كيف نتجنب بيئة العمل السامة؟

منذ 1 سنة 136

يجتمع العاملون مديرين وموظفين من خلفيات مختلفة في مكان العمل، يؤدون وظائفهم بحسب مهاراتهم ودراساتهم وخبراتهم التي حصلوا عليها في الحياة، ويتعاملون مع بعضهم بعضاً بحسب تربية عائلاتهم وسلوكها الاجتماعي، ويحملون في طيات شخصياتهم عناصر نفسية مختلفة تشكل كامل الصورة لكل فرد منهم، فيتعامل كل بحسب هذه المكونات التي تشكل شخصياتهم المتفهمة أو الغاضبة أو المعطاءة أو غيرها من الصفات التي تطبع كل عامل.

من يمارس العنف في العمل

لكن عندما نقول العنف في العمل فأول ما يخطر في البال سوء استخدام السلطة من قبل أرباب العمل تجاه الموظفين وتعنيفهم بطرق مختلفة، كفرض أعمال غير متفق عليها، أو الإساءة اللفظية أو التنمر وصولاً إلى التهديد أو الإساءة الجسدية أو الجنسية. هذه الصورة غير مكتملة، إذ إن العنف في العمل له أشكال مختلفة ربما يمارسها أي فرد في مكان العمل سواء كان من المديرين أو الموظفين في أي قطاع.

فمنذ أيام ضجت مواقع الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي بخبر قتل موظف بنك يبلغ من العمر (24 سنة) أربعة من زملائه وإصابة تسعة آخرين في ولاية كنتاكي الأميركية وبث هذا الهجوم مباشرة على الإنترنت من وسط مدينة لويفيل قبل أن يقتل وسط نيران الشرطة.

هذه الحادثة ليست فريدة ولا الأولى من نوعها، إذ يعتبر العنف في العمل ظاهرة شائعة خلال الأعوام الأخيرة، وفق إدارة السلامة والصحة المهنية التي تعرف العنف في مكان العمل بأنه فعل أو تهديد بالعنف الجسدي أو المضايقة أو التخويف أو أي سلوك تهديد آخر يحدث في موقع العمل. ويمكن أن يحدث في أي صناعة ويؤثر في العمال من جميع الأعمار والأجناس والأعراق.

3-_لا_لد_من_التخلص_من_ضغوطات_العمل_تجنباً_للوصول_غلى_أي_نوع_من_العنف_-_بكسلز.jpg

وربما يكون مصدر العنف في مكان العمل العملاء أو الزملاء أو الإدارة أو الزبائن، وتختلف في كل حالة الأسباب الكامنة وراء العنف، لكن معظمها تنبع من قضايا مثل الصحة العقلية أو العنف المنزلي أو ضغوط مكان العمل.

يشمل العنف في العمل جميع السلوكات التي تسبب الضرر الجسدي أو النفسي للعاملين، وربما يكون لفظياً أو جسدياً، ويتمثل اللفظي منه في استخدام الكلمات أو الإيماءات أو التهديدات لإيذاء أو تحريض العاملين، ومن أشكاله التنمر والاستفزاز والتعرض للإهانة والتهديد بفقدان الوظيفة والحرمان من المكافآت.

ويتضمن العنف الجسدي الإصابات الجسدية للعاملين ويشمل الضرب واللكم والدفع واستخدام الأسلحة والاعتداء الجنسي، وربما يتعرض العامل لأحد نوعي العنف أو الاثنين معاً، وقد يكون الجاني رب العمل أو موظف أو عميل، وبكل الأحوال فإن العنف في العمل يحوله إلى بيئة سامة للضحية في الأقل.

وربما تكون عواقب العنف في مكان العمل مدمرة، وتتراوح آثاره في الضحايا من إصابات جسدية وصدمات نفسية إلى فقدان الأجور، وكذلك يمكن أن تكون الكلفة التي يتكبدها أصحاب العمل كبيرة كفقدان الإنتاجية والرسوم القانونية وصولاً إلى الأضرار بسمعة الشركة.

نماذج بجنسيات مختلفة

بعض أعمال العنف أودت بحياة العمال بدول عدة، ففي عام 2018 أطلق موظف في شركة برمجيات بولاية ماريلاند الأميركية النار وقتل ثلاثة من زملائه في العمل قبل أن يطلق النار على نفسه، وأفيد حينها بأن لديه تاريخاً من المشكلات الصحة العقلية وكان طرد من وظيفته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما قتل عامل بشركة "كولومبيا ماشين" في سميثزبيرغ بماريلاند الأميركية عام 2022 ثلاثة من زملائه وأصاب رابعاً بجروح خطرة، وعام 2019 فتح موظف في مصنع في إلينوي الأميركية النار في مكان العمل، مما أسفر عن مقتل خمسة من زملائه وإصابة خمسة من ضباط الشرطة وتبين أن لدى مطلق النار تاريخاً من العنف المنزلي وكان فصل من وظيفته قبل ذلك.

وعام 2019 أيضاً أطلق حارس أمن بأحد البنوك في القاهرة النار وقتل ثلاثة موظفين قبل أن يصوب البندقية على نفسه وعام 2017 قتل رجل أردني اثنين من زملائه في شركة أدوية في العاصمة عمان وقيل إن مطلق النار لديه تاريخ من المرض العقلي.

كما شهد عام 2019 جريمة قتل في مستشفى الكرك الحكومي بالأردن عندما أطلق موظف مختبر النار وقتل زميليه، وأصابت إحدى طلقاته أسطوانة أوكسجين، مما تسبب بانفجارها واشتعال المختبر الذي أودى بحياة الجاني بسبب الحروق، على رغم أن زملاءه أفادوا بأنه ليس من مفتعلي المشكلات، بل تربطه بهم علاقات جيدة، إلا أنه كان يعلم أنه سينقل إلى فرع آخر، الأمر الذي أغضبه بشدة.

وعام 2022 قتل موظف مصري مقيم في الكويت اثنين من زملائه السوريين وطعن الثالث في العمل بسكين الشاورما لأنهم سخروا منه وأهانوه، بحسب اعترافه لاحقاً.

بالتالي، تسلط هذه الأحداث المأساوية الضوء على حاجة أرباب العمل إلى التعامل بجدية مع العنف في مكان العمل وتنفيذ تدابير لمنعه ومعالجته.

في القانون

ينفض قانون العمل يده من العنف في العمل وجرائمه وتتحول هذه الملفات إلى قانون العقوبات، بحسب المحامية فداء عبدالفتاح في حديث إلى "اندبندنت عربية".

ويختلف العنف في مكان العمل عن قضايا الصرف التعسفي وهدر حقوق العامل، "لكن قانون العمل واضح في مسألة تعرض رب العمل لأحد الموظفين بأي نوع من أنواع الأذى الجسدي أو غيره. ويمكن للعامل اللجوء إلى القضاء والحصول على حقوقه من جهة مضمون عقد العمل من دون خسارة حقوقه المالية، ويصبح تركه العمل على مسؤولية رب العمل وليس على مسؤوليته، كما يترتب على رب العمل جزاء يوازي كل الأشهر حتى نهاية العقد، وربما تضاف إليه تعويضات أخرى بحسب حجم الأذى الذي تعرض له العامل".

وتوضح عبدالفتاح أنه "لا يكفي أن يقول العامل إنه تعرض للأذى أو الاعتداء من دون وجود إثبات أو دليل، وفي حال العنف لا يعتمد على قانون العمل الذي يتعلق بضمان حقوق العامل العمالية من عقد العمل إلى الأجور والتعويضات، إنما تصبح القضية تحت عباءة قانون العقوبات".

الحلقة الأضعف

ربما يكون مكان العمل أحياناً في البيوت حيث توظف عاملات الخدمة المنزلية. وتشرح عبدالفتاح "للأسف لا يسري الأمر على العاملات المنزليات لأنهن لا يرتبطن بقانون العمل، بل بالكفيل، وهو موضوع مخالف لأبسط حقوق الإنسان".

وأشارت إلى أن "العاملات غالباً ما يتعرضن لمختلف أنواع العنف في المنازل، وشهد لبنان نماذج كثيرة عن حالات عنف كهذه، لكن العاملة لا تلجأ إلى الجهات المختصة خوفاً من حجز أوراقها أو رفض كفيلها التنازل لكفيل آخر، أو خوفاً من الترتيبات المالية التي ربما تقع على عاتقها إذا ما لجأت إلى الانقلاب على رب عملها المؤذي، لذا نجد حالات كثيرة من هروب العاملات المنزليات، وغالباً ما يتهمهن الكفيل بالسرقة، فيهربن من عنف ليقعن في عنف أكبر، إذا لم يجدن من يدافع عنهن".

وأوضحت أن "بعض العاملات اللاتي هربن من عنف في أماكن عملهن، المنازل التي يعملن بها، مكثن لفترات طويلة في النظارات والسجون من دون أن تتحول ملفاتهن إلى التحقيق، وبعضهن ربما يرحلن من دون الحصول على أجرهن. إنهن الحلقة الأضعف وبحاجة إلى معرفة كيف يعترضن على العنف وإلى أين يلجأن حتى لا يزيد هروبهن الطين بلة فيتعرضن لظروف حياة أصعب".

كيف نوقف العنف في العمل؟

يتطلب منع العنف في مكان العمل اتباع نهج متعدد الأوجه، إذ يمكن لأصحاب العمل اتخاذ خطوات مثل تنفيذ سياسة عدم التسامح مطلقاً مع العنف ووضع سياسات وإجراءات داخل الشركة واضحة للجميع في شأن السلوك المقبول وغير المقبول، وكذلك العقوبات المتوقعة في حالة الانتهاكات، مع الحرص على تدريب الموظفين على التعامل مع الصعوبات والصراعات وحل النزاعات وتزويدهم بالمهارات الضرورية والاتصال الفاعل والاستماع الجيد وإدارة الضغط والتوتر، كما يمكن توفير موارد مثل برنامج مساعدة الموظفين أو الوصول إلى خدمات الصحة العقلية لدعم الذين ربما يعانون مشكلات الصحة العقلية، والتأكد من عدم وجود سجلات جنائية أو سلوك عدواني سابق.

ويجب على الموظفين الإبلاغ عن أي مخاوف لديهم إلى مشرفهم أو قسم الموارد البشرية، والمشاركة في التدريب لمعرفة كيفية تخفيف حدة الصراع والتعرف إلى علامات التحذير من العنف المحتمل، فهذا التعاون من شأنه أن ينشئ بيئات عمل أكثر أماناً وصحة للجميع.

ويلعب تعزيز ثقافة الاحترام والتسامح وتشجيع العاملين على التعاون والتفاعل دوراً إيجابياً في تخفيف حدة العنف، مع ضرورة إنشاء نظام الإبلاغ عن المشكلات والانتهاكات بشكل سري وآمن لتحفيز العاملين على الإبلاغ عن أي مشكلة ربما يواجهونها من دون خوف من العواقب والتعامل مع الانتهاكات بسرعة وفاعلية.