كينيا هانت: حقن أوزمبيك تكشف عن ثغرات في حركة "إيجابية الجسم"

منذ 1 سنة 121

عندما تفكرون في محررة الأزياء هل تتبادر إلى أذهانكم صورة المرأة النحيفة والبيضاء والمرعبة إلى حد بعيد؟ هل يخيل إليكم أن نظرة الازدراء والقرف لا تفارق وجهها؟ وأنها تتألق بتسريحة شعر بوب لافتة؟ إن أجبتم بـ"نعم" على أي من هذه الأسئلة حري بكم أن تتوقفوا عن مشاهدة "الشيطانة ترتدي برادا"  (The Devil Wears Prada)لأن محررات الأزياء اليوم لا يشبهن الصور النمطية المتجانسة التي يتمسك بها كثير. يكفي أن تلقوا نظرة واحدة على حضور الصف الأول لعروض أزياء الموسم الماضي، لتلاحظوا تنوع الصناعة ووسائل الإعلام المروجة لها، مع تزايد غير مسبوق في عدد "الأشخاص الملونين" الذين يتولون رئاسة المجلات اللامعة الرائدة.

وفي هذا الصدد، تقول كينيا هانت أول امرأة سوداء تتولى رئاسة تحرير النسخة البريطانية من مجلة "إل" (ELLE UK) عام 2022 "هذا الأمر هو الأكثر مدعاة للإثارة بالنسبة إليَّ، فقد أمضيت معظم حياتي العملية أوثق ندرة التمثيل في عالم الموضة، وفجأة أجد نفسي في أسبوع الموضة في باريس وحولي، كما تعلمون، كل من إدوارد إنينفول (محرر النسخة البريطانية من مجلة ’’فوغ‘‘ (Vogue) المنتهية ولايته والمقرر أن تخلفه شيوما نادي)، وليندسي بيبولز (محررة موقع ’’ذا كات‘‘ (The Cut) وسميرة نصر من ’’هاربر بازار‘‘ (Harper's Bazaar)... وهذا تغيير ملموس جلي في عالم الأزياء، ويسرني أن أكون جزءاً منه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد استغرق الأمر وقتاً طويلاً، ولكن هانت اليوم واحدة من أكثر الشخصيات المرموقة في مجال الموضة. ففي 2021 حصلت على "جائزة الريادة العالمية للتغيير" في حفل توزيع الجوائز السنوية لمجلس الأزياء البريطاني، وفي اليوم الذي التقينا فيه لارتشاف لاتيه الورد مع الماتشا في "روز بايكري" (Rose Bakery) في "سوق دوفر ستريت"، أدرجتها صحيفة "ذا إيفنينغ ستاندرد" (The Evening Standard) في قائمة قوة الموضة السوداء كواحدة من أكثر الشخصيات السوداء تأثيراً في لندن. والمعروف عن هانت أيضاً أنها مؤلفة كتاب "الفتاة: مقالات عن النسوية السوداء" (GIRL: Essays on Black womanhood) الصادر في 2020.

وبالنسبة إلى هانت التي ولدت وترعرعت في ولاية فرجينيا، لم يكن خوض غمار عالم الأزياء خياراً بديهياً. فوالدها كان فرداً في الجيش، ووالدتها تخلت عن وظيفتها كعاملة اجتماعية في سبيل تربيتها وشقيقتها. وصحيح أنها كانت تجد متعة كبيرة في تصفح مجلات الموضة الخاصة بأمها، إلا أن جل ما كانت تطمح إليه هو أن تصبح راقصة.

وهنا تؤكد هانت أنه "كثيراً ما عملت جنباً إلى جنب مع الرقص"، موضحة أنها اضطرت إلى أخذ "سنة استراحة" لتحقيق مرادها، ألا وهو الرقص الاحترافي والتدريب في المجلات بدلاً من الالتحاق مباشرة بكلية الدراسات العليا. "قالت لي [أمي] ذات يوم "يمكنك أن تذهبي إلى نيويورك وتحاولي ما شئت احتراف الرقص إلى جانب كل الأشياء الأخرى التي تستهويك، ولكنني لا أنصحك بفعل ذلك لفترة طويلة إلا إذا كنت على استعداد لتعيشي مفلسة بقية حياتك".

وبعد مضي عام ارتأت هانت العمل بهذه النصيحة. فالتحقت بـ"جامعة فرجينيا" لدراسة الأدب الإنجليزي، ثم توجهت إلى المملكة المتحدة للحصول على شهادة دراسات عليا في الأدب والفنون من "جامعة أكسفورد". وأثناء دراستها، عملت هانت مديرة للأزياء العالمية لدى شركة الإعلام السويدية العالمية "مترو إنترناشيونال" (Metro International)، ومنها انتقلت إلى صحيفة "غارديان"، فإلى النسخة البريطانية من مجلة "إل" بعدها بعام. انضمت هانت لاحقاً إلى مجلة "غراتسيا" (Grazia) كنائبة رئيس تحرير ومكثت فيها لمدة عامين قبل أن تعود أدراجها إلى "إل" كرئيسة تحرير.

ومنذ عودتها، عينت هانت كوكبة من المواهب الجديدة، من طراز المؤلفة ومستشارة الأزياء الأخلاقية، أجا باربر، والمذيعة والأكاديمية الحائزة جوائز، إيما دابيري. وقد لاقت هذه التعيينات إشادة كبيرة. "أشعر بأننا حققنا الكثير في مدة قليلة"، تقول هانت. وتضيف مستذكرة "مع بداية انطلاقتي في القطاع، لم أكن أرى في العروض سوى ثلاثة أشخاص من أصحاب البشرة الملونة"، وهؤلاء هم: تيري آجينز من "وول ستريت جورنال" (Wall Street Journal) وروبن غيفان من "واشنطن بوست" (Washington Post) والراحل أندريه ليون تالي من مجلة "فوغ" بنسختها الأميركية. "كنت لمح كل واحد منهم في المقعد المخصص له وسط مساحات متجانسة إلى حد كبير".

والمشهد اليوم مختلف تماماً عن المشهد في 2017 لما نشرت نعومي كامبل على صفحتها على "إنستغرام" صورة لفريق تحرير مجلة "فوغ" بنسختها البريطانية والمؤلف بأكمله من أصحاب البشرة البيضاء، وأرفقتها بتمنياتها بـ"فريق عمل أكثر شمولاً وتنوعاً" تحت قيادة إنينفول. لكن الاختلاف بين المشهدين لا يعني أبداً بأنه لم يعد هناك ما ينبغي فعله في هذا الإطار.

"ما يهمنا هو ألا نتوقف عن إجراء حوارات من هذا القبيل"، تشدد هانت، "فالموضة بنظري تواكب الاتجاهات السائدة". "ولا يمكن لمثل هذه الأمور أن تكون دورية أو أن تنشأ عن اتجاه. نحن في حاجة إلى التزام حقيقي لإحقاق تغيير هادف".

فعلى رغم التغيير الحاصل في عديد من وسائط الموضة، لا يزال ثمة نقص صارخ في التنوع على مستوى قيادات دور الأزياء الرائدة عالمياً. وهذا ما لفت إليه بشكل لاذع مقال حديث في مجلة "فوغ بيزنس" (Vogue Business) بسؤاله: "لم أكثرية المديرين الإبداعيين هم من الرجال؟".

فبعد رحيل سارة بيرتون عن "ألكسندر ماكوين" (Alexander McQueen)، بات السواد الأعظم من المديرين الإبداعيين لكبرى علامات الأزياء النسائية التابعة لمجموعة "كيرينغ" (Kering) الفاخرة – تحديداً "غوتشي" (Gucci) و"بلنسياغا" (Balenciaga) و"بوتيغا فينيتا" (Bottega Veneta) – رجالاً من أصحاب البشرة البيضاء. ويكاد هذا الوضع المقلق لا ينحصر في "كيرينغ" وحدها، بل يتعداها إلى شركات أخرى كثيرة وفي طليعتها "موسكينو" (Moschino) التي أثار إعلانها استبدال جيريمي سكوت برجل أبيض آخر هو ديفيد رين، انتقادات جمة.

"أنا عن نفسي لا أعرف ما هو السبب الفعلي"، تقول هانت، "كل ما أعرفه هو أنني قرأت تلك القصص واطلعت على بعض التعليقات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، ووجدتها كلها صادمة ومحزنة للغاية".

كذلك، كشف مقال "فوغ بيزنيس" المبني على استطلاع ناجح لعدد من العاملين في مجال الموضة والأزياء، عن هوس القطاع في الحفاظ على المظاهر واستبعاد الفئات المهمشة والحد من تقدمها. ويؤكد ذلك ما قاله أحد خبراء التنوع والإنصاف والشمول في صناعة الأزياء عن أن "شيئاً لم ينفع في رفع مستوى التنوع والإنصاف والشمول داخل القطاع". وفي هذا السياق، تعمدت أن أسأل هانت عما إذا كانت تتفق مع التصريحات التي أدلت بها الوزيرة كيمي بادينوش أخيراً ومفادها أن بريطانيا هي "أفضل دولة تراعي أصحاب البشرة السوداء وتدعمهم".

ورداً على هذا السؤال، تقول هانت إن "العنصرية موجودة على جانبي المحيط الأطلسي"، إنها موجودة حقاً. "فهي كانت قد تصدت سابقاً لمواقف عنصرية في العمل – حيث أخبرها محرر أبيض ذات مرة أن فقاعة الأزياء السوداء ’’لا بد أن تنفجر‘‘ - لكن ما عايشته هانت هو نقطة في بحر التنميط العنصري الذي تعرض له إنينفول حين طلب منه التوجه إلى رصيف الشحن الخاص بمجلة ’’فوغ هاوس‘‘ عام 2020، والذي يعد تذكيراً قاتماً بأن العنصرية فوق كل منصب أو سلطة أو اعتبار. فهل لا تزال هانت تواجه مثل هذه المواقف في منصبها اليوم؟". تجيب "ما زلت أتعرض لهذه المواقف، الفارق الآن هو أن مزيداً من العاملين في مجال الموضة يعرفون بوجودي وبالدور الذي اضطلع به، من ثم فإن احتمالات حدوث هذه المواقف ضمن مجتمعنا الضيق قليلة مقارنة بالمجتمعات الأخرى التي لا تمت بصلة إلى الموضة. وصدقيني هذه الأمور تزيد الطين بلة، إذ يتعين عليك التعامل معها إلى جانب عملك".

وعندما يأتي الأمر إلى التمثيل في الموضة، يبدو أن هناك رفضاً قاطعاً لتنويع أشكال الجسم على منصات العروض، أقله بشكل دائم. فبعد مغازلتها سوق المقاسات الكبيرة لفترة من الوقت، تقع الموضة من جديد في حب النحافة الشديدة. وقد لا يكون من قبيل الصدفة أن يتزامن هذا الوضع مع الزيادة الكبيرة في استخدام أوزمبيك (حقنة السكري التي تساعد في إنقاص الوزن)، لكن هيمنة النساء شديدات النحافة على عروض الأزياء الأخيرة واضحة وضوح الشمس ولا يمكن إلا أن تثير قلق عديد من محرري الموضة.

"هذا أكثر ما تسألني عنه نساء اليوم"، تذكر هانت. "وخلال أحد العروض التي أقيمت أخيراً دار حديث حول [تنوع الجسم] وقالت إحدى الزميلات متنهدة: "أف، هذه محادثة قديمة وقد ضقت ذرعاً بها". "وبعد كل النقاشات التي خضناها الموسم الماضي، ظننت أنه سيكون هناك مزيد من التمثيل ولكن... لا شيء. أنا مصدومة. وأعتقد أن الوضع القائم مع أوزمبيك حالياً يكشف وجود ثغرات في حركة إيجابية الجسم".

وإبان الشهر الماضي، نشرت مجلة "إل" بنسختها البريطانية مقالاً تناولت فيه مصممة الأزياء والمديرة الإبداعية صاحبة مقاس 22، جيني أنان - لوين، علاقتها بأوزمبيك الذي تستخدمه لأسباب صحية، كما أشارت إلى الاستخدام الواسع النطاق للعقار في صناعة الأزياء، ناقلة عن بعض العارضات قولهن "يعتريني الغضب الشديد كلما سمعت عن لجوء هذه أو تلك من صاحبات المقاس 10 إلى دواء أوزمبيك لمجرد أنها لا تريد كسب الوزن".

وإضافة إلى ما تقدم، هناك بالطبع تحول وسائل الإعلام المطبوعة إلى موضة قديمة، مع هبوط أرقام التوزيع السنوية لغالبية المنشورات وتسجيل النسخة البريطانية من "إل" تحديداً أحد أكبر التخفيضات في القطاع عند 27في المئة عام 2022 مقارنة بعام 2021. وهذا التحول هو الذي أجبر هانت وأقرانها على إعادة التفكير في ما يعنيه تحرير مجلة في زمننا الحاضر، وهو الذي جرد المحرر الجديد لمجلة "فوغ" بنسختها البريطانية من لقب رئيس التحرير المعظم واستبدله برئيس المحتوى التحريري.

"كل ما نطبعه هو جزء من منظومة أوسع نطاقاً"، تقول هانت، موضحة اتساع مشهد النشر الحالي ليشمل الفعاليات والبودكاست. "على مر التاريخ، كان المحرر يتحدث من علو". "أما اليوم، فأرغب في معرفة ما تتحدث عنه النساء ويشغل بالهن. أحب الأخذ والرد وأتحمس للمشاركة في التحولات العامة الحاصلة على مختلف المستويات، فالحياة لم تعد كما كانت عليه بالأمس وبات الناس يشككون في الكيفية التي كانت تؤدى بها الأعمال والطريقة التي اعتادت أن تكون عليها الأشياء".

من الواضح أن مسار التغيير في قطاع الأزياء أبطأ من أي قطاع آخر، ولكن بعد قضاء ساعة بصحبة هانت، لا يمكن إلا أن أوافقها الرأي على أن ثمة كثيراً مما يثير الحماسة في الوقت الراهن.