في الوقت الذي أصبح الماكياج وتصفيف الشعر لدى العديد من السيدات ترفاً ليس بالمتناول، بعد الأوضاع الاقتصادية التي آل إليها لبنان، وعلى رغم أن أسعار بعض الخدمات التجميلية كانت قد انخفضت لفترة، إلا أنها عادت تتصاعد تدريجاً لتعود كما كانت في السابق وربما أكثر.
أعاد ارتفاع هذه الأسعار مجدداً إلى طرح الغلاء الباهظ لبعض الخدمات التجميلية الذي قد يبدو من غير مبرر واضح.
ففي منشور على إحدى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي تتساءل العروس "أنا كعروس أريد أن أفهم كيف يكلّف الماكياج 500 دولار، ودهان البيت كاملاً مع الدرج كلفته 400 دولار". قد يبدو هذا التساؤل طريفاً، لكنه في الواقع لسان حال كثيرات مقبلات على الزواج.
طرافة التعليقات
مما لا شك فيه أن هذا المنشور، الذي يحاكي الواقع، كان مكاناً خصباً وفرصة لتعرض أخريات خدماتهن أو خدمات مزينين آخرين يعرفنه، بمبالغ أقل أو حتى مجاناً. لتبدأ أسعار جديدة بالظهور، واتهام المزينين بأنهم نصّابون، ومستغلون لحدث مكلف في الأساس، وذلك لما يرافق العرس من مصاريف تكاد لا تنتهي، ليكون الشعر والمكياج ربما القشة التي تقصم الظهر!
البعض نصح العروس أن تسافر ببدل الماكياج، أو أن تبحث عن مزيّن بأسعار مقبولة. ولم تخلُ التعليقات من طرافة مثل "استغني عن الماكياج ودعي الدهان يكمل الدهن على وجهك"، أو "الاثنين بحاجة لمعجون وبويا"، أو "دهان الإنسان أغلى من دهان الجماد، الإنسان أغلى". وفي تعليق لافت كتبت إحداهن "قولي للماكيير (المزيّن) أنك زوجة العريس الأولى وتريدين أن تظهري أجمل من العروس!"
والأدهى أن معظم الردود على هذا المنشور نصحت العروس بألا تذكر بأنها العروس، وأن تقول بأنها مدعوة إلى عرس، أو حفل آخر. ما جرّ بالتالي اعترافات لعدد من السيدات أنهن فعلن ذلك في أعراسهن. فمنهن من تظاهرن أنهن شقيقات العريس أو العروس أو صديقات للعروس، أو أنهن مدعوات إلى مناسبات أخرى تستدعي ماكياجاً لائقاً. وقالت أخريات أن أزواجهن كان لديهم فضول لمعرفة على ماذا يحتوي ماكياج العروس حتى يستحق هذه التكلفة. ففي حين قد يتراوح بدل الماكياج العادي بين 30 ومئة دولار، فإن ماكياج العروس يبدأ بـ 300 دولار، أي عشرة أضعاف على الأقل، ويتخطى الألف دولار لدى خبراء التجميل المعروفين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سبب التكاليف الباهظة
تشكك بعض السيدات باختلاف مواد الماكياج التي تستخدم للعروس عن الماكياج العادي، ويعتبرن أن الأمر لا يعدو أن يكون استغلالاً، كون تكاليف الأعراس بالمجمل مبالغاً بها، من الفستان والأكسسوارات إلى الأظافر والشعر والمكياج.
يقول المزين والكوافير طوني الأسمر لـ"اندبندنت عربية" إنه عادة يحضّر العروس من زبوناته قبل فترة من العرس باستخدام كريمات معينة وحمامات ترييح بشرتها وتعطيها مزيداً من الحيوية لتكون جاهزة ليوم الزفاف. وعن الكلفة العالية للمكياج يقول إنه من الطبيعي أن يكون أغلى من الماكياج العادي، بخاصة أن المادة (إبرة سائلة) التي يضعها على وجه العروس قبل الماكياج يتراوح سعرها منفردة بين 400 و500 دولار أميركي، وهي تعطي نضارة وتشدّ مسام البشرة، وتحميها من مواد التجميل، وتنفخ الوجه فيظهر أكثر شباباً، وتساعد على إبقاء الماكياج ثابتاً لوقت أطول، وتخفف خطوط التجاعيد إذا وجدت. وهي المسبب الرئيسي لارتفاع سعر ماكياج العروس، إضافة إلى المساحيق الأخرى المناسبة للعروس بكل تفاصيلها التي لا تفسدها الإضاءة وعوامل الطقس، ليدوم فترة طويلة برونقه وحيويته.
يأخذ ماكياج العروس وقتاً مضاعفاً عن الماكياج العادي، ليكون أكثر إتقاناً وإشراقاً كونها نجمة عرسها، ومركز جاذبية الأنظار والأضواء. وعن الشعر يقول طوني إنه يضع للعروس خصلة شعر إضافية (إكستنشن)، وتكون من الشعر الطبيعي، وغالباً ما تفسد أو لا تُرّد، لذا فهو يحمّل العروس تكلفتها. ويضيف بأنه يأخذ في الاعتبار وضع العروس المادي، فلا يحمّلها تكلفة عالية إذا كانت غير قادرة، وفي الوقت نفسه يحافظ على اسمه الذي يكون في تفاصيل عمله.
يتطلب تزيين العروس خبرة ومهارة لإبراز جمالها، لتظهر بشكل مثالي يدوم طوال فترة العرس، لذا لا بد من استخدام مستحضرات ماكياج ومنتجات عناية بالشعر عالية الجودة أكثر من تلك المستخدمة في الماكياج العادي، مع توفير أعلى مستويات النظافة والسلامة للعروس. وقد تستخدم أدوات وفرشاة فردية لكل عروس للحفاظ على النظافة وتجنب أي عدوى محتملة.
هذا إضافة إلى الوقت الذي يستغرقه تطبيق الماكياج، وأحياناً قد تتضمن هذه الخدمة جلسات تجربة مسبقة للمكياج وتصفيف الشعر لاعتماد الأسلوب المناسب واختيار الألوان والتفاصيل الأخرى وفقاً لرغبات العروس.
ولأنه يداري أوضاع العروس المادية، ولا يحب أن يكسر بخاطرها يوم عرسها بسبب التكلفة العالية، ينزعج طوني جداً ممن تتظاهر بأنها ليست العروس ليكتشف لاحقاً من صورها المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي. ويشير إلى أنها تعرّض اسمه لسمعة سيئة بعد تعرضها للأضواء طوال اليوم والليل، فيبدأ الماكياج والشعر بالتبدّل والارتخاء، فيظن البعض أنه خطأ المزيّن.
يخبر أنه في إحدى المرات قالت له صبية إنها تريد أن تقف إلى جانب صديقتها العروس التي تعيش في الجبل في مكان بعيد، وأنها تحتاج أن تكون جاهزة في التاسعة صباحاً، صدّقها، ليكتشف لاحقاً أنها العروس، وقال لها إنه كان مستعدّاً أن يقدّم لها الماكياج كهدية، ولا أن تصل لوقت السهرة بالشكل الذي وصلت إليه.
وفي مرة أخرى أتت سيدة كبيرة غير قادرة على دفع تكاليف طلّة العروس، وقالت إنها ذاهبة إلى عرس أخيها، وبالصدفة عرف طوني أنه عرسها، فلم يرد إحراجها، لكنه زيّنها بما يتناسب مع عروس.
عروس ليست عروساً
تخشى العروس من أي مفاجأة غير سعيدة في يوم زفافها، لذا غالباً ما تكون مستعدة لدفع مبالغ أعلى للحصول على إطلالة استثنائية وفريدة تتناسب مع هذه المناسبة الخاصة. ومع هذا سيدات كثيرات غامرن، بسبب التكاليف المبالغ بها، فإما اخترن مزيّناً لا يعرفنه بسبب التكلفة الأقل، أو لم يصارحن المزيّن الذي يعرفنه شخصياً أو لديه صيت ذائع، وقلن بأنهن مدعوات لعرس.
تقول هدى بالفعل "حجزت لدى مزيّن معروف يتقاضى من العروس حوالى 700 دولار أميركي للمكياج و300 دولار للشعر. لم أخبره أنني العروس، فدفعت 150 دولاراً، وهو لا يعرفني أصلاً. أكملت التصوير النهاري في الخارج، وكان عرسي في إحدى الحدائق. في الواقع بعد حلقة الرقص وتناول الطعام، كانت خصل الشعر الإضافي "الإكستنشن" واضحة في شعري، ومكياجي يسيل على وجهي، وأثبته بالبودرة، وكانت الصور الأخيرة مع المدعوين غير مرضية، والأسوأ كان تثبيت الطرحة التي سقطت مرات عدة. وأعترف أنني ندمت قليلاً لأن العرس مرة في العمر، كان عليّ أن أكون أكثر كرماً عليه".
أما فاطمة التي حذت حذو هدى فتقول إن عرسها كان في إحدى الصالات، وإنها تعبت للحفاظ على ألق الماكياج، وما ساعدها كان برودة الطقس، فوفقت بما وفّرته من مبلغ كان معدّاً للمكياج وهو 350 دولاراً، دفعته لشوكولا الضيافة.
سناء من جهتها أخبرت المزيّن أنها مدعوة إلى عرس أحد الأقارب، وتأمل في أن تجد العريس هناك، لكنها ما لبثت أن اعترفت للمزيّن أنه عرسها، وأنها غير قادرة على دفع مبلغ طائل، فتعاطف معها وبدّل عدّة عمله، فكانت راضية جداً عن النتيجة، بخاصة بعد أن رش مثبت الماكياج على وجهها ليدوم أطول وقت ممكن، ودفعت 50 دولاراً. تقول إنها خشيت أن يفسد الماكياج في منتصف اليوم وتضطر لتزيين جديد وقد لا يكفي الوقت للتعديل، لذلك صارحت المزين وكسبت.
إلهام من جهتها قالت إنها بعد أن ذهبت إلى المزيّن، عادت إلى المنزل لتعدّل رسم "الآي لاينر" على العين ولتغيّر الرموش الاصطناعية. فهي لم تخبر المزيّن أنه يوم عرسها، ويبدو أنه لم يعرها الاهتمام الكافي بسبب العروس التي كانت هي وشقيقاتها يتزيّن عنده.
أما رندة فحظيت بمكياج وشعر في أحد الصالونات الشعبية بسعر خيالي لا يتجاوز 40 دولاراً. وتقول "جربت حظي، بعد أن أعجبني ماكياج إحدى الصديقات، وعرفت أن التكلفة مقبولة جداً، حجزت ليوم زفافي من دون أن أذكر أنني العروس، وكانت النتيجة رائعة لأنني أحب الماكياج الناعم، ذهبت إلى استديو التصوير وبعدها إلى الصالة، وكان شعري مسدولاً ناعماً، والأهم لم أضطر أن أسهر وأنا أزيل الدبابيس من شعري طوال الليل".