حجرات يكسوها ملح صخري بالكامل، روائح اليود تفوح في مختلف الأرجاء، أضواء خافتة تتخللها موسيقى هادئة، مقاعد وأسرّة للاسترخاء والاستشفاء، زائرون يدفنون أجسادهم في أكوام الملح، مشاهد اعتادها غالبية مرتادي كهوف الملح المنتشرة في مناطق سياحية عدة بمصر، ممن يقصدونها من كل حدب وصوب أملاً في التخلص من ضغوط الحياة اليومية والعلاج من بعض الأمراض.
وعلى مدى الأعوام القليلة الماضية لاقت فكرة إنشاء كهوف للملح رواجاً في مصر كونها تمثل أحد روافد السياحة العلاجية التي تشتهر بها بعض المقاصد والمزارات السياحية إلى جانب العيون الساخنة والكبريتية والرمال السوداء.
غير أنه تاريخياً ارتبط الملح الصخري بالمصريين القدماء كطريقة للاستشفاء من الآلام النفسية والجسدية بعدما لاحظوا تحسن الحال الصحية لعمال مناجم الملح، واكتشفوا تأثير مادة اليود في الحالين المزاجية والجسدية.
صعوبات تسويقية
وعلى رغم أن ثمة معوقات وقفت حائلاً أمام جمعة حميدة العقوري، أحد مؤسسي كهوف الملح بمصر، لا سيما في ما يتعلق بمدى تقبل المصريين لتلك الثقافة، فإن ذلك لم يمنعه من خوض تجربة واجهت في بداية أمرها عثرات كبيرة تسويقياً، لكنه، وبحسب حديثه إلى "اندبندنت عربية"، تنبه إلى فكرة إنشاء الكهوف أثناء عمله في مجال السياحة عقب تخرجه في كلية الآثار.
وصمم العقوري كهفاً بمدينة شرم الشيخ، ثم تلا ذلك مع نجاح التجربة إنشاء كهوف أخرى في مناطق سياحية عدة مثل مرسى علم وسيوه والغردقة والأقصر ومرسى مطروح، بل اتسع نطاق الأمر لإنشاء كهوف ملحية خارج البلاد في السعودية والأردن.
وبحسب ما يصف العقوري فإن تسويق الكهوف الملحية كان "أمراً غاية في الصعوبة"، لا سيما مع اصطدامها مع ثقافات عربية ترى في الأمر رفاهية لا بعداً نفسياً وجسدياً يحتاجه الجميع، لكن استغلال زيارات الأجانب المقيمين في مصر وبعض المصريين المقيمين خارجها ممن ارتبطوا بثقافات غربية تتعاطى مع هذا الموضوع كان حلاً بارزاً لنشر الفكرة والتسويق لها، لاستقطاب أعداد كبيرة من الزوار المصريين.
ويعدد العقوري الشروط والمواصفات والتصميمات الهندسية المطلوبة في بناء الكهوف، لافتاً إلى أن الأمر يخضع لدراسات علمية واستخدام أنواع معينة من الملح، وهو الصخري المستخدم في البناء الذي يستخرج من صحراء مصر الغربية، إذ إنه غني بـ 84 مادة من العناصر الطبيعية، أبرزها اليود والصوديوم والكالسيوم والمغنسيوم التي تساعد في تنشيط الدورة الدموية والتخلص من التوتر والضغوط العصبية والسموم وتحسين وصول الدم إلى جميع أعضاء الجسم، علاوة على تخفيف آلام العظام والعضلات وعلاج الأمراض التنفسية والجلدية والصدرية، قائلاً "الأطباء في الخارج ينصحون بزيارة كهوف الملح كونها تعد نوعاً من العلاج التكميلي".
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2012، أعلن اجتماع المجلس التصديري للصناعات التعدينية عن وجود ثروة من الملح الصخري الطبيعي في منخفض القطارة وواحة سيوة تزيد على 15 مليار طن.
أسعار في متناول الجميع
الكهوف الملحية مقصد في متناول مختلف الشرائح والطبقات وتختلف رسوم الدخول من مكان إلى آخر، ويتراوح سعر التذكرة ما بين 100 و200 جنيه (3.24 و6.47 دولار أميركي)، مما يجعل منها مكاناً جاذباً للمصريين والسياح الوافدين من البلدان العربية والأجنبية، كما أن زمن جلسة الاستشفاء والاسترخاء لا تستغرق أكثر من 45 دقيقة.
ويقول العقوري إن "هناك انتشاراً واسعاً للكهوف الملحية في دول الكتلة الشرقية وألمانيا، في حين تعد مصر من أكثر البلدان العربية التي تشهد انتشاراً في تلك الكهوف"، مشيراً إلى أن شركات السياحة المصرية بدأت تسوق لها خلال الآونة الماضية ضمن برامج الاسترخاء والاستشفاء كأحد الدعائم الرئيسة في مجال السياحة العلاجية.
وكان وزير الصحة المصري خالد عبدالغفار أعلن في تصريحات صحافية نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2022 أن مصر تمتلك من مقومات السياحة العلاجية أكثر بكثير من تصنيفها على خريطة السياحة العلاجية العالمية، وتحتل المركز الرابع عربياً و26 عالمياً.
معوقات تعرقل نجاحها
ويتفق مع ذلك المتخصص السياحي ورئيس مؤسسة جمعية السياحة الثقافية هشام إدريس، إذ يقول إن كهوف الملح تسهم في تنشيط السياحة العلاجية في مصر، مشيراً إلى أنه بعد الانتهاء من فترة كورونا أصبح الطلب والإقبال العالمي على السياحة العلاجية متزايداً مما أسهم بدوره في إحداث انتشار واسع لكهوف الملح في بعض البلدان، مثل التشيك والدول الإسكندنافية ومصر.
ويضيف إدريس لـ "اندبندنت عربية" أن مصر تمتلك عدداً من المقومات التي تؤهلها لتكون في المقدمة في مجال السياحة العلاجية، إذ توجد فيها الآبار الكبريتية والرمال السوداء إضافة إلى الكهوف الملحية، إلا أنه يرى أن هناك معوقات عدة تعرقل نشاط الأخيرة، يتمثل أبرزها في غياب التسويق بالشكل الملائم لها علاوة على أنها تعمل في موسم الصيف فقط، وهو ما يعوق نموها وانتشارها بصورة كبيرة.
وعلى رغم المقومات التي تمتلكها مصر فإن المتخصص في الشأن السياحي ورئيس لجنة السياحة العربية السابق بغرفة شركات السياحة محمد ثروت يرى أن مجال السياحة العلاجية متراجع في مصر بصورة واضحة، ولا يسهم سوى بخمسة في المئة من إجمال النشاط السياحي بأكمله، مستشهداً بدولة الأردن التي يصل فيها حجم ما حققته في مجال السياحة العلاجية إلى 15 في المئة.
وأرجع ثروت ذلك إلى أسباب عدة أبرزها تجاهل الاهتمام بالمزارات السياحية العلاجية وعدم توافر البنية التحتية لغالبية المقاصد السياحية المتخصصة في الاستشفاء والعلاج مما جعلها بيئة غير ملائمة لجذب السياح.
والمشكلات التي تعانيها السياحة الصحية فرضت نفسها على طاولة الحكومة المصرية التي خصصت اجتماعاً في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 في محاولة لبحث سبل استهداف عدد من الجنسيات لتقديم الخدمات العلاجية والصحية وإتاحة مزيد من التيسيرات في ما يتعلق بإجراءات الدخول للدولة المصرية، ومطالبة رئيس الوزراء بتعيين مسؤول متفرغ بوزارة الصحة ومتخصص في ذلك الملف.
200 طن من الملح الصخري
وعلى بعد أكثر من 500 كيلومتر يقع كهف ملح سلمان بمحافظة مرسى مطروح شمال غربي مصر، وتقول إيناس حمزة، وهي أحد مسؤولي الكهف، "نستقبل وفوداً من الأجانب والعرب علاوة على المصريين المقيمين في المحافظة ذاتها من راغبي الاسترخاء والاستشفاء"، مشيرة إلى أن هناك نوعين من الجلسات، الأولى تشمل جلسة دفن القدم ويغلب عليها جانب الاسترخاء وتختص بعلاج آلام الركبة والمفاصل، والثانية دفن الجسد بالكامل وهي جلسة علاجية، وهناك أيضاً جلسات الأطفال.
وتضيف أن الكهف يحوي 200 طن من الملح الصخري يستخرج من بحيرات سيناء ويستخدم في علاج كثير من الأمراض ومن بينها الأكزيما والصدفية والجيوب الأنفية وعلاج الغدة الدرقية وهشاشة العظام وتآكل العمود الفقري، مشيرة إلى أن بعض الزائرين يحتاجون إلى جلسة واحدة للاستشفاء وآخرين يحتاجون إلى أكثر من جلسة بحسب حالهم ومدى استجابتهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعبر محمد أشرف (23 سنة) ويعمل موظفاً في إحدى الشركات الحكومية بمحافظة الإسكندرية، بحماسة بالغة عن سعادته بعد خوض تجربة زيارة الكهوف الملحية التي تحمّل في سبيلها عناء الطريق من الإسكندرية إلى محافظة مرسى مطروح شمال غربي البلاد لزيارة كهف ملح، ويقول إنه تصفح عدداً من الإعلانات المنتشرة عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي بدورها تسوق لأهمية طرق الاستشفاء والفوائد الناتجة من العلاج بالملح، مما دفعه إلى خوض التجربة رغبة في التخلص من ضغوط العمل والبعد عن التوتر العصبي وإزالة الرطوبة من الجسد.
ويضيف محمد لـ "اندبندنت عربية" أنه أجرى جلسة "دفن قدم" ساعدته كثيراً في تحسين حاله الصحية، إضافة إلى إضفاء شعور بالراحة النفسية وتفريغ طاقة سلبية بداخله، مؤكداً أنه "متحمس لتكرار التجربة كثيراً".
أخطار محتملة
وعن تأثيرات استخدام الملح الصخري تقول المتخصصة في علم العلاج بالطاقة حنان زينال إن الملح المستخدم في الكهوف له القدرة على تفتيت الذبذبات المنخفضة الناتجة من الأشعة الكهرومغناطيسية داخل الجسم والناجمة عن كثرة استخدام الموبايل والإنترنت والأجهزة الكهربائية التي تشكل بدورها خطورة كبيرة على جسم الإنسان، علاوة على تفريغ الشحنات السلبية والتخفيف من ضغوط وأعباء الحياة اليومية والملوثات السمعية والبصرية.
وتشير زينال خلال حديثها لـ "اندبندنت عربية" إلى أن جلسات دفن الزوار أقدامهم أو أجسامهم تسهم في علاج بعض أمراض العظام والمفاصل والأمراض الجلدية والتنفسية والهضمية، موضحة أنه من المفضل للمواطنين في الظروف الاقتصادية والأعباء المعيشية الحالية أن يلجأوا للبحر أو الصحراء أو المناطق الخضراء لتفريغ الطاقات والشحنات السلبية بدلاً من زيارة الأماكن المصنعة مثل كهوف الملح.
وعددت بعض النصائح التي يجب على أصحاب الكهوف الملحية مراعاتها وأخذها في الاعتبار، أبرزها ضرورة تهوية الملح وتجديده بشكل دوري، إضافة إلى تنفيذ الإجراءات الاحترازية لصيانة الكهوف خشية من تراكم الشحنات السالبة في محيط المكان، "فتغيير الملح وصيانته وتنظيفه وتقليبه إذا لم تحدث بشكل دوري فسيتحول لجانب سلبي وضار ومؤذ على من يستخدمه"، علاوة على أنه يفضل إنشاء الكهوف بجانب ماء جار مثل نهر أو بحر أو وسط صحراء أو في منطقة خلاء، لكي يسهل تنظيفها وتفريغ الشحنات السلبية، وليس ضمن مبان أو مناطق سكنية.