كيف تحمي الصين شبابها؟

منذ 10 أشهر 137

عادت السلطات الصينية مرة أخرى لتشنّ حملة على شركات الألعاب الإلكترونية، بإطلاقها حزمة جديدة من التشريعات التي تهدف إلى الحد منها. وتسببت هذه الحملة في خسائر هائلة لشركات الألعاب الصينية، بل وتعدتها لشركات أخرى في أميركا وفرنسا من القطاع نفسه. وتعد هذه ثالث حملة تشنها الحكومة الصينية على هذه الشركات، بهدف واحد معلن، وهو الحد من الإدمان على الألعاب الإلكترونية. فهل تستحق هذه المشكلة حملة حكومية كهذه؟ وماذا تستهدف اللوائح الجديدة؟

الألعاب الإلكترونية في الصين مشكلة اجتماعية تفاقمت في السنوات الأخيرة، فعدد الذين يلعبونها بشكل منتظم في الصين بلغ نحو 668 مليون شخص، وهم نصف سكان الصين تقريباً. مما جعل الحكومة تخشى أن ينغمس الشعب في عالم الألعاب الخيالية وتضعف إنتاجيته الواقعية. والحكومة تستهدف تحديداً اللعب المكثف، وهو اللعب لمدة لا تقل عن 4 ساعات يومياً لمدة 6 أيام في الأسبوع، ولذلك فإن معظم اللوائح المطلقة حالياً تُركز على مواجهة الأساليب التي تجعل اللاعبين يقضون وقتاً أطول في اللعب عبر الإنترنت.

وهناك ثلاثة أساليب تقوم بها شركات الألعاب وركزت عليها الحكومة الصينية في لوائحها الجديدة لمواجهتها، الأول مكافأة اللاعبين الذين يلعبون لأيام متتالية طويلة، وهذا الأسلوب يحفز اللاعبين على تسجيل الدخول إلى حساباتهم بشكل يومي طمعاً في الحصول على مكافآت وأرصدة. والثاني مكافأة تُخصص للذين ينفقون أموالهم لأول مرة في اللعبة، ومن المعروف أن بعض اللاعبين يتهيّب الدفع لأول مرة لشراء بعض المميزات في الألعاب، وتجيء هذه المكافآت لكسر هذه الهيبة. أما الثالث فما تتبعه الكثير من الألعاب بإعطاء مكافآت عشوائية للاعبين الذين يقضون ساعات طويلة في اللعب بناء على خوارزميات محددة، وهو ما يجعل اللاعبين يتنافسون لقضاء وقت أطول للحصول على هذه المكافآت.

ولا غرابة بعد إطلاق هذه اللوائح أن تتأثر شركات الألعاب الصينية، ففي يوم واحد، خسرت «تينسنت» نحو 16 في المائة من قيمتها السوقية، وهبطت أسهم «نت إيز» هبوطاً تاريخياً بنسبة 28 في المائة، وانخفضت أسهم «بيلي بيلي» نحو 14 في المائة؛ ليكون مجموع ما خسرته هذه الشركات من قيمتها السوقية في يوم واحد نحو 80 مليار دولار. وقد انتعشت هذه الشركات في السنوات الماضية حتى مع فرض الحكومة الصينية لتشريع في نهاية 2019 بمنع القُصّر من اللعب لأكثر من 3 ساعات في إجازة نهاية الأسبوع والعطلات الرسمية. ولكنها تأثرت كثيراً في أغسطس (آب) 2021 حينما نقصت هذه المدة إلى ساعة واحدة فقط. وأوقفت بعدها تصاريح الألعاب الإلكترونية الجديدة لنحو ثمانية أشهر. ولم تتضح نتائج هذه التشريعات إلا في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، حيث أظهرت دراسة أن 75 في المائة من الشباب أصبحوا يلعبون أقل من 3 ساعات يومياً.

والذي يتضح هنا أن هذه المشكلة لا تنحصر في القُصّر فحسب، بل تمتد إلى البالغين أيضاً الذين أصبحوا ينجذبون شيئاً فشيئاً إلى الألعاب التي تدرس نفسيّة اللاعبين، وتقدم لهم من المميزات والمكافآت التي تضمن وجودهم في اللعبة قدر الإمكان. وهدف هذه الألعاب كما هو هدف وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الترفيه، وهو أن يقضي المستخدم أطول فترة ممكنة على هذه الوسائل الترفيهية. وتُذكر هنا الكلمة المشهورة لأحد المسؤولين في «نت فليكس»، وهو أن أكبر منافس لشركته هو «النوم»!

والحكومة الصينية على الرغم من حرصها على حل هذه المشكلة الاجتماعية، فإنها لا تريد القضاء على تنافسية قطاع بلغت عوائده في النصف الأول من هذا العام أكثر من 20 مليار دولار، ويُشكل لها قوة اقتصادية لا يُستهان بها، كما يعطيها قوة ناعمة تمكّنها من الوصول إلى الشعوب الأخرى. لا سيما في وقت تواجه في الصين خطراً اقتصادياً بانخفاض نموها الاقتصادي، وتواجه فيه موجة أخرى تحاول جاهدة تحجيم مكانتها الدولية. فلذلك وبعد ردود الأفعال السلبية العنيفة بعد إصدار القرار، صرّحت هيئة الإذاعة والتلفزيون الصينية أن جميع المخاوف والآراء ستدرس بعناية وأن اللوائح قابلة للمراجعة والتحسين. وأعطت بعدها تصاريح لأكثر من مائة لعبة جديدة في إشارة منها لقابلية تعديل هذه اللوائح.

واللافت في الأمر، أن الصين لا تريد أن ينغمس شعبها في الألعاب الإلكترونية، ولكنها لا تمانع أن تتوسع أنشطة شركاتها خارج الصين، كما تحاول إبعاد شبابها والقُصر كذلك عن وسائل التواصل الترفيهية مثل «تيك توك»، ولكنها في الوقت نفسه تعلم أن هذه الوسائل قوة اقتصادية وسياسية وثقافية لها. فهي في وجهة نظر البعض تمارس نفاقاً واضحاً، وفي وجهة نظر البعض الآخر جُرحت من سلاحها الذي صنعته، وهي بالتأكيد سياسة مُعلنة لها معانٍ عدة. ولكن الصين وبكل الأحوال، تحاول أن توازن بين الأمرين، وهما المصلحة العامة لشعبها، والمصلحة الاقتصادية لشركاتها.