كيف تصل بالميزانية الشهرية إلى بر الأمان؟

منذ 1 سنة 194

أوضاع اقتصادية صعبة يعانيها الكثير في عدد من البلدان بفعل ظروف عصيبة وأزمات يمر بها العالم كله تختلف حدتها من دولة لأخرى، ولكنها تؤثر في حياة الناس بدرجة كبيرة، وحتى في أوقات الرخاء فإن تنظيم الميزانية والأمور المالية بشكل عام ينعكس بصورة إيجابية على حياة الفرد والأسرة بفعل وجود خطة تحسن من جودة الحياة ولا تهدر من الموارد المتاحة.

وفي الفترة الأخيرة احتلت الأمور المالية كثيراً من مناقشات الناس، سواء الحقيقية أو الافتراضية، وظهر عديد من الصفحات والمجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي تقدم تصورات وحلولاً لتنظيم الميزانية الشهرية وتقديم أفضل تصور ممكن يساعد الناس على مرور الشهر من دون أزمات كبرى، وأخرى تختص بتقديم أفضل العروض التي تقدمها المتاجر الكبرى والسوبرماركت لمساعدة الناس على الحصول على حاجاتهم بأفضل سعر ممكن.

وإلى جانب ذلك بدأ في العالم العربي، أخيراً، ظهور لفكرة مستشاري الحرية المالية ومتخصصي تنظيم الميزانيات والموارد المالية، وأصبح هناك وجود لكورسات ودورات تدريبية معنية بهذا الشأن تهدف لمساعدة الناس على حسن إدارة دخلهم والحصول على أفضل النتائج من دون أزمات على المستوى القريب والتخطيط المالي على المستوى البعيد لإدارة الحياة بشكل منظم، وبدأت مثل هذه الدورات تلاقي الإقبال من الناس، بخاصة في الظرف الاقتصادي الصعب الذي يحتاج إلى التخطيط وحسن إدارة المصروفات بدرجة كبيرة.

تطبيقات على الهواتف المحمولة

وسائل عديدة أصبح الناس يعتمدون عليها في تنظيمهم الميزانية من بينها وسائل التكنولوجيا الحديثة، مثل التطبيقات المختلفة، ومنها أنواع تتخصص في تسجيل المصروفات وتنظيم الميزانيات، حيث يتم تسجيل جميع بنود الإنفاق، وهي من الحلول التي أصبح كثير من الناس يعتمدون عليها لسهولة استخدامها وعدم احتياجها إلى مهارات كبيرة أو تفاصيل معقدة.

تقول منال، وهي سيدة في الـ34 من عمرها وأم لطفل، "دائماً ما كان هناك خلل في ميزانيتي، وكنت لا أستطيع التحديد أين ذهبت النقود وفيما تم إنفاقها، ونصحتني واحدة من صديقاتي باستخدام واحد من تطبيقات تنظيم الميزانية المنتشرة أخيراً، وبالفعل أصبحت أسجل عليه مصروفاتي بشكل يومي وكل شيء أقوم بإنفاقه، وأحدث هذا فارقاً كبيراً لأنه جعلني أعرف البنود التي تستهلك كثيراً من الأموال لأحاول تقنينها، والبنود التي يمكن الاستغناء عنها بالأساس باعتبارها أشياء غير أساسية، ولكنها تستهلك مبالغ كبيرة من دون داعٍ".

بينما يشير معتز، وهو محاسب في الـ44 وأب لطفلين، "الوضع الاقتصادي أصبح صعباً أخيراً على الناس، والجميع يعاني على اختلاف المستويات، وبالنسبة إلي تكمن المشكلة الأكبر في عدم استقرار الأسعار وتغيرها بشكل كبير، مما يجعل هناك دائماً أزمة وخللاً في الميزانية باعتبار أن المبلغ المرصود لبند معين لا يكفي فنضطر إلى السحب من بند آخر، فيحدث خلل بشكل كبير في باقي الشهر، فعدم استقرار الأسعار في السوق مع الغلاء الشديد أصبح أزمة كل الناس".

ميزانية الأسرة

للتعرف على أفضل طرق تنظيم الميزانية وإدارة الموارد المالية تقول سهير خميس استشاري الإنتاجية والحرية المالية لـ"اندبندنت عربية"، "لتنظيم الميزانية أهمية كبيرة عموماً، وبشكل خاص في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، فوضع ميزانية يحمي من الفوضى المالية، بمعنى هل تكفي النقود مصروفاتي من طعام وملابس ونزهات وخلاف ذلك، فالميزانية هي ما يوجه الأسرة ويجعل الناس يعيشون بشكل مخطط، بعكس ما يفعله كثير من الأسر في المجتمعات العربية، فالميزانية تجعلني أضع عوامل تنظيمية، بمعنى أن مقدار النقود المتاح هو ما سيحركني، وليس الاحتياج، بمعنى أنه متاح لدي مبلغ معين يجب أن أتصرف في إطاره، فلا يصلح أن أقول سأشتري كذا وكذا دون النظر إلى الرقم المتاح، بل العكس الصواب هو القول إن المبلغ المتاح سيمكنني من شراء كذا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتضيف، "هناك نقطة أخرى في غاية الأهمية، وهي هل أحتاج إلى هذا الشيء أم مجرد أرغب في شرائه؟ وهذا السؤال في غاية الأهمية، ويجعلنا ننفق كثيراً جداً من المال في أشياء ليست ضرورية، فعلى سبيل المثال كثير من الناس يمكنهم قضاء فترة الشتاء دون شراء ملابس جديدة، ولديهم كثير من الملابس بحالة ممتازة، ففي هذه الحالة شراء شيء جديد سيكون من باب الرغبة وليس الاحتياج الفعلي، ويمكن أن يوجه لبند آخر".

التسوق وإغراءات العروض

تعد زيارة المولات والسوبرماركت من أهم الأمور التي تستهلك ميزانية الأسرة، بخاصة في حال مشاهدة كثير من العروض والتخفيضات التي تدفع الناس للشراء باعتبار أن هذا سيوفر لهم الأموال، ولكن أحياناً يكون العكس هو الصحيح. فتشير خميس إلى "نقطة أخرى في غاية الأهمية، وهي العروض التي تغري كثيراً من الناس بالشراء من محلات السوبرماركت، وغيرها، فينبغي معرفة متى أقوم بالشراء ومتى يكون الأمر إضاعة للأموال، وليس توفيرها، فالعروض هي جزء من ميزانية الشهر، ويمكن أن يكون الأولى بقاء النقود لشراء الأساسات أو وضعها في بند آخر سيتأثر، وقد تضطر الأسرة إلى السلف أو التقشف، لأن هذا سيقلل من جودة الحياة خلال الشهر، فالسؤال يجب أن يكون ما المتاح معي من النقود، وما هي حاجاتي، ولكن في زيارة السوبرماركت يضع الناس في العربة مناديل ومنظفات وتوابل وأشياء كثيرة من هذا القبيل قبل شراء الأساسات التي سيقوم عليها البيت طوال الشهر ويكتشفون أن الميزانية لا تكفي، ويواجهون أزمات". وتضيف، "ما الفائدة من إهدار ميزانيتي في شراء عروض لمسحوق الغسيل أو المناديل وغيرها تكفي لأشهر وأنا لا أستطيع استكمال مصاريف الشهر؟ يجب العمل أيضاً على شراء الأشياء بالعدد، حتى وإن أمكن في الخضراوات والفواكه، حتى لا يحدث هدر، وفي الوقت ذاته معرفة الاحتياج الفعلي إلى هذا البند، وأيضاً يجب الحفاظ على مواردنا وتخزينها بالشكل المناسب وعدم الإهدار، ويستوي هذا في الظروف العادية والظروف الاقتصادية الصعبة".

الوعي المالي

أخيراً بدأت تنتشر في العالم العربي مفاهيم مثل الوعي المالي واستشارة المتخصصين حول أفضل السبل لتنظيم الميزانية مع انتشار لكورسات ودورات تدريبية حول إدارة الأمور المالية وتنظيم الميزانية للأشخاص بهدف الوصول إلى أفضل وضع ممكن للشخص، وهو يعد توجهاً جديداً نسبياً أخذ في الانتشار في المجتمع العربي. وعنه تقول خميس، "الوعي المالي يعني الوعي بحاجاتي ورغباتي وبالمشتريات التي أحتاج إليها وبفواتيري الثابتة، وأن يكون لدي خطة مالية منتظمة إلى حد ما، وهو يحمي من الفوضى المالية، ويساعد على تجاوز الطوارئ والأزمات، ويجعلنا ننظر إلى الأمور بعين الاحتياج، فمن الممكن الاستغناء عن شراء ملابس جديدة وتوجيه هذه النقود لشراء لابتوب أو أخد كورس يساعدني في تطوير نفسي وزيادة دخلي، أو تقنين الأكل بالخارج وشراء منتجات صحية أكثر فائدة في البيت مثل العسل والمكسرات على سبيل المثال، والتخطيط المالي يبدأ من سؤال (هناكل إيه االنهارده؟) الذي يطرح في كل أسرة، وبناءً عليه يتم التخطيط بحسب المتاح".

وتضيف، "الكورسات واستشارة المتخصصين توجه بدأ ينتشر في العالم العربي، لكن لا يزال ليس بالدرجة الكافية بعكس الغرب، فكثير من الأسر يكون لها مستشار مالي، أو تذهب إلى شخص متخصص لاستشارته في كيفية تنظيم أمورها المالية وكيفية تطويرها، وهذا الفكر أخيراً بدأ في الانتشار حول أمور مثل كيفية زيادة الدخل أو سداد الديون أو كيف يمكن زيادة مصادر الدخل للأسرة، والقراءة عن الحرية المالية والوعي المالي ستكون ذات أهمية كبيرة للناس في المرحلة المقبلة في ظل الظروف الأخيرة التي يعانيها الناس في كل مكان، فهذا أدعى إلى التخلي عن الفوضى المالية ومحاولة تنظيم الأوضاع بأفضل صورة ممكنة، فالتخطيط المالي يحمي من الإنفاق الذي لا داعي له ويساعد على ترشيد الاستهلاك، ويجعل الشخص أكثر هدوءاً".