كيف تنزلق أكبر ديمقراطية في العالم نحو الاستبداد؟

منذ 5 أيام 44

في الصفحات الافتتاحية من كتاب «الهند الجديدة»، يتذكر راهول بهاتيا كيف تحول أحد أقاربه من شخص ودود وعَذْب المعاشرة إلى شخص غاضب يهزأ بالمسلمين باعتبارهم «أقل من البشر». وتحول قريبٌ آخر من مناصر لا سياسي للنزعة البشرية إلى شخص يصرّ على أن الهند في حاجة إلى «ديكتاتور حميد». بدأت عمّته تصف المسلمين بـ«المتوحشين». وقد فوجئ بهاتيا بمثل هذه الكراهية. فقد تعلم أن العلمانية والمساواة تشكلان حجر الأساس في الثقافة السياسية السائدة في الهند. «لقد ربانا آباؤنا على قيم هجروها بأنفسهم».

شرع بهاتيا، وهو صحافي مقيم في مومباي، في تعلم المزيد عن السلالة القومية الهندوسية التي اجتاحت الهند خلال العقد الماضي. والنتيجة هي هذا السرد المجسم الذي يُظهر مدى «تفكك أكبر ديمقراطية في العالم» منذ انتخاب ناريندرا مودي رئيساً للوزراء عام 2014.

كان مودي رئيساً لوزراء ولاية غوجارات عام 2002، عندما انتقم الهندوس من المسلمين إثر حريق قطار أسفر عن مقتل الحجاج الهندوس. وعلى مدى ما يقرب من ثلاثة أشهر، قُتل أكثر من ألف شخص، معظمهم من المسلمين. ووجهت الاتهامات ضد مودي وحزبه بهاراتيا جاناتا بالإهمال، بل والتواطؤ. ولقد أطلق أحد المسؤولين الفيدراليين المروعين على الواقعة اسم «مذبحة ترعاها الدولة». ومنذ ذلك الحين، أدى صعود مودي إلى أعلى منصب في البلاد إلى منح رخصة وطنية للعنف الطائفي.

بالنظر إلى أهمية الموضوع الذي يتناوله بهاتيا في كتابه، من المناسب أن يستعين بالعديد من الأساليب في «الهند الجديدة». يعرض الكاتب مهاراته بصفته صحافياً استقصائياً، وكاتب مذكرات، ومثقفاً، وقاصاً. لقد أصيب بالذهول حين بدأ الناس الذين يعرفهم في إحياء النزاعات التي دامت قروناً من الزمان وإثارة الإهانات الساخرة بشأن المسلمين. ويقول: «إن هذا البلد غير المألوف بدأ يبرر حتى القتل إذا كانت المناسبة تتطلب ذلك». فكان يلزم أن يجد «من أين يأتي السم».

وتحقيقاً لهذه الغاية؛ أجرى بهاتيا مقابلات مع ضحايا العنف ومرتكبيه، فضلاً عن الصحافيين وضباط الشرطة. ويتحدث بالتفصيل عن النمو المذهل لمجموعة «راشتريا سوايامسيفاك سانغ»، أو «آر إس إس»، الجماعة القومية الهندوسية المتشددة التي تأسست عام 1925؛ وحزب «بهاراتيا جاناتا» الذراع السياسية لهذه المنظمة. في عام 1939، كتب زعيم منظمة «آر إس إس» بالموافقة على معاملة هتلر لليهود: «لقد أظهرت ألمانيا أيضاً مدى استحالة استيعاب الأعراق والثقافات، التي ترجع خلافاتها إلى الجذور، في كيان واحد موحد، وهو درس جيد لنا في الهندوستان للتعلم والاستفادة منه».

يؤرخ كتاب «الهند الجديدة» كيف أن هذه الحركة الراديكالية المتعصبة - التي تتعارض بشكل كبير مع التزام الهند بعد الاستقلال بالتعددية الدينية - كانت ناجحة للغاية. وبعد فترة وجيزة من الاستقلال، حذَّر جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للبلاد، أحد أصدقائه من الخطر الذي يشكله «الهندوس الرجعيون والمتعصبون»: «إذا كان هؤلاء الناس ماضين في طريقهم، فلن يكون لكم ولا لي وجود يمكن تقبله». وعلى مر العقود، اكتسبت منظمة «آر إس إس» السلطة من خلال مزيج قوي من الترويج للمظالم والتنظيم الحازم. وقال مؤرخ لمنظمة «آر إس إس» إلى بهاتيا: «ما زلت لا أعرف كيف سيطرت علينا آيديولوجيا بمثل هذا الغباء إلى هذا الحد. إنه أمر مدهش».

ويزعم بهاتيا أن التكنولوجيا تقدم الآن آليات جديدة للهيمنة. وفي جزء موسع من كتابه حول سعي الحكومة إلى وضع برنامج وطني لتحديد الهوية الرقمية، يحذّر من أن الغرض الظاهري لهذا البرنامج - كبح الفساد وتحسين تقديم فوائد الرعاية الاجتماعية - يمكن أن يستخدم «لفرض القمع بصورة أكثر كفاءة».

حجج بهاتيا هنا مثيرة للاهتمام، وإن كانت افتراضية. لكنها ترتبط بأحد المواضيع الرئيسة للكتاب: كيف شكلت التجارب اليومية السياسة الهندية؟ يقترح أن التفاؤل التكنولوجي يتغذى على الإحباط السياسي؛ حيث يضع الناس آمالهم في أدوات سلسة وسريعة بدلاً من عالم العدالة والحقوق الممتلئ بالاحتكاكات.

وقد يُقال شيء مماثل عن جاذبية الاستبداد. يكتب بهاتيا: «إن الدولة الصعبة تجعل من المغري أن تحلم بمسارات أسهل، وبالعدالة الفورية، وما قد يفعله المواطنون إذا كانوا رؤساء وزراء ليوم واحد، ومن الفساد الذي قد تحله التكنولوجيا، وكل التغييرات التي قد يجلبها قائد قوي».

يرتبط مشروع تحديد الهوية الوطنية أيضاً بالتوترات حول مسائل المواطنة، وحول من تعترف به الدولة وتحميه. في عام 2019، أعلنت حكومة مودي قانوناً يمنح الجنسية للأقليات المضطهدة من البلدان المجاورة - باستثناء المسلمين. ومن بين أحداث كتاب «الهند الجديدة» هناك قصة نزار، الرجل المسلم من دلهي الذي كاد أن يُقتل في أعمال الشغب التي تلت ذلك. وقد أنقذه تدخل جاره الهندوسي المفاجئ: «لم يستطع أن يشرح لماذا اختار الرجل الذي يعرفه إنقاذه. لم يكن الأمر له معنى بالنسبة إليه. لم يكن أي شيء في ذلك اليوم منطقياً بالنسبة له».

ولمدة سنتين، انتظر نزار للإدلاء بشهادته في المحكمة بشأن ما شاهده. كان بهاتيا يتحدث معه بانتظام، ومع مرور الأشهر، قاوم نزار اليأس، حتى عندما حاول الناس تهديده أو رشوته لإسكاته. وقد تأثر عمله في الملابس أثناء زيارته للمحكمة في كل مرة يتم استدعاؤه فيها. وبالنسبة لبهاتيا، برز مثل هذا التفاني المضني: «لقد أصبحت أرى نزار شخصاً مميزاً لأنه كان لا يذعن للراحة والبراغماتية».

ينتهي كتاب بهاتيا قبل الانتخابات الوطنية هذا العام، عندما حقق مودي وحزب «بهاراتيا جاناتا» فوزاً ضيقاً مع دعم متناقص. لكن الدمار سريع، في حين أن إعادة البناء تستغرق وقتاً. جهود نزار - البطيئة والصعبة والمرهقة - هي عكس الجهود الفعالة. وقال لبهاتيا: «الأمر يشبه بقدوم شيء ما واقتلاع شجرة. يستغرق نمو الشجرة من جديد سنوات».

* خدمة «نيويورك تايمز»