية على أنواعها ما بين 8 و10 بالمئة من إجمالي استهلاك الطاقة في التكتل الأوروبي بحسب بيانات نشرتها المفوضية الأوروبية، كما أنها تنتج ما بين 2 و4 بالمئة من الغازات الدفيئة. وفيما تبدو هذه الأرقام صغيرة، إنها في الواقع كبيرة جداً. 

وقال ديفيد ينسن وهو منسق فريق عمل التحول الرقمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) في أحد المؤتمرات "قد تكون هذه أكبر فرصة وحيدة للاستدامة في تاريخ الحضارة البشرية أو قد يكون التخلي عنها أكبر خطر". 

رؤية لمستقبل مستدام

الابتكار الذي يأخذ بعين الاعتبار الاستدامة أصبح شرطاً أساساً للشركات المصممة وتم إثبات ذلك خلال "جائزة المخترع الأوروبي" وهو حدث سنوي يحتفي ويكرّم عمل الباحثين والمخترعين الرائدين في أوروبا. 

واحتفلت جائزة هذا العام بالخبراء الذين وضعوا مواهبهم ومهاراتهم للعمل على ابتكار اختراعات تكنولوجية مستدامة لا تساعد البشرية فحسب، بل تساعد الكوكب أيضاً.

أحد الفرق المشاركة، وهو الفريق الفرنسي الذي تألف من المخترعين والمخترعات باتريسيا دي رانغو، دانييل فروشار وألبان شاز وميشال جيهان وناتاليا سكريابينا، فاز بجائزة فئة البحوث بعدما اخترع تكنولوجيا قادرة على ضغط وتخزين ونقل الهيدروجين بسهولة في شكل أقراص صلبة.

ويلعب الهيدروجين دوراً رئيسياً في الانتقال إلى الطاقة النظيفة كونه أكثر نشاطاً بثلاث مرات من الوقود الأحفوري. المشكلة الوحيدة هي أنه عادة ما يحتاج إلى مساحة أكبر، ويتطلب المزيد من الطاقة ليتم ضغطه وتخزينه. 

والتكنولوجيا التي قدّمها الفريق الفرنسي تؤمن ضغط الهيدروجين وتخزينه وهذه مهمة أساسية في مكافحة التغير المناخي على صعيد الطاقة. 

وقال الفريق الفرنسي في حفل توزيع الجوائز في 4 تموز/يوليو "إن السعي وراء الطاقة الخضراء والمتجددة والوفرة أحد الاهتمامات الأساسية للبشرية. يمتلك الهيدروجين إمكانات كبيرة ولكن تخزينه وتوزيعه يثير تساؤلات حول اللوجيستيات والسلامة. تضعنا هذه الجائزة على طريق نحو مستقبل خالٍ من الكربون، مع إيجاد حل لتخزين الهيدروجين...". 

المزيد من العمل

بينما كانت هناك موجة من الابتكارات التكنولوجية في شكل تقنيات متجددة وغيرها من التقنيات الخضراء، بدءاً من "إنترنت الأشياء" [IoT] إلى الهيدروجين والمركبات الكهربائية الخضراء، يقول فولفوليس إن نشر هذه التكنولوجيات لم يكن على نطاق يمكن أن يضمن استدامة النمو الاقتصادي المتوافق مع الإشراف البيئي السليم والتنمية الاجتماعية.

وفي حين أن هناك مبادرات قائمة بالفعل من أجل أن تحدث الثورة الرقمية بطريقة مستدامة، فإن الحكومات بحاجة إلى تعزيزها، بحسب فولفوليس الذي يضيف قائلاً "في ضوء الاضطرابات الجيوسياسية الأخيرة والتهديدات البيئية التي يواجه الفئات الأضعف مزيج غير مسبوق أزمات المال والغذاء والوقود".