سهلت مواقع التواصل الاجتماعي نشر المعلومات المضللة في جميع المجالات وانتشارها على نطاق غير مسبوق، وفي مجال الفلك والفضاء تحديداً، ووفق منصات متخصصة في كشف الأخبار الكاذبة ومنها منصة "مسبار" المستقلة، فإن كثيراً من الأخبار ليست سوى إشاعات، تكشف عن عدم فهم كثيرين لتحولات كبرى طرأت على هذا المجال العلمي المعقد منذ عقود سابقة.
وتدور كثير من الأنباء المنشورة حول الفضاء حالياً في فلك تضليل الرأي العام وتشتيت انتباهه عن ممارسات شخصية لرجال أعمال يحتكرون مجال السياحة للفضاء ويطلقون مهمات كبرى نحو الكواكب القريبة بهدف نهب ثرواتها ومعادنها النفيسة التي تدخل في صناعات الذكاء الاصطناعي، وذلك وفق تصريحات صحافية لبعض هذه الشخصيات إلى وكالات أنباء عالمية، كما تستهدف مشاريع الفضاء الكبرى الحالية كواكب قريبة مثل القمر بغية الكشف عن وجود المياه والثروات الطبيعية.
أنباء من دون سياق
اكتشاف ثوري لـ"ناسا"، حياة مؤكدة على المريخ، رصد أكبر مرآة في الكون، بقعة معتمة على الشمس، فريق بحثي من العلماء يرصد حياة عاقلة على كوكب في الفضاء... كل هذه العناوين الإخبارية التي تمطرنا بها بعض المواقع على الشبكة العنكبوتية والتي بُثت خلال أيام ماضية وبشكل متتابع أربكت المتابعين لأنها أذيعت بصيغة أخبار عاجلة تكشف عن آخر ما توصل إليه علم الفضاء، إلا أنها أنباء مستهلكة فقط لأنها تأتي ضمن سياق مشروع قديم لـ"ناسا" هو مشروع غزو الفضاء المتوقف رسمياً منذ 2018، إذ أصبحت هذه الأنباء على رغم صحة كثير منها من دون سياق علمي معتبر.
والمتابع لتطورات هذه المشاريع التي يمكن وصفها اليوم بأنها محاولات يائسة لإحياء حلم متبدد، لا بد من أن يلاحظ بوضوح ضحالة ما يقدم فيها من معلومات وصور يمكن وصف كثير منها بالمفبركة لأنها تقدم إلى المتلقي العربي باعتبارها أخباراً ومعلومات طازجة ودقيقة، إذ تنسب إلى مصادر مجهولة من خلال أقوال وتصريحات قديمة، وتطعم أحياناً بنتائج أبحاث لعلماء ما زال بعضهم يتعيّش من دراسات قديمة، بدأت خلال عقود ما قبل إلغاء الحلم، ولم يعد لها سياق اعتباري مهم حالياً، لذلك لا يتمكن كثيرون من التمييز بين الصادق منها والمفبرك، ووفق تصريحات في مجلة العلوم لعالمة الكونيات في جامعة ولاية كارولاينا الشمالية كاتي ماك، فإن "الناس يشاركون معلومات خاطئة عن هذا العلم وغيره ولا يعلمون أنها خاطئة تماماً".
تحولات علم الفضاء
منذ 2020 بدأت مرحلة "عسكرة الفضاء" وانتهى عصر غزو الفضاء أميركياً موقتاً ولغاية 2040 على أقل تقدير، مما يعني أن أية أخبار تتعلق بهذا الشأن ما هي إلا أنباء مستهلكة تأتي في سياق الإثارة لا أكثر، بل إن كثيراً من هذه الأنباء وفق مقالات عدة في ويكيبيديا وعبر الموسوعة المعرفية العربية ومؤلفات في هذا الشأن نشرت على الإنترنت عن غزو الفضاء، ما هي إلا تعمية متعمدة على مشاريع خاصة هدفها الربح المالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقبل أيام عدة تحطمت المركبة الروسية "لونا 25" على سطح القمر أثناء مهمة لوكالة الفضاء الروسية (روسكوسموس) وكان هدفها الهبوط على القطب الجنوبي لهذا الكوكب الذي توقفت المهمات نحوه منذ ما يزيد على نصف قرن من قبل الوكالة الفضائية الاتحادية الروسية، وعلّق أحد المتابعين المتعجبين من توقيت استئناف الوكالة الروسية لنشاطها من خلال مهمة كبيرة بقوله "من الغريب أن روسيا التي تخوض حرباً وتضرب عاصمتها بالمسيّرات، تحاول غزو الفضاء"، وجاء ذلك غداة إعلان "روسكوسموس" رسمياً فشل المهمة وتحطم مسبارها بعد "دخوله مداراً غير خاضع للسيطرة" بسبب مشكلة فنية وصفتها الوكالة بأنها غير طبيعية.
يذكر أن مهمة "لونا 25" وصفت من قبل اختصاصيين بأنها تأتي في سياق "سباق بين القوى الكبرى لاستكشاف جزء من القمر يعتقد علماء بأنه يحتوي على مياه متجمدة وعناصر طبيعية نفيسة".
نهاية زمن المهمات الكبيرة
توقفت روسيا الدولة الرائدة في هذا المجال عن مشاريع الفضاء الكبرى منذ ما يزيد على نصف قرن، فدخول مدار القمر هو إنجاز كبير لم تقم به وكالات الفضاء منذ عقود، إذ خفضت الوكالات العالمية الرائدة في مجال الفضاء أميركياً وأوروبياً وآسيوياً أخيراً سقف مشاريعها، لتقتصر برامجها خلال العقود المقبلة على مشاريع وطنية، بل إن آخر دخول لهذا المدار روسياً حدث في 1976، مما يعني أن أول محاولة للعودة للفضاء روسياً فشلت، على رغم قرار الدمج الروسي مع المؤسسات الحكومية الوطنية في 2015 بواسطة قرار رئاسي. وحتى 2011 كانت وكالة الفضاء الروسية متعاقدة مع "ناسا" لتقديم خدمات سفر من خلال مركبات "سايوز" وتقديم رحلات لنقل البضائع من خلال رحلات فضائية، إضافة إلى تقديمها خدمة سياحة الفضاء للركاب.
وتمر وكالة الفضاء الروسية حالياً بواحدة من أضعف حالاتها العلمية والعملية، فيما يتوقع نجاح مهمة كل من وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) والوكالة الأوروبية وحتى الآسيوية (الصينية) في مهماتها المقبلة، علماً أن تلك المهمات لوكالات الفضاء المذكورة لا تعد من مشاريع الفضاء الكبرى، إذ أعلنت كل منها عن مشاريع وبرامج وطنية وعادية خارج نطاق غزو الفضاء واستعماره.
أنباء مضللة
تؤكد كاتي ماك وجود حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي ذات طابع فلكي "تشارك معلومات مضللة أو خاطئة تماماً" وتضيف "من بين هذه المعلومات والأنباء المضللة هناك صور مفبركة وادعاءات ترتبط بنظرية المؤامرة"، وأخيراً دار جدل جديد حول كروية الأرض بعدما نشر رائد الفضاء السعودي علي القرني صوراً جديدة تداولها ناشطون، وقال في تغريدة عبر "إكس"، "من الذكريات الجميلة، الكرة الأرضية اسم على مسمى"، فيما أكدت مواطنته ريانة برناوي كلامه بقولها في مؤتمر صحافي "والله شفناها كروية. الأرض كروية"، وعلى رغم ذلك قال مغرد باسم "الحقيقة فقط"، "كيف تجرؤ على تحريف كلام الله. هي بالعربي الفصيح مسطحة أي مستوية وممتدة".