لطالما كانت كرة قدم السيدات في منطقة الشرق الأوسط في نهاية قائمة الأولويات الرياضية، رغم الهوس باللعبة بنسختها الرجالية، واستضافة كأس العالم لأول مرة هذا العام في المنطقة، في قطر بالتحديد.
يرجع البعض تعثر اللعبة بالنسبة للسيدات إلى نقص التمويل والتقاليد المحافظة، كالقناعة بأن الفتيات لم يخلقن لممارسة الرياضة أو أن الزي الرسمي للعبة (السراويل القصيرة) يخالف قواعد الاحتشام.
إلا أن الوضع لا يبدو متشابهاً في كل مكان، إذ هناك بعض الدول في المنطقة التي باتت تشهد زخماً فيما يتعلق بهذه الرياضة، حيث يعتمد ذلك على بشكل أساسي على مدى نشاط الترويج الحكومي للرياضة النسائية.
الأردن.. رائد الرياضة النسائية في المنطقة
مع أخذ ما سبق في الحسبان يعتبر الأردن رائداً في المجال مع احتضانه أحد أكثر الفرق الوطنية نجاحاً في المنطقة، وإقامته شبكة من البطولات الشابة والمدرسية للفتيات.
سارة أسيمرين لاعبة كرة قدم تبلغ من العمر 13 عاماً، تتلقى دعماً كبيراً من أسرتها هي وأختها الصغرى التي تلعب كرة القدم أيضاً، رغم اعتراض بعض أعمامها. يعمل والد سارة مدرب كرة قدم في أكاديمية خاصة في العاصمة الأردنية عمان.
أما مسار العثامنة، البالغة من العمر 20 عاماً والتي تلعب ضمن فريق السيدات في نادي عمان الأرثوذكسي، فتمارس رياضة كرة القدم منذ أن كانت في سن 12 أو 13 عاماً. وقد اعتادت أن تلعب مع شقيقها والأولاد في الملاعب في حيّها وتشاهد البطولات الأوروبية على الشاشة. وتعتبر البرتغالي كريستيانو رونالدو مثلها الأعلى.
تأمل مسار أن تلعب يوماً ما مع المنتخب الأردني في المباريات الدولية، وتقر بوجود بعض الصعوبات مثل اعتبار اللعبة لعبة للذكور فقط أو الاعتراضات على ارتداء السراويل القصيرة، لكنها ترى أن الوضع يتحسن تدريجياً مع مرور الوقت.
يقول المحلل الرياضي عوني فريج إن الاتحاد الأردني لكرة القدم يقدم الدعم المالي للأندية لتشكيل فرق سيدات، مما دفع حتى بعض الأندية المحافظة لاتخاذ الخطوة نفسها. ويلفت فريج إلى أن التمويل هو المشكلة الأكبر، فالأندية تتعامل مع الفرق النسائية التي لا تدرّ دخلاً "كنوع من الرفاهية".
بطولات دولية وإقليمية في المنطقة.. باب أمل
كذلك باتت دول أخرى تقوم بمحاولات جديدة. الشهر الماضي، أقيمت المباريات الأولى من الدوري الإنجليزي الممتاز الجديد للسيدات في المملكة العربية السعودية، حيث لم يكن يُسمح للسيدات فيها حضور مباريات كرة القدم قبل عام 2017. ولعب المنتخب السعودي للسيدات ضد فرق دولية لأول مرة هذا العام.
كذلك أتاحت البطولات التي أطلقت حديثاً للفرق النسائية فرصاً للتنافس دولياً. ويأمل مؤيدو هذه المبادرات أن تشجع على إنشاء المزيد من الفرق.
أقامت كل من الاتحادات الآسيوية والاتحادات الأصغر في غرب آسيا بطولاتها الأولى للأندية النسائية في عام 2019. وافتتح الاتحاد الأفريقي بطولة الأندية النسائية العام الماضي في القاهرة، في حين تقام مباريات بطولة هذا العام في المغرب، حيث ستحصل الفرقة الفائزة على جائزة قدرها 400 ألف دولار. وتبقى هذه الجائزة أقل بكثير من جائزة الـ 2.5 مليون دولار التي يحصل عليها منتخب الرجال الفائز.
مصر .. إملاءات المجتمع مقابل شروط الرياضة
في مصر يظهر التباين الصارخ بين الرياضة الرجالية والنسائية. فالفرق الرجالية الكبرى هي الفرق الثرية والتي تفوز بالبطولات الإقليمية بانتظام، بينما تتدهور كرة القدم النسائية على الرغم من الجهود المتكررة لإحيائها. هناك فريق واحد، يفوز بمعظم مسابقات السيدات، هو وادي دجلة.
كما تواجه المرأة المصرية ردود فعل شعبية عنيفة. ففي عام 2020، قوبل فوز المنتخب الوطني للسيدات تحت 20 عاماً على لبنان بوابل من عبارات التحرش الجنسي على وسائل التواصل الاجتماعي، مع تعليقات فاضحة وسخرية من الفتيات اللاتي وفقاً للتعليقات لا يجب أن يلعبن كرة القدم.
لكن ما كان مقلقاً أكثر هو رد فعل المسؤولين في البلاد؛ علقوا المباريات القادمة وطردوا الجهاز الفني للفريق، ما أثار مخاوف من حل الفريق بأكمله. إثر ما حدث ظهرت اللاعبات في برامج حوارية تلفزيونية وتحدثن من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فنجا الفريق من الحل.
في ظل كل هذه الصعوبات يعول البعض على الضغط الخارجي الذي قد يعطي المرأة المصرية دفعة في الرياضة. فمثلاً سيطلب دوري أبطال إفريقيا من الأندية المشاركة في بطولة الرجال أن يكون لديها أيضاً فرقاً نسائية.
بين السياسة والاقتصاد والمجتمع
تلعب السياسة إضافة إلى المعارضة الاجتماعية دوراً كبيراً في اللعبة النسائية، ويظهر هذا جلياً في الفروقات بين المناطق المختلفة. على سبيل المثال، تنشط كرة القدم النسائية نسبياً بين في الضفة الغربية، إلا أنها غير موجودة فعلياً في قطاع غزة.
سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة محافظون بشكل عام. ولا تمنح حركة حماس المسيطرة على القطاع مساحة كبيرة لحريات المرأة، كما أن اقتصاد القطاع مصاب بالشلل بسبب الحصار الإسرائيلي، لذلك، فليس هناك سوى القليل لإنفاقه على ما يعتبر أنشطة ترفيهية.
أحد الفرق الرياضية النسائية القليلة في غزة هو فريق بيت حانون الأهلي للشباب، حيث تلعب 20 فتاة كرة القدم وكرة السلة. يرتدين القمصان طويلة الأكمام والسراويل الطويلة عوضاً عن السراويل القصيرة. تقول مها شبات، مديرة الفريق، إن البنات بمجرد بلوغهن 17 عاماً، يتوقفن عن اللعب للزواج غالباً، وتضيف أن لا دعم للرياضة النسائية في قطاع غزة.
أما راما عاشور، وهي لاعبة في فريق كرة القدم تبلغ من العمر 14 عاماً، فتأمل أن تستمر في اللعب بل وحتى اللعب في فريق وطني، وتحاول التفكير بإيجابية بالقيود المجتمعية والنظر إلى النقد كدافع للمضي قدماً وتحدي الجميع.
في حين ترى هالة قاسم أن حلمها بأن تصبح لاعبة محترفة في هذا المجتمع مستحيل.
أفغانستان .. حلم الرياضة المستحيل
بعيداً عن المنطقة، في أفغانستان، كانت الانتكاسة الأكبر لكرة القدم النسائية مع استيلاء طالبان على الحكم.
هربت المئات من الرياضيات. أجلت أستراليا لاعبات المنتخب الوطني للسيدات، وضمت البرتغال فريق الفتيات، بينما تم نقل فريق تطوير الشباب إلى بريطانيا.
كانت صابرة أكبر زاده تلعب ضمن فريق كرة القدم للفتيات في مدرستها الثانوية. الآن لا تستطيع الفتاة البالغة من العمر 17 عاماً اللعب أو الذهاب إلى المدرسة في ظل حكم طالبان، وفقدت الاتصال بمعظم زملائها في الفريق. تقول صابرة إنها كانت تحلم بالوصول إلى المنتخب الأفغاني لكنها حلمها سيبقى مجرد حلم.
لكن هناك من لم يفقد الأمل كالكابتن خالد بوبال، الكابتن السابق للمنتخب الوطني الأفغاني للسيدات والموجود الآن في الدنمارك. يحاول خالد إبقاء هذه الرياضة حية حيث يعمل على إخراج لاعبات الفريق ممن أعمارهن أقل من 15 عاماً اللاتي ما يزلن في أفغانستان، يقول خالد: "أشعر بقلق شديد وأسف شديد على النساء، الشابات اللواتي يرغبن في الاستقلال.. لا أعتقد أن النساء سوف يمارسن الرياضة مرة أخرى في أفغانستان".