قبل 18 عاما، ألقى الرئيس السوري بشار الأسد خطابا في 5 مارس/آذار 2005، أعلن فيه قرار سحب قواته من لبنان، قرار جاء بعد خروج احتجاجات شعبية حاشدة إبان اغتيال رئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط من العام نفسه وتوجيه أصابع الاتهام لقوات الأسد و"الشقيقة" سوريا بالوقوف وراء هذه العملية التي أسفرت عن مقتل الحريري مع 21 شخصًا. وهو ما اكتمل في 26 أبريل/نيسان من العام نفسه وكان لـ"قوى 14 آذار" و"انتفاضة الاستقلال" ما أرادوا.
وكأننا وبعد سنوات، نقف في اليوم نفسه لنشاهد تكرار هذا المشهد مع خروج دعوات سياسية وشعبية لبنانية تطالب مرة جديدة بخروج السوري من لبنان، ولكن المقصود بالسوري اليوم ليس العكسري التابع للنظام بل حوالي مليوني لاجئ (بحسب السلطات اللبنانية) فروا إلى لبنان مسيرين غير مخيرين بعد اندلاع الحرب الأهلية في العام 2011 وتقدم المعارك في مناطقهم.
وتجاهر فئة من اللبنانيين منذ أيام برفضها القاطع لوجود هؤلاء "المحتلين" بحسب آخر تسمية أطلقت على من وجدوا في لبنان ملاذا آمنا لهم، باعتبار أن دولتهم الغارقة أصلا في أزمة اقتصادية ومالية خطيرة تعاني ما يكفيها من ويلات ولاتقوى على تحمل المزيد من الأعباء، يضعها كاهل الوجود السوري على عاتقها.
ومن خلال هذه المطالبات، ينضم لبنان إلى العديد من الدول المضيفة التي سعت إلى طرد اللاجئين منذ استعادة النظام في دمشق السيطرة على غالبية الأراضي السورية، متذرّعة بنهاية نسبية للأعمال العدائية.
وكانت السلطات اللبنانية قد قامت بترحيل حوالى 50 سوريا خلال الشهر الحالي تم تسيلمهم إلى فوج الحدود البرية الذي يتولّى وضعهم خارج الحدود اللبنانية، بحسب مسؤولين أمنيين، من بينهم منشقّ عن الجيش السوري، كان قد حذّر من أنّ "حياته في خطر"، وكان يعيش في لبنان منذ العام 2014، وقد تمّ ترحيله مع زوجته وولديه.
"وقف هذه العمليات غير القانونية"
وبناء على ذلك، وبعد الحملة الشرسة التي أطلقها لبنانيون على وسائل التواصل الاجتماعي والتي تطالب بطرد السوريين، دعت منظمة العفو الدولية في سلسلة من التغريدات السلطات اللبنانية إلى "وقف هذه العمليات غير القانونية خشية أن يتعرضوا لتعذيب أو اضطهاد من قبل الحكومة السورية عند عودتهم إلى بلادهم".
وأشارت في تقرير لها إلى طرد عشرات اللاجئين الذين دخلوا بشكل غير قانوني إلى لبنان أو الذين يحملون أوراق إقامة منتهية الصلاحية، بعد مداهمات لمنازلهم قام بها الجيش اللبناني، مستندة إلى أقوال شقيق أحد اللاجئين المطرودين الذي قال إن هؤلاء اللاجئين "نقلوا مباشرة إلى الحدود وسلموا إلى الجيش السوري".
ورد النائب اللبناني جورج عطالله على دعوات منظمة العفو الدولية التي وصفها بالتآمرية عبر توتير: "رداً على بيان منظمة العفو الدولية التآمري الذي تهدد فيه جيشنا بوجوب وقف ترحيل المجرمين والمخالفين للقانون اللبناني فإننا ندعوها للاهتمام بشؤونها وعدم التدخل بالقرارات السيادية اللبنانية والمساهمة بإعادة كل النازحين السوريين الى بلدهم ليعيشوا بأمان وكرامة هناك .. لبنان فوق الجميع".
"كنا كرماء في هذا الموضوع"
بدوره، أكد رئيس حزب "الكتائب اللبنانية"، سامي الجميل، أن الوقت قد حان لتتغير طريقة تعاطي المجتمع الدولي مع الوجود السوري في لبنان : "حان الوقت لتتغيّر طريقة تعاطي المجتمع الدولي مع الوجود السوري في لبنان وأن يشجع على العودة الطوعية إلى سوريا.. لبنان بلدنا ونحن من نقرر من نستقبل ومتى والعدد، وكنا كرماء في هذا الموضوع لحين انتهاك سيادة بلدنا".
وأصدرت بلديات لبنانية قرارات تقييدية تتعلق بتجول وعمل المواطنين الأجانب مع التأكيد على اتخاذها التدابير اللازمة بحق كل من يخالف هذه الإجراءات.
ونشرت بلدية بكفيا في قضاء المتن بمحافظة جبل لبنان مجموعة من البيانات نشرتها عبر صفحتها الخاصة على فيسبوك تشير من خلالها إلى ضرورة إبلاغ أصحاب المحلات في البلدية لموظفيهم الأجانب بضرورة عدم التجول ابتداء من الساعة الثامنة مساء ولغاية السادسة صباحا مهما كانت وسيلة التنقل.
وأشارت إلى أنه يمنع إقامة أو عمل أي أجنبي لا يحمل إقامة صالحة على كفالة شخص من أبناء البلدة تحت طائلة الإبعاد، ومنع اقتناء أي مركبة غير قانونية تحت طائلة المصادرة.
وانتشر مشهد مصور قبل يومين، يوثق لحظة اعتداء عدد من الأشخاص ادعوا أنهم تابعون لبلدية نهر إبراهيم في قضاء جبيل شمال بيروت على شبان لبنانيين بالضرب والطعن باستعمال أدوات حادة وسكاكين، ظنا منهم أنهم سوريون.
وجاء ذلك على خلفية قرار صادر عن البلدية المذكورة ويقضي بتسكير محلات يملكها سوريون في المنطقة، عند الساعة التاسعة مساء، مما أدى لإصابة شابين بجروح بالغة.
"وطنية مش عنصرية"
وطالت انتقادات عدة هذه التصريحات التي وصفت بالـ "عنصرية" والعنف اللفظي والجسدي الذي يتعرض له اللاجئون السوريون في لبنان.
إلا أن ميشا الحاج موسى رفضت هذا الوصف وأكدت في تغريدة نشرتها مرفقة بصورة كتب عليها "وطنية مش عنصرية"، أن "لبنان في خطر نتيجة الاحتلال لا النزوح السوري".
وكان لبنان قد بدأ في 26 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، العمل بخطة إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم.
وجاءت هذه الخطوة في إطار خطة "إعادة النازحين الطوعية والآمنة"، التي بدأتها السلطات اللبنانية عام 2017 على دفعات، وأعلنت قبل أشهر استئنافها.
ويستضيف لبنان أكبر عدد من اللاجئين في العالم قياسا إلى عدد السكان. وبحسب آخر الأرقام الصادرة عن السلطات، تقدر الحكومة أن عدد سكان البلاد البالغ أكثر من ستة ملايين يشمل ما يقرب من مليوني لاجئ من سوريا المجاورة، نحو 830 ألفاً منهم مسجّلون لدى الأمم المتحدة.