السؤال:
السلام عليكم جئتكم وانا متعبة من كل شئ لا أرجو سوا الاجابة على اسئلتى هنا لعل الخلاص يكون بتسخير الله لكم لى. انا كنت فتاة متهورة تحب متعتها فقط و لا تملك ذرة من المسؤولية فكنت لا أصلى لا أعرف بالظبط متى بلغت ولكن قرابة عام كنت بالغة لا أصلى، هدانى الله وانتظمت على الصلاة و لكن لم أعلم أن ترك الصلاة كفر لم يخبرني أحد ولم أفكر بالأمر من وتبت عن ترك الصلاة منذ قرابة سنتين او سنة لا أعلم بالضبط كيف أحسبها ولم أعلم سوا الآن ان تاركها كافر فهل انا كافرة؟ وان كفرت نفسى وقت معرفتى فهل انا كافرة؟
الإجابة:
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فَالحمَدِ الله الذي مَنَّ عليك، ووفقك للتوبة، واللهَ أسألُ أن يثبتنا وإياك على الحق، وهي بشارة خير لك؛ قال الله تعالى: {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ}[الشورى: 13]، فعلق الله الهداية بالإنابة وهي العودة إلى الله، والله تعالى يجتبي عبده إليه يجذبه إليه، وقد يكون ابتداء ذلك قصد العبد وعمله وعبادته ومجاهدة هواه، وقد يمن الله عليه ابتداءً باجتبائه إليه وإنابته إلى مولاه، قال الله تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 16]، فإنابة العبد لربه هو السبب الذي يتوصل به إلى هداية الله تعالى، وانجذاب دواعي قلبه إليه.
أما كون تارك الصلاة كفر فلا يفرق في التوبة؛ لأن الله يغفر الشرك والكفر وجميع المعاصي إذا تابَ صاحبُه، واستغفَر وأصلحَ، فإن من سَعةِ فضْلِ اللهِ تعالى، ورحمته ولُطفه بعباده، وبِرِّه ورَأفتِه بخَلْقِه، أنَّه يقبل توبة كل من تاب إليه توبة صحيحة، ويعفو عنه؛ فهو سبحانه وتعالى غافر الذنب، قابل التوب، شديد العقاب، ومهما عظم والذنب وقبح الكفر وغلظ الشرك، فإن التوبة تمحو ذلك جميعًا، والله سبحانه وتعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب، ولم يستثنى من هذا إلا من تاب بعدما رأى ملك الموت؛ قال الله تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 135، 136]، وقوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48]، وقوله: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 119]، وقوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا* وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان: 70، 71]، وقوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]، وقوله:{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْ} [مريم: 60]. تعالى:{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]، فكل من تاب لله توبة نصوحًا، واجتمعت فيه شروط التوبة من الإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم معاودته، والندم على فعله:- فإنه يقطع بقبول توبته تفضلاً من الله ورحمة؛ لأن المغفرة من وعد الله والله لا يخلف الميعاد؛ قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ}[الشورى:25].
والله – سبحانه - يَهدي سُبُل السلام، ويُخرج من الظُّلمات، ويهدي إلى صراطِه المستقيم في الدّنيا والآخِرة - كلَّ مَن سلك سبيل الهُدى وسار فيه، فيُعينُه – سبحانه - على الهُدى؛ كما قال عزَّ وجلَّ: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، وقال: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} [الرعد: 27]، فيقضي سبحانه بالهدى لكل من رجع إليه.
والواجب على العبد أن يَحسن الظن بالله؛ روى الترمذي عن أنسِ بْنِ مالكٍ قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((قال اللهُ تبارك وتعالى: يا ابْنَ آدَمَ إنَّك ما دَعَوْتَني ورَجَوْتَنِي غفرتُ لك على ما كان فيكَ ولا أُبالي، يا ابنَ آدَمَ لو بلغتْ ذُنُوبُك عَنانَ السَّماء ثمَّ اسْتَغْفرتَنِي غفرتُ لك ولا أبالي، يا ابْنَ آدَمَ إنَّك لو أتيتَنِي بقراب الأرْضِ خطايا ثُمَّ لقيتَنِي لا تُشْرِكُ بي شيئًا لأتيتُك بقرابِها مغفرة))
وقال أبو العباس القرطبي في كتابه "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (17/ 10): "والذي أقوله: أن من استقرأ الشريعة قرآنا وسنة وتتبع ما فيهما من هذا المعنى علم على القطع واليقين أن الله تعالى يقبل توبة الصادقين". اهـ.
وقال الإمام ابن رجب الحنبلي في تفسيره (1/ 565-567): "ظاهر هذه النصوص يدل على أن من تاب إلى الله توبة نصوحا، واجتمعت شروط التوبة في حقه، فإنه يقطع بقبول الله توبته، كما يقطع، بقبول إسلام الكافر إذا أسلم إسلاما صحيحا، وهذا قول الجمهور، وكلام ابن عبد البر يدل على أنه إجماع". اهـ.
وجاء في "الدرر السنية في الأجوبة النجدية" (7/ 522): "فتقبل التوبة من كل ذنب لتائب منه من غير استثناء شيء من الذنوب، كما دل على ذلك القرآن والحديث، وبهذا قال أكثر أهل العلم، ما لم يعاين التائب الملَك، وقيل: ما دام مكلفاً; وقيل ما لم يغرغر - أي تبلغ روحه حلقومه -.
وقبول التوبة فضل من الله تعالى غير واجب عليه عند أهل السنة؛ فلو عذب العبدَ على ذنبه لم يكن ظالماً له ولو قدر أنه تاب منه، ولكنه أوجب على نفسه بمقتضى فضله ورحمته أنه لا يعذب من تاب، وقد كتب على نفسه الرحمة، فلا يسع العباد إلا رحمته وعفوه، ولا يبلغ عمل أحد منهم أن ينجو به من النار، أو يدخل به الجنة.
وإذا قبلت توبة العبد، غفر ذنبه الذي تاب منه؛ والمغفرة وقاية شر الذنوب مع سترها، ومن غفرت ذنوبه بالتوبة أو غيرها من مقضيات المغفرة، فهو غير آثم، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وكل من كان غير آثم فهو غير معاقب، لا في القبر، ولا في الآخرة".اهـ.
إذا تقرر فلا يجب عليك قضاء الصلوات التي تركتها، واستعيني بالله ولا تعجزين واحذري وسوسة الشيطان؛ وكوني على ثقة أن الاعتبار بكمال النهاية، لا بنقص البداية؛ والأعمال بخواتيمها،، والله أعلم.