كوريا الشمالية تأخذ مظهراً جديداً

منذ 1 سنة 144

سيصادف العام المقبل مرور 65 عاماً على بداية حرب الهند الصينية الثانية (عام 1959) التي تحولت إلى هزيمة نكراء للولايات المتحدة بعد أن تدخلت فيها، وأمطرت سكان فيتنام (البعيدين جداً عن الحدود الأميركية، والذين لم يهددوا واشنطن بأي شكل من الأشكال) بقصف همجي. ساعدت 3 دول (هي: الاتحاد السوفياتي، وجمهورية الصين الشعبية، وكوريا الشمالية، أو جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية) الوطنيين الفيتناميين في الدفاع عن حريتهم واستقلالهم وسيادتهم، وفي كفاحهم العادل ضد الولايات المتحدة وعملائها المحليين. في الوقت نفسه، بقي الدور الذي لعبته كوريا الشمالية -حتى وقت قريب- في الظل، على الرغم من أن الخبرة القتالية للكوريين الشماليين الذين خرجوا قبل سنوات قليلة فقط من الحرب الدامية 1950- 1953، التي شارك فيها متطوعون من الصين والسوفيات إلى جانبهم في مواجهة الأميركيين وحلفائهم بشكل مباشر، كانت أمراً مهماً للغاية بالنسبة للفيتناميين. وخلال الاشتباكات في الحرب الكورية، فقد نحو مليونين ونصف مليون كوري شمالي حياتهم، بالإضافة إلى مليون كوري جنوبي. وقُتل 54246 جندياً أميركياً (حسبما ينص عليه النصب التذكاري في العاصمة الأميركية لقدامى المحاربين في الحرب الكورية) وأصيب 103284 جندياً. بالمناسبة، يصادف هذا العام مرور 70 عاماً على انتصار الكوريين الشماليين، بمساعدة الاتحاد السوفياتي والصين، على الأميركيين وحلفائهم.

ومنذ ذلك الحين، تعيش كوريا -المنقسمة نتيجة لهذه الحرب الوحشية إلى دولتين- في ظروف من التوتر المستمر. أما في نظر الغرب الجماعي، فتبدو كوريا الديمقراطية وكأنها بؤرة الشر العالمي، ونظامٌ يضحي برفاهية مواطنيه من أجل العسكرة الجامحة، الأمر الذي يضع شبه الجزيرة الكورية على حافة هاوية نشوب صراع مسلح يهدد بأن يتصاعد إلى صراع نووي عالمي.

يحافظ الغرب على صورة كوريا الشمالية بوصفها منتهكاً خبيثاً للقانون الدولي يهدد الأمن الدولي، الأمر الذي يتم استخدامه ذريعةً لفرض عقوبات عديدة على بيونغ يانغ؛ حيث أُعلنت الحزمة الأولى منها في عام 2006، بعد أول تجربة نووية في كوريا الديمقراطية، أما الثانية فجاءت بعد اختبار جديد أجري في عام 2009.

أود الإشارة إلى أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فرض في وقت لاحق عقوبات على هذا البلد، بعد التفجيرات النووية في عامي 2013 و2016، نظراً لانتهاكها معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية عام 1996، التي لم توقع أو تصدّق عليها كوريا الديمقراطية، على عكس إسرائيل وباكستان والهند اللواتي لم تتم معاقبتهم بأي شكل من الأشكال.

روسيا التي وضعت على ما يبدو الاعتبارات الجيوسياسية في ذلك الوقت (وربما أحكام نظام منع الانتشار النووي) في المقدمة، انضمت وهي مترددة إلى هذه العقوبات، مثل فرض الحظر على توريد عدد من المنتجات إلى جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، بما في ذلك موارد الطاقة والمواد الغذائية الأساسية للسكان. مع ذلك، يبدو أن عصر الانضمام إلى جميع أنواع العقوبات ضد بيونغ يانغ بالنسبة لروسيا قد وصل إلى نهايته. كما تغير موقف الكرملين من البرامج الدفاعية لكوريا الشمالية التي تظهر باستمرار دعمها لسياسة موسكو الخارجية. وتجلى ذلك من خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، للمشاركة في الاحتفال بـ«يوم النصر» في الحرب الكورية؛ وهي الزيارة الأولى لوزير الدفاع الروسي لروسيا الجديدة إلى هذا البلد، والتي جاءت أيضاً إحياء لذكرى كل من ضحوا بأرواحهم في هذه الحرب. عُرضت على الضيف المميز في معرض أسلحة مثير في بيونغ يانغ، أنواع من الأسلحة الحديثة، أذهلت خيال المراقبين والمحللين؛ حيث لم يرها الممثلون الأجانب من قبل، أو حتى لم تكن لديهم أي فكرة عن وجودها في كوريا الديمقراطية. ويكفي تسمية الصواريخ الباليستية العابرة للقارات «هواسونغ- 17» القادرة على ضرب أي هدف في جميع أنحاء الولايات المتحدة. كما أفادت أنباء عن عرض عسكري ليلي مغلق دُعي إليه الوزير الروسي.

بدأت وسائل الإعلام الغربية على الفور في نشر جميع أنواع القصص الخرافية، حول خطط موسكو المزعومة لشراء أسلحة كورية شمالية، والتي يُزعم أن الجيش الروسي يفتقر إليها في العملية الخاصة بأوكرانيا.

غير أنه لدى روسيا ما يكفيها من الأسلحة؛ ومع ذلك فإن المحللين في العاصمة وفي كل مكان أولوا اهتماماً خاصاً لحقيقة أن الصناعة العسكرية لكوريا الديمقراطية -على سبيل المثال- تنتج طلقات من جميع العيارات تقريباً، للأسلحة الخفيفة التي تستخدمها القوات المسلحة الروسية؛ إذ يذكر أندريه أوغلانوف، الصحافي الشهير ورئيس تحرير مجلة «Argumenty Nedeli» الأسبوعية، في مقالته -على سبيل المثال- طلقات البندقية من عيار 7.62، وعيار 5.45 وعيار 12.7 للرشاشات الثقيلة. وكذلك قذائف 23 ملّيمتر لمدافع الطائرات، بالإضافة إلى قذائف 122 ملّيمتر، و152 ملّيمتر المناسبة للمدفعية الروسية. وتنتج جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية راجمات صواريخ على غرار راجمات «Grad» الروسية الشهيرة، وقد تم تحديثها لدرجة أن معدل سرعة إطلاق النار يبلغ ضعف معدل سرعة إطلاق النار في الأصل الروسي.

أما المدفع المقطور من عيار 130 ملّيمتر «M-46»، الذي تم تطويره وإنتاجه في الاتحاد السوفياتي، فقد تم تحديثه للمرة الأولى في الصين؛ حيث أطلق عليه اسم «النموذج- 59»، مما جعل قذائف هذا السلاح تحلّق إلى مسافة أبعد من نظيراتها الروسية الجديدة والمشهورة في السوق العالمية تحت مسمى «Giatsint»، وبالتحديد إلى مسافة 44 كيلومتراً. ومع ذلك، فإن إنتاج «M-46» لم يدم طويلاً في الصين، وهو ما لا يمكن قوله عن كوريا الشمالية؛ حيث لا تزال هناك مخزونات كبيرة من هذه المدافع نفسها، بما في ذلك تلك المنتجة في روسيا، أي في حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي، وكذلك القذائف الخاصة بها.

يستذكر الصحافي ذلك؛ لأنه -وفقاً لخبراء عسكريين- تعتبر المدافع في بعض النواحي سلاحاً ليس له منافس؛ لأنها قادرة على إصابة العدو بشكل فعال عن بعد، حتى عندما يكون الأخير في حالة الحركة.

ويشار في هذا الصدد عادة إلى أنظمة عالية الدقة، تعمل من مسافات أكبر من مثيلاتها من طراز «Himers» الأميركية التي يبلغ مداها 70 كيلومتراً فقط، أو نظيرتها الروسية التي تكون دائماً مطلوبة، وغالباً ما تكون قليلة العرض في السوق، منظومة «Tornado-S». بالإضافة إلى ذلك، تعلم الكوريون الشماليون كيفية صنع راجمات الصواريخ من عيار 300 ملّيمتر، تحت اسم «KN-09»، بمدى يتراوح بين 200 و250 كيلومتراً. فهي من عيار «Tornado-S» نفسه؛ لكنها تتفوق عليها من حيث المدى؛ ذلك أن مدى نظيرتها الروسية يبلغ 120 كيلومتراً فقط. إلا أن الولايات المتحدة -كما يقول الخبراء- لم تبدأ بعد في تزويد أوكرانيا بأنظمة بهذا المدى. كما أن كوريا الديمقراطية تنتج أيضاً صواريخ عالية الدقة قادرة على تعديل مسارها خلال التحليق.

ويمكن أن تكون النظائر الكورية الشمالية لمنظومة «Iskander» المعروفة والقادرة على حمل رؤوس نووية، موضع اهتمام الشركاء الروس أيضاً، والتي تحمل اسم «KN-23»؛ حيث يصل مدى صواريخها إلى 690 كيلومتراً، (بينما يصل مدى صاروخ «Iskander»، وهو أقصر بمقدار مترين من النسخة الكورية الشمالية، إلى 500 كيلومتر فقط، وفقاً لما نصت على ذلك معاهدة الصواريخ النووية متوسطة وقصيرة المدى التي كانت سارية المفعول في الماضي القريب).

يستنتج المراقبون -استناداً إلى حقيقة مشاهدة «KN-23» في كثير من الأحيان في التدريبات العسكرية لكوريا الشمالية- أن هذا السلاح المتقدم للغاية يتم إنتاجه بكميات كبيرة منذ فترة طويلة. وهذا يعني أنه -إذا لزم الأمر- يمكن توفيره للسوق الخارجية.

بالطبع، أمثلة الصفقات المحتملة هي مجرد تكهنات للمحللين؛ حيث لا توجد (ولا يمكن أن تكون موجودة) أي بيانات حول أي عقود في الصحافة المفتوحة، ونحن نتحدث هنا فقط عن إمكانات بيونغ يانغ. هذه الإمكانات الهائلة -كما يتبين من الأمثلة المذكورة أعلاه- تم الاستهانة بها حتى الآن: إما من حيث المبدأ، أو مع الأخذ في الاعتبار عامل العقوبات التي باتت الآن -على خلفية انسحاب الولايات المتحدة من جميع الاتفاقيات تقريباً- لا قيمة لها، أو بالأحرى ليست إلزامية. على أي حال، فإن الموقف تجاه كوريا الديمقراطية وصورتها الدولية آخذ في التغير أيضاً.

وهذا لا يعني الآن الحاجة إلى استخلاص استنتاجات متسرعة، بما في ذلك بخصوص إنشاء تحالف حقيقي بين روسيا والصين وكوريا الشمالية، على غرار التحالف نفسه الذي كان موجوداً خلال الحرب الكورية وحرب الهند الصينية الثانية. أما التعاون التجاري والاقتصادي السلمي بين روسيا وكوريا الشمالية فمن المرجح أن يتطور بسرعة.