♦ الملخص:
فتاة عُقد قرانها على شاب ذي خُلُق ودين، وفي الرؤية الشرعية لم تُعجبها قِصَرُ قامته ولا نحول جسده، ولا سيما أنها تقارنه بغيره من الرجال، وتسأل: هل تنفصل عنه أو لا؟
♦ التفاصيل:
عُقِدَ قِراني منذ شهرين على شابٍّ ملتزم، ويخاف الله فيَّ، وهو ذو وضع مادي جيد، وطيب القلب، ولكنه قصيرٌ ونحيف، ولا أعلم إن كان شكل جسده هذا سيُسبب لي نفورًا أم لا؛ إذ إنني في الرؤية الشرعية شعرت بقَبول نحوَ وجهِهِ، لكنَّ قِصَرَ القامة ونحول الجسد، لم يعجباني، وأشعر بتحسُّرٍ كلما رأيتُ غيره من الرجال؛ وهو أيضًا ذو أسلوب ساذج وبريء، وليس ذكيًّا في الحوار والجدال، ولا يحتمل الخلاف أو المشكلات، ولا يريد مني مخالفته، أو أن أبديَ رغبتي بشيء لا يقنعه، تارة أشعر تُجاهه براحة وقبول، وأخرى أندم وألوم نفسي على قَبولي الزواجَ منه، لا أدري، هل أنفصل عنه تفاديًا للمشاكل، وحتى لا يحصُل طلاق بعد الزواج؟ وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتكِ هو:
١- لم ترتاحي لزوجكِ أثناء الرؤية الشرعية بسبب شكله (قصر القامة والنُّحُول).
٢- وبرغم عدم ارتياحكِ، تم عقد قِرانكِ عليه؛ لأنه شاب مستقيمٌ، وذو خلق، ولكن تعيبين عليه قصر قامته، ونحول جسمه.
٣- وتخشين مع هذين العيبين ألَّا ترتاحي معه، خاصة مع مقارنتكِ جسمه بأجسام غيره من الرجال.
٤- ينتابكِ أحيانًا ارتياحٌ له، وأحيانًا تخوفات من عدم الانسجام معه.
٥- لحظت عليه بساطة تفكيره، وعدم قبوله لأي اعتراض على كلامه.
٦- تقولين: إن شكل وجهه مقبولٌ، ولكن يُعاب عليه قصر القامة والنحول، ولذا تشعرين أنه لا يعجبكِ، ثم تسألين عن رأيي، فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: مربِط الفرس هو عدم ارتياحكِ أثناء الرؤية الشرعية، أما بقية ما ذكرتِهِ عنه، فهي تابعة لها؛ إذ لو ارتحتِ له منذ البداية، لهانَ ما بعدها من صفات سلبية ذكرتِها؛ لذا فلا بد من إعادة الاستخارة بجدٍّ.
ثانيًا: ذكرتِ عنه صفات إيجابية رائعة جدًّا؛ أهمها استقامته وخوفه من الله سبحانه، وهذه الصفات مهمة جدًّا في الزوج وسبب عظيم للتوفيق، لكن يُشكَل على ذلك ما ذكرتِهِ من أمور أخرى؛ أهمها: كرهكِ لشكله أثناء الرؤية الشرعية، وسلبيات أخرى ذكرتِها، والكره لشكله أثناء الرؤية الشرعية محل تخوُّفٍ؛ لذا أرى - بعد الاستخارة مرة أخرى فيه - أن تطلبي رؤيته مرة أخرى، حتى لو لم يَرَكِ، ثم تنظري في نفسكِ: هل استمر معكِ الشعور بالكراهية أم زال؟ فإن استمرَّ، فلعل الخير لكما معًا عدم إتمام الموضوع.
ثالثًا: لعل ما أصابكِ من كُرهٍ لشكل جسمه هو صدمة لم تحتمليها من شدة قصر القامة، ونحول الجسم، خاصة مع ما يتميز به أفراد أسرتكِ من جمال وطولٍ؛ لذا فلا بد من دراسة الموضوع مرة أخرى؛ لأن تخوفاتكِ من عدم الارتياح مستقبلًا بسبب هذين العيبين محلُّ اعتبار.
رابعًا: لا يحسُنُ أبدًا للمستشار الأسري إغفالُ أثرِ شكلِ كلٍّ من الزوجين على استقرار الحياة الزوجية، خاصة مع هذا الانفتاح العالمي على وسائل التواصل، وما فيها من إغراءات الأجساد، وشدة تأثير ذلك.
خامسًا: وإليكِ هذه الحادثة التي حصلت في عهد النبوة، وظهر فيها تأثير شكل الرجل على المرأة، خاصة مع مقارنته بغيره، فإن كان الأمر كذلك، فاستخيري ربكِ في الاستمرار أو عدمه؛ لأن المرأة إذا كرِهتْ زوجها كرهًا شديدًا لا علاج له، لم يَعُدْ لبقائها معه فائدة لها أو له، بل قد يكون مضرًّا جدًّا لهما معًا، فقد كرهت صحابية زوجها وقالت: (لا يجمعني وثابت فراشٌ بعد الليلة)، فتمَّ الخُلْعُ بينهما؛ كما في الحديث الآتي: ((أنَّ امرأةَ ثابتِ بنِ قيسٍ أتتِ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فقالَت: يا رسولَ اللَّهِ، ثابتُ بنُ قيسٍ، أما إنِّي ما أعيبُ عليهِ في خُلُقٍ ولا دينٍ، ولَكِنِّي أكْرَهُ الكُفرَ في الإسلامِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: أترُدِّينَ عليهِ حديقتَهُ؟ قالَت: نعَم، قالَ رسولُ اللَّهِ: اقْبَلِ الحديقةَ، وطلِّقها تَطليقةً))؛ [رواه النسائي، وصححه الألباني].
وكانت رضي الله عنها قد عاشت معه سنوات لا تكره منه شيئًا، ولكنها رأته مُقْبِلًا بين مجموعة من الرجال، فرأتْهُ أشدَّهم سوادًا، وأقصرهم قامة، فكرهته، هذا - يا إخواني - حصل من نظرة واحدة، فكيف بمن يُطلِقْنَ نظرهنَّ يوميًّا في الفنانين والمشاهير، الذين قد تجمَّلوا بأعظم الزينة قبل التصوير؟ وقد قال سبحانه: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ [النور: 31].
حفِظكِ الله، وأرشدكِ لِما فيه الخير لكما، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.