"كعك العيد"... "سلعة ترفيهية" في مصر

منذ 1 سنة 139

مع الأيام الأخيرة لشهر رمضان، يمارس المصريون طقسهم المعتاد من كل عام، وهو شراء وصناعة كعك، لكن في العام الحالي تشهد أسعار الكعك ارتفاعاً غير مسبوق، مقارنة بالأعوام السابقة، وهوما يؤثر في القوة الشرائية للمصريين، ولا سبيل إلا تخفيض الكمية أو مقاطعتها في أحيان أخرى.
وبحسب ما رصدته "اندبندنت عربية" في جولتها على عدد من المحال التجارية المتخصصة في بيع الحلويات وكعك العيد فقد سجلت أسعار الكعك 170 جنيهاً (5.5 دولار أميركي) للكيلوغرام من الكعك السادة أو المحشو بالملبن أو العجمية (سمسم وعسل وعين جمل مجروش)، فيما بلغ سعر الكيلوغرام من الكعك المحشو بعين الجمل 230 جنيهاً (7.44 دولار أميركي)، أما الكعك بالبندق فبلغ سعر الكيلوغرام منه 350 جنيهاً (11.33 دولار أميركي).
من جانبها وفي محاولة لكبح تلك الزيادة، طرحت وزارة التموين والتجارة المصرية كميات من الكعك في المنافذ التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية ‏والمجمعات الاستهلاكية، بأسعار مخفضة تصل إلى 25 في المئة، مع توفير الأنواع كافة من خلال شركات "النيل للمجمعات ‏الاستهلاكية"، ومطاحن ومخابز شمال القاهرة، والشركة العامة لمخابز ‏القاهرة الكبرى.

فرحة مسروقة

يقول محمد علي، محاسب في وزارة التموين سابقاً، "كنت في جولة ببعض محال الحلويات وشعرت بالصدمة عندما شاهدت علبة كعك زنة ثلاثة كيلوغرامات مدون عليها 1699 جنيهاً تقريباً (55 دولاراً أميركياً)، ووجدت أسعاراً لا تناسب سوى الأثرياء والقادرين فقط"، مؤكداً أن "ارتفاع أسعار كعك العيد غير مبرر".

ويتابع، زوجتي لجأت إلى إعداد كمية بسيطة من الكعك بالاشتراك مع أقاربها في مدينة المحلة الكبرى (شمال القاهرة)، فلدينا التزامات يومية أهم من شراء الكعك هذا العام".
ويضيف محمد سلامة، وهو موظف في شركة خاصة، "ضعف الرقابة من جانب الحكومة وعدم السيطرة على الأسواق وراء كل ما نعانيه، فأسعار السلع والمواد الغذائية خارج حدود إمكاناتنا"، مشيراً إلى أن "هناك بعض الأماكن التي توفر منتجاً مثل كعك العيد بسعر مخفض، لكن على حساب الجودة". ولفت إلى أن "الخامات الجيدة تكون أسعارها أعلى، أما الرديئة أو متوسطة الجودة التي تناسب غير القادرين، فهي ذات جودة ضعيفة جداً"، موضحاً أنه قرر تخفيض كمية الكعك التي كان يشتريها كل عام إلى النصف تقريباً، لتصبح كيلوغرامين بدلاً من أربعة كيلوغرامات، بما لا يحرم أطفاله من سلعة تعودوا عليها في عيد الفطر.

سلعة رفاهية

وفي رأي الباحث الاقتصادي أحمد خزيم، فإن "أسعار كعك العيد يسري عليها ما يسري على بقية السلع في مصر من زيادات سعرية كبيرة، وهي تشكل بداية حالة من الركود بسبب نقص السيولة وتراجع قيمة الجنيه". وأشار خزيم في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إلى أن "كعك العيد أصبح من الرفاهيات وتحول من طقس يكمل فرحة المصريين بعيد الفطر إلى سلعة ترفيهية مقتصرة على القادرين مادياً فقط، إذ إن كل أسعار مكونات الكعك سواء الدقيق أو السكر أو السمن ارتفعت، في انعكاس للأزمة الاقتصادية التي يعيشها المصريون بشكل عام، فقد وصلت الأزمة إلى كعك العيد".
وشهدت مستلزمات صناعة كعك العيد ارتفاعاً فسعر السكر ارتفع إلى 22 جنيهاً (0.712 سنت أميركي) مقابل 11 جنيهاً (0.356 سنت أميركي) العام الماضي، في حين ارتفع سعر الدقيق إلى 15 و18 جنيهاً (0.583 سنت أميركي) للكيلوغرام مقابل ثمانية جنيهات (0.259 سنت أميركي) العام الماضي، مشيراً إلى أن المنتجين كافة يحاولون طرح منتجات العيد بأسعار منافسة منعاً لتراكمها في المحال ولكسر حال الركود في ظل تراجع القوة الشرائية للمواطنين.
وبحسب الإحصاءات الرسمية في مصر، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، استمرار ارتفاع نسب التضخم لتسجل 32.7 في المئة في مارس (آذار) 2023 على أساس سنوي من 31.9 في المئة في فبراير (شباط) الماضي، ليقترب التضخم من أعلى مستوياته على الإطلاق التي سجلها في يوليو (تموز) 2017، التي بلغت حينها 32.95 في المئة.
وأرجع جهاز الإحصاء المصري أسباب ارتفاع التضخم إلى زيادة أسعار الطعام والمشروبات بنحو 62.9 في المئة على أساس سنوي في فبراير الماضي، فيما أعلن البنك المركزي المصري أن التطورات الأخيرة للتضخم أظهرت ارتفاعاً واسع النطاق في بنود الأرقام القياسية لأسعار المستهلكين، وهو ما يتطلب مزيداً من التقييد النقدي للسيطرة على التوقعات التضخمية للأسعار.
من جانبه، قال صلاح العبد، رئيس شعبة الحلويات بغرفة القاهرة التجارية، مالك سلسلة متاجر شهيرة لبيع الحلويات، إن "أسعار منتجات العيد من الكعك والبسكويت والغريبة تشهد ارتفاعاً بنحو 25 إلى 30 في المئة خلال الموسم الجاري، مقارنةً بموسم العام الماضي"، مرجعاً ذلك الارتفاع إلى "الزيادة الكبيرة في أسعار الخامات سواء الزيت أو الدقيق أو السكر".

دعم حكومي

وطرحت وزارة التموين المصرية كميات من الكعك في المنافذ التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية ‏والمجمعات الاستهلاكية، مشيرةً إلى أن "‏تخفيضات الأسعار تصل إلى 25 في المئة، مع توفير كل الأنواع من خلال شركات النيل للمجمعات ‏الاستهلاكية، ومطاحن ومخابز شمال القاهرة، والشركة العامة لمخابز ‏القاهرة الكبرى".

وأكدت الوزارة طرح كيلوغرام الكعك السادة وكذلك ‏الملبن بسعر 120 جنيهاً (3.88 دولار أميركي)، وكعك المكسرات بـ 170 جنيهاً (5.5 دولار أميركي) للكيلوغرام، وكيلوغرام ‏البسكويت النشادر بـ 110 جنيهات (3.56 دولار أميركي).
في السياق ذاته، أكد رئيس شعبة الصناعات الغذائية بالغرفة التجارية، هشام الدجوي، أن "أسعار كعك العيد الذي طرحته الغرفة في الشوادر التابعة لها مقبولة وتناسب القدرة المالية للسواد الأعظم من المواطنين".
وصرح لـ"اندبندنت عربية" إلى أن "هناك منافذ للبيع تابعة للقوات المسلحة ولوزارة الداخلية وجميعها تطرح كعك العيد بأسعار ما بين 100 إلى 120 جنيهاً"، لافتاً إلى أن "أسعار المحال التجارية مبالغ فيها".
وأكد الدجوي أن "هناك إقبالاً كبيراً من المواطنين على الشراء من الشوادر التابعة للغرفة التجارية"، لافتاً إلى أن "بعض حالات التزاحم في الشوادر سببها رغبة البعض في الحصول على كميات كبيرة للاستفادة من السعر المنخفض لهذه السلع".
وقال الباحث الاقتصادي، خالد الشافعي، إن "كل الخامات التي هي مدخلات أساسية لصناعة الكعك ارتفعت أسعارها، فالدقيق والسكر والزيوت والسمن جميعها تضاعفت أسعارها بالتالي فإن زيادة أسعار الكعك أمر طبيعي، لكن الغريب أن أسعار القمح والزيوت تراجعت أخيراً في كل دول العالم، إلا مصر، التي لا تزال الأسعار فيها مرتفعة دون مبرر واضح سوى ضعف الرقابة وغياب المنظومة التي تجبر التاجر على تخفيض سعره بالتوازي مع الانخفاض العالمي في الأسعار".

وأشار الشافعي إلى أن "التجار في مصر يتلاعبون بالأسعار كيفما يشاؤون دون رادع قانوني، وذلك يتكرر في السلع كافة، بغض النظر عن مدى الاكتفاء الذاتي المحلي من هذه السلعة أو تلك".
ورجح خالد الشافعي أن تتراوح الزيادة في أسعار الكعك هذا العام ما بين 60 و70 في المئة، مستبعداً إمكان انخفاض الأسعار خلال الفترة المقبلة "ما لم تتحرك الحكومة لضبط السوق والسيطرة على جشع التجار".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


رأي التجار

كذلك أكد مدير محل حلويات في وسط القاهرة، أن أسعار الكعك هذا العام "مرتفعة بسبب الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وأن الخامات كافة، الخاصة بصناعة الحلويات زادت بنسب تجاوزت 100 في المئة وفي مقدمتها الدقيق والسكر والمسلي الصناعي، "ناهيك عن ارتفاع أسعار الكرتون ومواد التغليف وجميعها زيادات سعرية يتحملها المشتري". وأشار إلى أن "بعض التجار يقدمون كعكاً بجودة مقبولة للتغلب على زيادة الأسعار ولتخفيف الضغط المادي على الزبائن، بدل تقديم منتج بجودة عالية وبسعر مرتفع لا يناسب السواد الأعظم من المواطنين"، مضيفاً أنه "لا يجب تحميلهم فاتورة الغلاء فهم مواطنون في النهاية يكتوون بالنار ذاتها في سلع يبيعها تجار آخرون".

كعك بالتقسيط

في مايو (أيار) 2020، طرحت بعض البنوك المصرية مبادرة لا تزال سارية لبيع كعك العيد بالتقسيط تماشياً مع الظروف الاقتصادية التي تعيشها البلاد وتراجع قدرة المواطنين الشرائية، إذ انتشرت تلك المبادرات وسط ترحيب البعض واستهجان آخرين، وانضمت أخيراً شركات تمويل استهلاكي إلى تلك المبادرة معلنةً عن إمكان استفادة المواطنين من تقسيط قيمة كعك العيد على مدى أشهر عدة من دون فوائد.
وتتلخص الفكرة في تقسيط قيمة الكعك على فترة تمتد من ثلاثة إلى ستة أشهر من دون فوائد، مع وضع حد أدنى لمبلغ الشراء بحيث لا يقل عن 500 جنيه (16.18 دولار)، إذ أتاحت بنوك حكومية وأخرى استثمارية، أن يتوجه من يرغب في الشراء بالتقسيط إلى أحد محال الحلويات التي تتوفر فيها خدمات السداد بالبطاقات الائتمانية مع البنك، والدفع باستخدام كارت الائتمان، وتقسيط المبلغ مع البنك التابع له، أو التقدم بطلب تقسيط للبنك مباشرة.
ويقول الباحث المصرفي محمد سمير تعليقاً على هذه المبادرات، إن "دور تقسيط السلع والمواد الغذائية منوط به شركات التمويل الاستهلاكي التي يمكنها تمويل سلعة ولو كان سعرها جنيهاً واحداً، وليس البنوك، فالملاءة المالية للبنوك لا تتناسب مع هذه السلع"، لافتاً إلى أن قيام البنوك بتقسيط كعك العيد "رسالة سلبية" عن الحالة الاقتصادية في مصر، لافتاً إلى أن "تمويل البنوك يكون للسلع الأهم مثل السيارات وخلافه وليس كعك العيد".

وينفي رئيس شعبة الصناعات الغذائية بالغرفة التجارية، هشام الدجوي، تقسيط البنوك شراء كعك العيد، مؤكداً أنه "أمر غير صحيح ويقلل من شأن المواطن". ولفت إلى أنه على رغم الظروف الاقتصادية الصعبة فإن الأمور "لن تصل إلى حد الاقتراض لشراء اثنين كيلوغرام من الكعك، وأن تلك المبادرات هي أمور استفزازية".
وعن عروض التقسيط تلك، يرى الباحث الاقتصادي أحمد خزيم، أنها "دعوة استهلاكية ستسهم في اتساع الأزمة، فعروض التقسيط فخ جرى استدراج الشعوب كافة للوقوع فيه وهو ما سيؤثر مستقبلاً في كل أسرة استدانت لشراء اللحوم أو كعك العيد وغيرها. رب الأسرة لو سقط في فخ التقسيط فلن يستطيع الوفاء ببقية التزاماته، بالتالي هذا العبء الاقتصادي على كاهله يجعل فكرة شراء كعك العيد في نهاية سلم الأولويات".