كوب 28 فرصة لوضع الخطط الملزمة بخفض انبعاثات غازات الدفيئة

منذ 1 سنة 150

يشهد العالم اليوم ارتفاعًا سريعًا غير مسبوق فى درجات الحرارة نتيجة الأنشطة البشرية، وفى مقدمتها حرق الوقود الأحفورى، وبحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) التابعة للأمم المتحدة، ستستمر درجة حرارة سطح الأرض فى الارتفاع حتى منتصف القرن الحالى على الأقل، وسوف يتجاوز الاحترار العالمى 1.5 درجة مئوية ما لم يخفض العالم انبعاثات غازات الدفيئة فى العقود المقبلة بشكل حاد، ما سيجعل العواقب المناخية أكثر شدة، وهو ما يسعى العالم إلى تجنبه وهو يستعد للمشاركة فى مؤتمر الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28) الذى تستضيفه دولة الإمارات فى نوفمبر المقبل، حيث يرتفع سقف الطموحات لوضع الخطط الملزمة الكفيلة بحماية كوكب الأرض ووقف الاحترار.

ويمكن أن يؤدى تفريغ الأراضى والغابات، إضافة إلى الطاقة والصناعة والزراعة والتخلص من النفايات إلى إطلاق ثانى أكسيد الكربون، كما أن مدافن القمامة تعدّ مصدرًا آخر لانبعاثه، ووصلت تركيزات غازات الدفيئة إلى أعلى مستوياتها منذ مليونى سنة وهى مستمرة فى الارتفاع، ونتيجة لذلك، زادت درجة حرارة الأرض بنحو 1.1 درجة مئوية عما كانت عليه فى القرن التاسع عشر، وكان العقد الماضى هو الأكثر دفئًا على الإطلاق، فما الذى سيحدث للعالم أن تجاوز الاحترار 1.5 درجة مئوية؟

يؤثر تغير المناخ بطرق متنوعة على الصحة والقدرة على زراعة الغذاء والسكن والسلامة والعمل، والبعض أكثر عرضة بالفعل لتأثيرات المناخ، مثل الأشخاص الذين يعيشون فى الدول الجزرية الصغيرة النامية، وقد تطورت بعض الظروف مثل ارتفاع مستوى سطح البحر وتسرب المياه المالحة إلى حد اضطرت معه مجتمعات بأكملها إلى الانتقال، ومن المتوقع فى المستقبل أن يرتفع عدد "لاجئى المناخ"، ولان كوكب الأرض عبارة عن نظام متكامل، وكل الأمور مرتبطة ببعضها بعضًا، حيث تؤثر التغييرات فى منطقة واحدة على التغييرات فى جميع المناطق الأخرى.

وتؤكد تقارير الأمم المتحدة حول المناخ أن كل عقد منذ ثمانينات القرن الماضى كان أكثر دفئًا من العقد السابق، وتشهد جميع مناطق اليابسة تقريبًا المزيد من الأيام الحارة وموجات الحر، وتجعل درجات الحرارة المرتفعة العمل فى الهواء الطلق أكثر صعوبة، وتشتعل حرائق الغابات بسهولة أكبر وتنتشر بسرعة أكبر عندما تكون الأجواء أكثر سخونة. 

فيضانات مدمرة وجفاف 

يؤدى ارتفاع درجات الحرارة، إلى تبخر المزيد من مياه البحار وبالتالى هطول أمطار غزيرة وحدوث فيضانات مدمرة، كما يتأثر تواتر ونطاق العواصف الاستوائية بارتفاع درجة حرارة المحيطات، إذ تشتد الأعاصير والزوابع والأعاصير الاستوائية بوجود المياه الدافئة على سطح المحيط، وغالبًا ما تدمر مثل هذه العواصف المنازل والمجتمعات، وتتسبب فى وفيات وخسائر اقتصادية فادحة.

فى المقابل، يؤدى الاحترار العالمى إلى تفاقم نقص المياه فى المناطق الفقيرة بالمياه، كما يؤدى إلى زيادة مخاطر الجفاف فيما يخص الزراعة، ويؤثر بالتالى على المحاصيل، ويزيد الجفاف من ضعف النظم البيئية، ويمكن أن يثير أيضًا عواصف رملية وترابية مدمرة يمكن أن تنقل مليارات الأطنان من الرمال عبر القارات، كذلك فإن الصحارى آخذة فى التوسع، مما يقلل من مساحة الأرض المتوفرة لزراعة الغذاء، ويواجه الكثير من البشر هذه الأيام خطر عدم الحصول على ما يكفى من المياه بشكل منتظم.

ذوبان الأنهار الجليدية

وفى أبريل الماضى، أكدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة أن الأعوام الثمانية الماضية كانت الأكثر دفئًا على الإطلاق، بينما بلغت تركيزات غازات الدفيئة، مثل ثانى أكسيد الكربون، ذروتها.

وحذرت المنظمة من الذوبان السريع للأنهار الجليدية فى العالم خلال العام الماضى، من دون القدرة على لجم الوضع فى ظل بلوغ مؤشرات تغير المناخ مجددًا مستويات قياسية.

وذكرت المنظمة، أن الجليد البحرى فى القارة القطبية الجنوبية (أنتركتيكا) انخفض إلى أدنى مستوى له على الإطلاق كما سجلت مستويات سطح البحر ارتفاعًا قياسيًا، إذ ارتفعت بمعدل 4,62 مليمتر سنويًا بين العامين 2013 و2022، أى ضعف المعدل الذى كانت عليه بين العامين 1993 و2002.

وكشف تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن متوسط درجة الحرارة العالمية فى عام 2022 كان أعلى بـ1.15 درجة مئوية فوق المعدل للسنوات ما بين عامى 1850 و1900.

ووفق التقرير، شهدت الأنهار الجليدية المرجعية فى العالم، أى تلك التى لها بيانات على المدى الطويل، خسارة فى السماكة بمتوسط يزيد على 1.3 متر بين أكتوبر 2021 وأكتوبر 2022، وهى خسارة أكبر بكثير من المتوسط على مدى العقد الماضى، فيما بلغت الخسائر التراكمية لسماكة الجليد منذ العام 1970 ما يقرب من 30 مترًا.

وحطمت جبال الألب الأوروبية الأرقام القياسية لذوبان الأنهار الجليدية بسبب تضافر عوامل بينها النقص فى تساقط الثلوج خلال الشتاء، وموجة الغبار الصحراوى فى مارس 2022 وموجات الحر بين مايو وأوائل سبتمبر من العام نفسه.

تهديد الحياة البرية والبحرية 

يفقد العالم الأنواع بمعدل أكبر 1000 مرة من أى وقت مضى فى التاريخ البشرى المدون، وهناك مليون نوع من الكائنات الحية معرض لخطر الانقراض خلال العقود القليلة المقبلة، وتعد حرائق الغابات والطقس القاسى والآفات والأمراض الغازية من بين العديد من التهديدات المتعلقة بتغير المناخ، وفى حين أن بعض الأنواع ستكون قادرة على الانتقال والبقاء على قيد الحياة، فإن البعض الآخر لن يتمكن من ذلك.

وتحذر أحدث التقديرات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) من أن أكثر من نصف الأنواع البحرية فى العالم قد تكون على وشك الانقراض بحلول العام 2100، ومع ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.1 درجة مئوية اليوم، فإن ما يقدر بنحو 60% من النظم الإيكولوجية البحرية فى العالم قد تدهورت بالفعل أو يتم استخدامها بشكل غير مستدام، ويهدد الاحترار بمقدار 1.5 درجة مئوية بتدمير 70 إلى 90% من الشعاب المرجانية، وتعنى الزيادة بمقدار درجتين مئويتين خسارة ما يقرب من 100% منها.

ويزيد ارتفاع درجات الحرارة من خطر فقدان النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية بشكل لا رجعة فيه، وتلاحظ اليوم تغيرات واسعة النطاق، بما فى ذلك الأضرار التى لحقت بالشعاب المرجانية وأشجار المانغروف التى تدعم الحياة فى المحيطات، وهجرة الأنواع إلى خطوط العرض والارتفاع العليا حيث يمكن أن تكون المياه فيها أكثر برودة. 

انعدام الأمن الغذائي

تمتص المحيطات نحو 90 % من الحرارة الناتجة عن زيادة الانبعاثات، ومع ارتفاع درجة حرارة المحيطات بشكل غير مسبوق، فإن هذه الظاهرة ستترك تأثيرًا دائمًا على التنوع البيولوجى البحرى وحياة وسبل عيش المجتمعات الساحلية وخارجها، بما فى ذلك نحو 680 مليون شخص يعيشون فى المناطق الساحلية المنخفضة، ويعتمد نحو نصف سكان العالم على الأسماك للحصول على البروتين، ويعمل نحو 60 مليون شخص فى مصايد الأسماك وقطاع تربية الأحياء المائية فى جميع أنحاء العالم.

وتؤكد تقارير الأمم المتحدة بشأن المناخ، بأن الظواهر الجوية المتطرفة من بين الأسباب الكامنة وراء الارتفاع العالمى فى معدلات الجوع وسوء التغذية. إذ قد يتم تدمير مصايد الأسماك والمحاصيل والماشية أو تصبح أقل إنتاجية، ومع ازدياد حمضية المحيطات، أصبحت الموارد البحرية التى تغذى مليارات البشر معرضة للخطر، وقد أدت التغيرات فى الجليد والغطاء الجليدى فى العديد من مناطق القطب الشمالى إلى تعطيل الإمدادات الغذائية من مصادر الرعى والصيد وصيد الأسماك، ويمكن أن يتسبب الإجهاد الحرارى فى تقليل المياه والأراضى العشبية الصالحة للرعى، ما يؤدى إلى انخفاض غلة المحاصيل ويؤثر على الثروة الحيوانية.

مخاطر صحية واضطرابات اجتماعية 

يعتبر تغير المناخ أكبر تهديد صحى يواجه البشرية، من خلال تلوث الهواء، والأمراض، والظواهر الجوية الشديدة، والتهجير القسرى، والضغوط على الصحة العقلية، وبحسب منظمة الأمم المتحدة، تودى العوامل البيئية بحياة نحو 13 مليون شخص كل عام، وتؤدى أنماط الطقس المتغيرة إلى انتشار الأمراض، وتزيد الظواهر الجوية المتطرفة من الوفيات وتجعل من الصعب على أنظمة الرعاية الصحية مواكبة الأمر.

كما يؤدى تغير المناخ إلى اتساع نطاق الفقر، وقد تجرف الفيضانات الأحياء الفقيرة فى المدن وتدمر المنازل وسبل العيش، وفى الفترة من 2010 - 2019 أدت الأحداث المتعلقة بالطقس إلى نزوح ما يقدر بنحو 23.1 مليون شخص فى المتوسط كل عام، ما ترك الكثيرين عرضةً للفقر بشكلٍ أكبر، ويأتى معظم اللاجئين من البلدان الأكثر ضعفًا والأقل استعدادًا للتكيف مع آثار تغير المناخ.

حلول للحفاظ على الاحترار بحدود أقل من 1.5 درجة مئوية 

فى تقرير صدر عام 2018، اتفق آلاف العلماء والمراجعين الحكوميين على أن الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى ما لا يزيد على 1.5 درجة مئوية سيساعد العالم على تجنب أسوأ التأثيرات المناخية والحفاظ على مناخ صالح للعيش، إلا أن المسار الحالى لانبعاثات ثانى أكسيد الكربون يمكن أن يؤدى إلى زيادة درجة الحرارة العالمية بما يصل إلى 4.4 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، بحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية.

وتأتى الانبعاثات التى تسبب تغير المناخ من كل جزء من العالم وتؤثر على الجميع، لكن بعض الدول تنتج أكثر بكثير من غيرها، إذ تولد 100 دولة من الدول الأقل انبعاثًا 3% من إجمالى الانبعاثات فقط، فيما تساهم أكبر 10 دول من حيث الانبعاثات بنسبة 68%.

وذكرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن تحويل أنظمة الطاقة من الوقود الأحفورى إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية سيؤدى إلى تقليل الانبعاثات التى تؤدى إلى تغير المناخ، وقالت "على الرغم من التزام تحالف متزايد من الدول بصافى الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050، إلا أنه يجب أن يتم تنفيذ حوالى نصف تخفيضات الانبعاثات بحلول عام 2030 للحفاظ على الاحترار بحدود أقل من 1.5 درجة مئوية".