يوم الخميس الماضي، ضربت قوات عسكرية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ما يقرب من ثلاثين موقعاً مختلفاً في جميع أنحاء غرب اليمن؛ لإضعاف القدرات العسكرية للحوثيين، ومن أجل إثناء الجماعة المتمردة عن شن مزيد من الهجمات على عمليات الشحن التجاري في البحر الأحمر، وسيستغرق الأمر بعض الوقت لتقييم حجم الضرر الفعلي الذي لحق الرادارات والصواريخ وقواعد إطلاق الطائرات دون طيار ومرافق القيادة والسيطرة الحوثية، وكذلك وقتاً أطول لتحديد مدى التغيير الذي سيجري في سلوك الحوثيين.
ومع ذلك فإنه من غير المرجّح أن يكون لهذه الضربات التأثير الكامل الذي أراده التحالف الدولي، ولهذا السبب تحديداً كان هناك جولة أخرى من الضربات في اليوم التالي، ولا تزال عملية «حارس الازدهار» مستعدّة لمزيد من العمليات العسكرية الأخرى.
ولم يكن أمام الولايات المتحدة وشركائها أي خيار آخر سوى شن هذه الضربات؛ وذلك لأنه طالما كانت حرية الملاحة والتدفق التجاري غير المقيد عبر المياه الدولية بمثابة حقوق أساسية ومصالح أمنية أميركية ودولية، لذا فإن عدم الرد كان سيمثل فشلاً مؤسفاً في فرض القواعد والمعايير الدولية، وهو الفشل الذي لم يكن سيؤدي إلا إلى تشجيع مزيد من السلوك السيئ من جانب الحوثيين وداعميهم الأساسيين؛ النظام الإيراني.
وقد جاءت هذه الضربات بعد فترة طويلة من التحذيرات، بما في ذلك بيان عامّ مشترك صادر عن عشر دول، فضلاً عن الاتصالات والتهديدات التي بالتأكيد جرت عبر القنوات الخلفية للحوثيين وإيران، كما نشرت الولايات المتحدة وشركاؤها السفن والموارد الأخرى التي قامت بحماية الشحن الدولي بشكل فعّال من خلال تدمير عشرات الصواريخ والطائرات دون طيار ومهاجمة الزوارق قبل أن تتمكن من الوصول إلى أهدافها، لكن التدابير الدفاعية لم تكن كافية.
وهذه ليست المرة الأولى التي نضطرّ فيها إلى القيام بذلك، ففي أكتوبر (تشرين الأول) 2016 تعرَّض الحوثيون، الذين حاولوا مهاجمة السفينة «يو إس إس ماسون» بصواريخ الدفاع الساحلي، لضربات أميركية على مواقع الرادار التي دعّمت هجماتهم، وقد أدى التحرك السريع من قِبل «البحرية» الأميركية إلى إنهاء هذه الفترة القصيرة نسبياً من الاستفزاز، وقد كان من الأسهل القيام بذلك في ذلك الوقت؛ لأن الحوثيين لم يكونوا قادرين أو مدعومين بشكل جيد من قِبل المستفيد الرئيسي منهم: النظام الإيراني، ومع ذلك فعلى مدى العامين التاليين لتلك الهجمات، رأينا انفجارات الألغام من قِبل الحوثيين في ميناء الحديدة اليمني، مما هدَّد سفن المساعدات الدولية وشكَّل خطراً جسيماً على التجارة عبر باب المندب، وأصبحت هذه الإجراءات نقاط نقاش مهمة في المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة لتقديم المساعدات الإنسانية التي يحتاج إليها الشعب اليمني بشدة، ووضع حد للحرب الأهلية المستعرة في جميع أنحاء البلاد.
ووجهة نظري هي أن هذا العمل العسكري الأخير، على الرغم من كونه حاسماً ومُرضياً، فإنه نادراً ما يكون كافياً وحده لخلق الردع أو إحداث تغيير في السلوك، بل يجب استخدام العناصر الأخرى للقوة الوطنية أدوات تكميلية للوسائل العسكرية التي حشدتها الولايات المتحدة وشركاؤها الدوليون، كما أننا بحاجة أيضاً إلى شركاء في المنطقة للاستفادة من قدراتهم، فإن لم يكن من خلال العمل العسكري المباشر لمعاقبة الحوثيين وردعهم، فقد يكون ذلك بطريقةٍ ما لحماية واستعادة الثقة من خلال الشحن الدولي الذي يعمل في هذا الممر المائي الحيوي.
وتبنِّي هذا النهج الأكثر شمولاً يعني أنه يجب علينا الآن مضاعفة الجهود الدبلوماسية لممارسة مزيد من الضغط على الحوثيين والنظام الإيراني لوقف هذه الهجمات، كما يجب علينا التأثير على الشركاء الإقليميين الذين لهم علاقات أكثر انفتاحاً ومباشرة مع الحوثيين، دول مثل عمان والمملكة العربية السعودية، فضلاً عن أن استمرار جهودنا لنقل الصراع في قطاع غزة إلى مرحلة أخرى هو أيضاً جهد حيوي يجب أن نواصل متابعته بنشاط.
كما أن الأمر يعني أيضاً أنه يتعيّن علينا استخدام المعلومات المتاحة بنشاط، وربط المسؤولية الواضحة عن هذه الهجمات بكل من الحوثيين والنظام الإيراني، فالحوثيون يقولون إنهم يهاجمون السفن القادمة من وإلى إسرائيل فقط، لكن الأدلة تثبت خلاف ذلك بشكل قاطع، فهذه الهجمات الحوثية عشوائية وغير متناسبة، وتستهدف البحّارة المدنيين، وكلها تمثل انتهاكات لقانون الصراع المسلَّح، ولذا فإنه يجب علينا أن نفعل ما هو أفضل في إظهار دور النظام الإيراني في هذه الهجمات، وإظهار الأدلة القاطعة، ومحاسبة هذا النظام أمام محكمة الرأي العام.
كما يتعيَّن علينا أيضاً أن نكون مستعدّين للاستفادة من كل الأدوات المتاحة لدينا للضغط المالي على الحوثيين والنظام الإيراني، وصحيح أننا قمنا بالكثير بالفعل، لكن هناك مزيداً من الأدوات الأخرى المتاحة، وسيكون الإعلان عن الحوثيين باعتبارهم منظمة إرهابية، والحد من الحركة غير المنظمة للإمدادات العسكرية من إيران، بداية جيدة.
ومن وجهة نظري، فإنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي التورط في صراع طويل الأمد مع الحوثيين أو إيران، وهذا ليس هو ما أدافع عنه في مقال الرأي هذا، فالمشاركة مفتوحة النهاية ستؤدي لتقييد الموارد الثمينة، ومن المحتمل أن يكون لها تأثير مُزَعزع للاستقرار في المنطقة، لكن تصرفات الحوثيين تُجبر الولايات المتحدة وشركاءها الدوليين على التحرك، ويجب علينا أن نتحرك، وذلك من خلال حشد المجتمع الدولي، بما في ذلك الشركاء في المنطقة، لوقف هذه الهجمات غير المبرَّرة وغير الآمنة في البحر الأحمر. ومع الشعور الواضح بالإلحاح، فإننا نحتاج إلى تبنّي مزيج من جميع أدواتنا لاستعادة الردع وجعل الحوثيين يدركون أن تكلفة هذه الهجمات تفوق الفائدة المفترَضة التي يستمدّونها من خلال النظر إليهم باعتبارهم عضواً جيداً فيما يُسمى «محور المقاومة» التابع للنظام الإيراني.
ويجب علينا أيضاً أن ننظر إلى مصدر كل هذه المشاكل: النظام الإيراني، فهؤلاء هم الذين يُحرّضون على عدم الاستقرار في المنطقة، ويبدو أنهم على استعداد لمواصلة الفوضى إلى أجل غير مسمّى من خلال شبكتهم التي تتكون من حركة «حماس»، و«حزب الله»، ومجموعات الميليشيات العراقية والسورية والحوثيين.
وكما يقول الضباط العسكريون الأميركيون ذوو الخبرة في المنطقة، فإن النظام الإيراني سيقاتل حتى آخر وكيل له؛ وذلك لأنه لا يريد المواجهة مع الولايات المتحدة لأنه يعلم أنه سيخسر.
إن النهج العملي والفعّال لوقف الهجمات في البحر الأحمر لا يقتصر على الحوثيين فحسب، بل يجب أن يشمل النظام الإيراني وما يقدَّم من دعم، والذي يُغذّي هذه الجهات، لذا فإن تبنِّي حملة شاملة من الإجراءات العسكرية والدبلوماسية والإعلامية والاقتصادية الموجهة ضد الحوثيين والنظام الإيراني، سيكون هو النهج الأكثر نجاحاً لاستعادة الحق الأساسي في الملاحة والتدفق الحر للتجارة في هذه المياه الدولية الحيوية.
* القائد السابق للقيادة المركزية للولايات المتحدة
وزميل بارز في الأمن القومي بمعهد الشرق الأوسط
في واشنطن العاصمة