لقد استنفدنا موارد الطبيعة الأم

منذ 17 ساعة 15

لقد سمعنا جميعاً بالمثل القائل: «أعطِ الرجل سمكة، فتُطْعِمهُ يوماً. علّم الرجل كيف يصطاد، فتُطْعِمهُ مدى الحياة». لكن اليوم، ربما نضطر للأسف لاستبدال «أعطِ الشركات يَدَ مساعدة، وستصطاد آخر سمكة في البحر» به. مع تحوّل عالمنا إلى مجتمع صناعي واستهلاكي وتجاري، شهدنا تدهوراً كبيراً في العالم الطبيعي الذي نعتمد عليه في نهاية المطاف. فقير أفريقي يرفع شبكة صيد فارغة من البحر، برازيلي يكتشف أن غابته المطرية قد تحولت إلى مرعى للماشية الذاهبة إلى قارة أخرى، ورجل من آسيا الوسطى يجد بحره قد جفَّ تماماً، وأميركي من السهول الكبرى يجد تربته قد استنفدت من أي مغذيات. هذه كلها نتائج مباشرة لكيفية فرض الشركات كيف يجب أن نعيش ونأكل ونتحرك ونزرع. لقد تحدينا الطبيعة الأم، وهي ببساطة لا تستطيع تحمّل ذلك بعد الآن.

عندما أفكر في روعة الطبيعة، غالباً ما تذهب أفكاري أولاً إلى أفريقيا، القارة التي يُفترض أننا جميعاً خرجنا منها. لكن عند النظر إلى أفريقيا اليوم، أرى للأسف قارة تعاني من نتائج تجاوزاتنا العالمية، حيث الأرض تتدهور، والصحاري تتسع، والموارد تستغل بشكل مفرط في كل مكان. كما أرى أثرياء العالم يسافرون آلاف الأميال لرؤية الحيوانات في «البرية»، في متنزه سفاري يمتلكه أثرياء غربيون استبدلوا بالاستعمار القديم الخيارات الأكثر راحة، بجعل الأفارقة يعملون لديهم من بعيد. لقد استمتعتُ شخصياً بعدة رحلات سفاري في أفريقيا، لكن ما أراه اليوم هو أن الأثرياء الغربيين يزورون أفريقيا وكأنها حديقة حيوانات تجارية. كل أسد في قطيع له اسم، يُمنح من قِبل الغربي الثري المالك للحديقة. في نظري، هذا كله يجسد الفائض الاستهلاكي الذي أبعدنا فعلاً عن الطبيعة، وجعلنا نسممها في كل خطوة.

عند النظر إلى عالمنا اليوم، أرى أسلوب حياة بعيداً تماماً عن العالم الطبيعي، واحتياجاته، وإيقاعه، حيث تساهم أفعالنا في إضافة المزيد يوماً بعد يوم إلى تدمير بيئي سيؤدي في النهاية إلى تدمير البيئة التي تدعمنا. تدفع الشركات التكنولوجية الزراعية المزارعين نحو الزراعة الأحادية والأسمدة الاصطناعية التي تدمر تربتنا وتنوعنا البيولوجي، بينما تساهم بشكل كبير في تغيّر المناخ. تبيع الشركات الغذائية لنا أطعمة معالجة ومعبأة بكثافة والتي تكون مكلفة ليس فقط على بيئتنا، بل أيضاً على صحتنا. تدفعنا شركات التكنولوجيا إلى شراء منتجات نقوم باستبدالها كل عدة سنوات، مما يؤدي إلى الهدر والتلوث والاستخراج المفرط للموارد على نطاق واسع. جميع هذه الشركات مجتمعة تدمر المواطن والطبيعة، وتلوث العالم من خلال إزالة الغابات المطيرة من أجل الزراعة، واستغلال أراضي أفريقيا الغنية، ورفع استهلاك الطاقة إلى مستويات غير مسبوقة.

نبدو وكأننا نؤمن أن الطبيعة موجودة فقط لخدمتنا، لكي نسيطر عليها. نغزو الصحراء، نحاول التأثير على الأمطار وأنماط الطقس، ونحول غابات المطر التي تُعتبر «رئات العالم» إلى صحراء مستقبلية. إذا تمكن بعض الأشخاص من إيجاد طريقة للتحكم في الطقس، فسيصبح لنا سلاحاً مدمراً للهجوم على البلدان الأخرى. والأسوأ من ذلك، أننا جميعاً راضون ومرتاحون كبيادق في يد الشركات التي تسعى للتحكم في كل شيء نقوم به، من طعامنا إلى كيفية تنقلنا، وكل ما نسمعه ونشاهده. لم نعد ننتمي إلى عائلاتنا، بل إلى الشركات.

ما مقدار الضرر الذي يمكننا أن نتسبب فيه قبل أن نستيقظ؟ نحن بحاجة لإعادة التفكير في طريقة حياتنا بالكامل، في مكاننا في هذا العالم، وفي ما هو حقاً مهم بالنسبة لنا. نحتاج إلى جرعة من الإنسانية، والتحضر، والاحترام للكوكب الذي نعتمد عليه. والأهم من ذلك، يجب أن نبدأ في التساؤل عن أفعالنا اليومية وامتثالنا للشركات التي تخبرنا كيف نعيش، وهي تملأ جيوبها بدلاً من تحسين أحوالنا. حان الوقت للاستيقاظ ومعرفة إلى أين نحن ذاهبون قبل فوات الأوان.