ينام أحدهم فيرى نفسه في المنام وهو في لجنة امتحان وقد قارب الوقت على الانتهاء من دون أن يجيب عن أي سؤال، على رغم إنهائه دراسته منذ أعوام بعيدة، أو يرى آخر وحشاً يطارده ويكاد يلحق به قبل أن يستيقظ من نومه مفزوعاً، فلماذا تراودنا الكوابيس؟ ومتى تصبح مقلقة؟ وماذا تكشف عن حياتنا وأسرارها؟
العقل الباطن
يقول الكاتب سلامة موسى في كتابه "العقل الباطن" إن "معظم الأحلام هي في الواقع صراع يحاول فيه الشخص أن يحقق رغبته، فإن نجح فذاك وإلا فقد يستيقظ وهو لا يزال في صراع، وكل ذلك يجري بأسلوب النفس القديمة، أي بذلك العقل الباطن الذي لا يعرف الطرق الحديثة لحل المعضلات التي تعترضنا".
ويتابع، "نحن في النوم ننتقل من إنسان القرن الـ 21 المهذب المتحضر إلى إنسان الثقافة القديمة قبل 5 آلاف عام، أو إلى حالتنا البهيمية السابقة قبل عشرات الألوف من الأعوام، ولما كان الطفل يمثل الإنسان بل الحيوان القديم، كما هو واضح من أنه يمشي على أربع ويغضب كثيراً ويرعب كثيراً، فإن الأحلام تجري على أسلوب الطفولة، أي أسلوب الإنسان في العصور القديمة".
الكابوس لا ينتصر لشهوة وهو نقيض للخبز الذي يراه الجائع ويأكله في النوم، فكيف يمكن الكابوس؟
يقول سلامة إنه "قد يحدث أن تقع لأحدهم حادثة مفزعة جداً لكنه ينجو منها، وعندها يعرف بعقله الواعي أنه نجا ويكبت عاطفة الرعب التي لحقته، لكنه بكبته لتلك العاطفة يعطي في المقابل قوة تدنس العقل الباطن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف أن "هذا الرعب الذي يدركه الإنسان في اليقظة من وقت لآخر، ويخفق له قلبه ويذهل عقله يدركه في النوم عن سبيل العقل الباطن كابوساً، أي رعباً قديماً، كما كان يلحق آباءه منذ نحو 100 ألف عام، فمعنى الخوف يأأتخيله في سقف سينقض عليه أو قطار سيدهسه أو وحش سيفترسه، فيحاول أن يجري لكنه لا يستطيع".
لكن لماذا لا يستطيع؟ يجيب سلامة، "لأن الإنسان القديم الذي يجري في العقل الباطن كان يستجيب للخوف في الغابة بالسكون التام، كما تفعل بعض الحيوانات الآن مثل الثعلب، لأن هذا السكون كان طريقاً من طرق النجاة".
وتابع، "إن أغار وحش على جماعة من الناس وانزوى واحد منهم وسكنت جميع حركاته بحيث لا يقدر هو نفسه على الصراخ أو الحركة، لاستطاع بذلك أن ينجو من الوحش الذي قد لا يلتفت إليه ولا يعرف مكانه، أما إذا تحرك وصرخ فإنه يلتفت إليه فيدركه ويقتله، فهذا الجمود الذي نجده في الكابوس هو طريقة العقل الباطن في الاستجابة للرعب، وهي طريقة الأسلاف القدماء، لكن عندما نقترب من اليقظة يحدث صراع بين العقل الواعي الذي يوشك أن يستيقظ والعقل الباطن، ولذلك نصرخ ثم نستيقظ تماماً".
أسباب علمية
للكوابيس تأثير سلبي في جسد الإنسان، إذ يسبب حالاً من القلق تمنع الجسم من الحصول على الاسترخاء، وعادة ما تسبب تغيرات في النوم، ومن ثم زيادة الإجهاد، مما يؤثر في الطاقة والصحة العقلية للشخص، ويحفز القلق والاكتئاب، وصولاً إلى المشكلات الصحية مثل ارتفاع ضغط الدم.
وحاول العلماء معرفة سبب الكوابيس لكنها تظل مجهولة بشكل عام، وإن حددوا بعض التفاصيل التي يرون أنها قد تسبب رؤية الإنسان للكوابيس أثناء نومه ومنها المشكلات العقلية، ووجدت دراسة فنلندية أن الأشخاص الذين يعانون الاكتئاب الحاد أو تعرضوا لموقف سلبي مع الذات فمن المرجح أن يراودهم مزيد من الكوابيس.
وهناك بعض السمات الشخصية كأن يكون الشخص أكثر حساسية، وهذا ما أثبتته دراسة عام 2001 وجدت أن هؤلاء الأشخاص من ذوي الاهتمامات الفنية والإبداعية يعانون كوابيس منتظمة، كما أن الكوابيس تكون نتيجة اضطراب الإجهاد اللاحق للصدمات، فتتكرر الأحلام المزعجة بانتظام كعلامة على وجود ذاكرة مكبوتة أو صدمة.
ومن بعض الأسباب كذلك تناول الكحول والطعام قبل النوم وبعض الأدوية التي قد يسهم بعضها في حدوث اضطرابات النوم والأحلام السيئة.
وأحد أهم اضطرابات النوم النفسية، هو اضطراب الكوابيس Nightmare Disorder وهي حال يعاني فيها الفرد من كوابيس مزمنة ومكثفة تستمر لفترة طويلة، ويتذكرها جيداً إلى حد أنها تعطل حياته اليومية في كثير من الأحيان.
ومن أشهر الكوابيس بحسب موقع listverse الفرار من خطر يطارد الإنسان، وتساقط الأسنان، إضافة إلى السقوط الذي يعكس قلقاً شديداً يشعر به الحالم، وكذلك رحيل رفيق الحياة في منامه مما يدل على شعوره بالنقص.
كما قد يكون الكابوس بأن يجد الحالم نفسه محبوساً في مكان ما دلالة على وقوعه في مشكلات معينة، وقد يجد النائم نفسه متأخراً عن موعد طائرته أو رحلة ما، وهي تعكس قلقه الشديد من عدم قدرته على أداء مهماته.