يعد معبد الغريبة المكان الديني الأهم في أفريقيا بالنسبة إلى اليهود، ومنذ أكثر من 200 عام تحج إليه هذه الطائفة من عديد المناطق في العالم لإقامة طقوس دينية واحتفالات "الهيلولة".
وكنيس الغريبة يعد أكبر وأقدم معبد يهودي في تاريخ أفريقيا، يزوره سنوياً عديد من اليهود، وتوجد فيه أقدم نسخة معروفة من التوراة، وفق بعض الروايات اليهودية، وبحسب إحدى هذه الروايات، فإن يهوديةً جاءت إلى جربة التونسية في محافظة مدنين حوالى 500 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس، واستقرت الحال بها في هذه الجزيرة الساحرة، وأسست كنيس الغريبة، وسمي "الغريبة" نسبة إليها باعتبارها غريبة عن المكان وأهله.
ويتوافد اليهود إلى هذا المزار سنوياً من مناطق شتى من العالم في شهر مايو (أيار) من كل عام، من اليوم الـ 33 من تقويم الفصح اليهودي، أغلبهم يأتون من بلدان أوروبية وأيضاً من إسرائيل، إلا أنه بسبب عدم وجود علاقات دبلوماسية بين تونس وإسرائيل، فهم مضطرون لتقديم "رخصة مرور دخولاً وخروجاً" من دون التعامل مع الجوازات الإسرائيلية، حسبما أعلنت وزارة الداخلية التونسية عام 2014.
يتوافد اليهود إلى كنيس الغريبة في جربة التونسية سنوياً من مناطق شتى من العالم (اندبندنت عربية)
خرجة المنارة
ولمعرفة أهم طقوس هذه الزيارة، يقول المسؤول عن هذا المعبد خضير حنا إنه "منذ حوالى 20 عاماً أي منذ 2002، لم يشهد المعبد هذا العدد من الزوار اليهود الذي بلغ 4000 يهودي".
حنا الذي يحرس المعبد منذ 27 عاماً، يوضح أن "اليهود يأتون من أجل ممارسة شعائر دينية ومراسم وطقوس متنوعة يتميز بها يهود تونس ومنطقة شمال أفريقيا واحتفالات (الهيلولة)، وتستمر ليومين".
وتتمثل هذه الطقوس والاحتفالات وفق خضير حنا، في إقامة صلوات وإشعال شموع داخل الكنيس والحصول على "بركة" حاخاماته وذبح المواشي، وطبخ ألذ الأطباق المعروفة لدى يهود تونس وعزف أغان تونسية شعبية والرقص على أنغامها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول مطلعون على التاريخ التونسي، إن يهود تونس تركوا إرثاً ثقافياً كبيراً للتونسيين على غرار بعض الأطباق والأغاني الشعبية التي لا يزال التونسيون يرددونها إلى حد اليوم في حفلاتهم.
ويعيش في جزيرة جربة مئات من اليهود بعد أن هاجر أغلبهم إلى دول أوروبية والبعض الآخر غادر إلى إسرائيل.
ومن الطقوس الأخرى المميزة لهذا الحج أن يكتب زوار المعبد أمانيهم على البيض وتوضع لاحقاً في قبو المعبد قرب "الحجر المقدس" حتى تتحقق، ويرجع الزائر مرة أخرى للشكر.
يكتب زوار المعبد أمانيهم على البيض وتوضع في قبو المعبد حتى تتحقق ويرجع الزائر مرة أخرى للشكر (اندبندنت عربية)
ويتبرك الزائرون بالحاخامات معتبرين أن أداء تلك الطقوس سيعود عليهم بقضاء حوائجهم وتسيير زواج الفتيات وإنجابهن والشفاء من الأمراض وجلب الأرزاق وغيرها من الأماني.
ويواصل حنا الحديث عن طقوسهم قائلاً "خلال هذه الزيارة يقوم الحاخامات بقراءة التوراة، ويحتفل الزوار بشرب نبيذ (البوخا)، المستخرج من ثمار التين، الذي يشتهر بصناعته يهود تونس دون سواهم، كما تشعل الشموع في القاعة المخصصة للصلاة".
وفي آخر ليلة من الزيارة، يقوم الزوار خلال المراسم بإخراج "المنارة"، وخرجة "المنارة" وفق ما فسره رجل الدين اليهودي التونسي خضير حنا، "هي طقوس يتوج بها موسم حج اليهود، وتتمثل في خروج جماعي لليهود من كنيس الغريبة بعربة يثبت فوقها مصباح تقليدي كبير، مغطاة بأقمشة مزركشة وملونة فوقها طبق نحاسي مكسي بالزهور، يقودونه إلى حي الحارة الصغيرة المجاور للكنيس، وهو حي يقطنه يهود جربة، وترفع الأهازيج والأغاني وقراءة الكتب الدينية خلال هذه الخرجة قبل أن يعودوا بها إلى كنيس الغريبة".
يعتبر الزائرون أن أداء تلك الطقوس سيحقق أمانيهم (اندبندنت عربية)
أجواء احتفالية مميزة
يعتقد بعض اليهود بقدسية معبد الغريبة نسبة إلى زعمهم تواجد حجر من هيكل سليمان، يقولون إنه موجود في قبو المعبد منذ نحو 2000 عام.
لكن نجاح موسم حج اليهود بجربة التونسية لم يمر بسلام بعد هجوم وصفته السلطات التونسية بالإجرامي يوم الثلاثاء الماضي، أدى إلى مقتل خمسة أشخاص على رغم الإجراءات الأمنية المشددة التي كانت قد رافقت موسم الزيارة السنوية للكنيس.
لم يخف خضير حنا مخاوفه من عودة تقلص زوار كنيس الغريبة في السنوات المقبلة بسبب هذه الحادثة، التي اعتبر أن الهدف منها ضرب أمن تونس.
وفي السياق ذاته، قال رئيس هيئة تنظيم زيارة الغريبة بيريز الطرابلسي، إثر الحادثة، إن "أجواء احتفالات الغريبة هذه السنة كانت مميزة جداً لم نشهد مثلها منذ 20 عاماً"، مضيفاً في تصريح لوسائل إعلام محلية وأجنبية، "لكن حادثة إطلاق النار أفسدت ما عشناه من فرحة"، ورجح أن يكون "هدف المعتدي التشويش على أمن البلاد وعلى نجاح الزيارة".
ويشار إلى أن الإقبال على هذا المعبد اليهودي تراجع بعد الهجوم الإرهابي عام 2002، عندما فجر تونسي شاحنة صهريج مليئة بغاز الطهي ما أدى إلى مقتل 21 شخصاً، بينهم 14 سائحاً ألمانياً وخمسة تونسيين وفرنسيان، حادثة أدخلت المعبد في حال من الكساد، لكنه استرجع حركته السابقة بعد الزيارة الأخيرة، وهو مؤشر لموسم سياحي ناجح، هذا النجاح جعل البعض يتساءل عن المستفيد من هذا الهجوم لضرب الموسم السياحي في تونس.