نسر ذكي يعرف من أين تؤكل الكتف ليصطاد خصومه، متمرس في أدغال إفريقيا جيدا لكن مع موعد الهجرة العالمية كل أربع سنوات يتيه ويسقط.
هذه باختصار قصة نسر قرطاج، أو بالأدق قصة منتخب تونس بين إفريقيا وكأس العالم.
قصة في بدايتها إشراق وتفاؤل وختامها لا يكون مسك.
تضم قارة إفريقيا 54 دولة، 13 بينهم فقط حظوا بشرف التأهل والمشاركة في كأس العالم.
ومن بين الـ13 هناك دول شاركت في المونديال العريق أكثر من أربع مرات وهم الكاميرون والمغرب ونيجيريا وتونس.
الكاميرون وحدها تملك سبع مشاركات، والبقية أربع مشاركات.
ومن بين تلك الدول المذكورة كل منهم له مشاركة في الدور الثاني من كأس العالم مرة واحدة على الأقل.
لكن في المقابل فإن منتخب تونس الوحيد الذي لا يملك أي ظهور ف الدور الثاني من كأس العالم أبدا.
غانا في ثلاث مشاركات تأهلت للدور الثاني مرتين، نيجيريا تأهلت ثلاث مرات من أصل خمسة.
ما يدلل على وجود مشكلة حقيقية لدى تونس في المونديال فهي أن المنتخب القادم من إشمال إفريقيا لم يحقق في تاريخه سوى انتصارين فقط بالبطولة.
وبين الانتصار الأول والثاني اضطر منتخب تونس للانتظار 40 عاما كي يحقق فوز جديد له في المونديال.
فهل هي لعدم جودة اللاعبين؟ بالتأكيد لا وإلا فكيف تتأهل تونس دائما للمونديال وفي القرن الحالي هي لم تغب عنه سوى مرتين فقط في 2010 و2014؟ وإلا فهل هم محظوظين في التصفيات؟
هل هي أزمة إعداد؟ هل هو تخبط إداري وكثرة تغيير في الأجهزة الفنية؟
ربما ولا أجزم إن هذا هو الجواب الصحيح عدم وجود تخطيط صحيح جيد، كيف؟
إن نظرنا لقائمة مدربين تونس منذ بداية الألفية الحالية فنسور قرطاج خلال 22 سنة تناوب على تدريبهم 16 مدربا مختلفا، نعم 16.
أي أن المدرب لا يتواجد في منصبه لأكثر من سنة وبضعة أشهر فقط.
المدرب الوحيد الذي استمر في منصبه لأكثر من ثلاثة أعوام هو الفرنسي روجيه لومير والنتيجة كانت قيادة للمنتخب التونسي للفوز بكأس أمم إفريقيا 2004 للمرة الأولى في تاريخه.
أما البقية فهم ما بين عام واثنين ربما عدا سامي الطرابلسي الذي تواجد من 2010 لـ2013.
في المقابل فلاعبو تونس هم من الترجي والنجم الساحلي والصفاقسي إلى آخره الذين يعرفون كيفية التفوق في إفريقيا وهم متمرسين للغاية داخل القارة.
ربما يحدث لهم أزمة في كأس العالم لعدم الاحتكاك مع نظرائهم، ربما لعدم احتراف الكثير منهم خارج إفريقيا.
في قائمة تونس في التوقف الدولي الأخير في شهر سبتمبر الماضي تواجد 10 لاعبين منهم فقط في أوروبا والبقية إما محليين أو في دول عربية.
هذه كلها ربما هي أسباب لتيه المنتخب التونسي على الصعيد العالمي، بالتأكيد تحتاج لبحث لمعرفة سبب المشكلة وحلها لتحقيق نتائج أفضل وإلا فالخروج من دور المجموعات وشرف التأهل للمونديال فقط سيكون هو نتاج كل مشاركة لتونس.
الطريق إلى قطر كان بالخطأ بعد أزمة مفاجئة
تصدر منتخب تونس في التصفيات الإفريقية بعدما تفوق على منافسه غينيا الاستوائية وزامبيا وموريتانيا.
جمع منتخب تونس 13 نقطة يليه غينيا الاستوئية بـ11 نقطة ثم سبع نقاط لزامبيا وأخيرا نقطتين لموريتانيا.
منتخب تونس كان يسير بشكل قوي في التصفيات إلى أن جاءت الجولة الرابعة ثم الخامسة وتعادل سلبيا مع موريتانيا قبل أن يخسر بشكل مفاجئ من غينيا الاستوائية.
وهنا تفوق منتخب تونس على غينيا الاستوائية بفارق الأهداف فقط.
وتعقدت الأمور قبل الجولة الختامية فقد أصبح على رجال المدرب منذر الكبير آنذاك الفوز على زامبيا على أمل عدم حدوث مفاجأة من غينيا الاستوائية بانتصار كبير على موريتانيا.
لكن فاز منتخب تونس بثلاثة أهداف لهدف وتعادلت غينيا الاستوائية سلبيا بدون أهداف مع موريتانيا، ليقطع نسور قرطاج تذكرة التأهل للمرحلة الختامية والحاسمة من التصفيات.
وهنا واجه منتخب تونس منافسه مالي العنيد.
وكان قد غير المنتخب التونسي مدربه في أعقاب توديع كأس أمم إفريقيا 2021 بعد الهزيمة من بوركينا فاسو في ربع النهائي وتعيين مساعده جلال القادري بدلا منه.
وهنا كان الاختبار الأصعب فأول مباراتين للمدرب الجديد سيكونان ضد مالي.
لكن هدف عكسي من موسى سيساكو في لقاء الذهاب في مالي ضد منتخب بلاده في الدقيقة 36 قبل أن يُطرد هو نفسه بعد ذلك بأربع دقائق منحا تونس انتصارا مثيرا وغاليا خارج ملعبهم.
وفي الإياب في ملعب رادس اكتفى منتخب تونس بالتعادل السلبي ليقطع تذكرة التأهل إلى قطر.
بداية مشرقة وخفوت
كما أسلفنا فمنتخب تونس لم ينتصر في كأس العالم سوى مرتين.
الانتصار الأول جاء في مشاركته الأولى في نسخة 1978 بل وفي مباراته الأولى أيضا حينما فاز على المكسيك بثلاثة أهداف لهدف.
لكن الهزيمة بصعوبة من بولندا بهدف دون رد والتعادل مع ألمانيا سلبيا بدون أهداف منحا التأهل للمنتخبين الأوروبيين.
غاب منتخب عن المشاركة في كأس العالم وعاد في 1998 وتلاه مشاركة أخرى في 2002 و2006 ولم يفز في أي منهم وكان أفضل شيء حققه هو التعادل في مباراة ف كل بطولة منهم.
وفي عام 2018 انتصر على بنما في الجولة الثالثة والأخيرة في لقاء كان بمثابة تحصيل حاصل لتوديعهما المنافسة رسميا وتأهل إنجلترا وبلجيكا في المقابل.
وإجمالا خاض منتخب تونس في كأس العالم 15 مباراة فاز مرتين وتعادل في أربعة وهُزم تسع مرات.
سجل منتخب تونس تسعة أهداف واستقبل 13.
سر لقب نسور قرطاج
قرطاج عاصمة الدولة التونسية القديمة في العصر الفينيقي ومهد الحضارة.
أما عن النسر فهو يرمز لسرعة البديهة والشجاعة.
لكن كيف تم دمج الاسمين؟ ومتى بدأ إطلاق لقب نسور قرطاج على منتخب تونس؟
وفقا لموقع "بوابة تونس" فإنه لا يوجد مرجع يوثق سبب التسمية أو من أطلقها لكن قال الصحفي الرياضي الطاهر ساسي أن ذلك اللقب يعود لعام 2003 قبل عام من استضافة بلاده لكأس أمم إفريقيا.
وزعم ساسي أن منتخب تونس قبل عام 2004 كان لا يحمل لقب خاص به فكان الجميع يكتفي بالقول بالمنتخب الوطني أو الفريق القومي.
ذلك الأمر لم يستبعده المؤرخ الرياضي التونسي عماد الكيلاني في حديثه للموقع ذاته وقال: "لم نكن نطلق على المنتخب التونسي الذي لعب نهائي أمم إفريقيا 1996 النسور لذا ربما هذه التسمية تكون بسبب بطولة 2004".
في المقابل قال اللاعب السابق لمنتخب تونس في السبعينيات من القرن الماضي علي الكعبي للموقع ذاته إن تسمية نسور قرطاج قديمة.
وقال: "أتذكر عند انتصارنا على نيجيريا في سنة 1973 كتبت الصحافة النسور تنتصر".
جلال القادري في مهمة تاريخية صعبة
يمكن القول إن هذه أكبر مهمة يخوضها جلال القادري المدير الفني لمنتخب تونس خلال مسيرته.
المدرب صاحب الـ50 عاما قاد العديد من الأندية مثل الأنصار السعودي والخليج والنادي البنزرتي التونسي والملعب التونسي ونادي الإمارات الإماراتي.
لم يستمر القادري طويلا في أي منهم ولم يحقق الألقاب.
ومع منتخب تونس تواجد من قبل في منصب المدرب المساعد مع المدير الفني نبيل معلول في عام 2013.
وعاد للمنصب ذاته مع منذر الكبير في 2021 إلى أن تولى هو المهمة وأصبح الرجل الأول في 2022.
خاض منتخب تونس مع القادر أربع مباريات رسمية، فاز على مالي في ذهاب المرحلة الحاسمة من تصفيات المونديال وتعادل معها سلبيا في الإياب.
وفي تصفيات كأس أمم إفريقيا 2023 فاز على غينيا الاستوائية برباعية دون رد وتعادل سلبيا مع بوتسوانا.
ووديا التقى منتخب تونس مع تشيلي واليابان وجزر القمر وفاز عليهم جميعا.
أما هزيمته الأولى فكانت أمام البرازيل وبنتيجة كبيرة بخمسة أهداف لهدف.
وإجمالا خاض منتخب تونس معه ثماني مباريات فاز في خمسة وتعادل مرتين وهُزم في لقاء وحيد.
وسجل لاعبو تونس تحت قيادته 12 هدفا واستقبلوا خمسة.
المساكني ومعلول وساسي وخزري
يضم منتخب تونس العديد من اللاعبين المميزين لكن لا يوجد ثبات كبير على التشكيل حتى الآن، لكن إن تحدثنا عن الأبرز فبالتأكيد سيتصدر القائد المُلقب بالنمس، يوسف المساكني.
ويتواجد كذلك وهبي الخزري وطه ياسين الخنيسي وعلي معلول وفرجاني ساسي وسيف الجزيري.
خاض المساكني لاعب العربي القطري مع نسور قرطاج 87 مباراة دولية سجل خلالهم 17 هدفا وصنع 20 آخرين.
ويعد المساكني هو سادس هدافي تونس التاريخي بفارق 21 هدفا عن عصام جمعة الهداف التاريخي.
أما وهبي الخزري لاعب مونبيلييه الفرنسي فخاض 71 مباراة سجل خلالهم 24 هدفا وصنع 14 آخرين وهو ثاني هدافي تونس عبر التاريخ.
يتواجد كذلك الظهير الأيسر للأهلي علي معلول صاحب الـ82 مباراة دولية وسجل خلالهم هدفين وصنع 10.
أما فرجاني ساسي لاعب الدحيل القطري فخاض 77 مباراة سجل خلالهم ستة أهداف وصنع أربعة آخرين.
فيما خاض الجزيري مهاجم الزمالك 29 مباراة سجل خلالهم 10 أهداف ولم يصنع.
ويتواجد كذلك اللاعب الشاب هانيبال مجبري لاعب مانشستر يونايتد المعار إلى برمنجام الإنجليزي.
اللاعب صاحب الـ19 عاما خاض 18 مباراة لم يسجل حتى الآن أي هدف وصنع هدفا وحيدا.
مجموعة صعبة مع بطل العالم
وقع منتخب تونس في مجموعة صعبة في كأس العالم رفقة أبطال النسخة السابقة فرنسا والحصان الأسود ليورو 2020 الدنمارك وأخيرا أستراليا.
وبالنظر لجدول ترتيب المباريات فمنتخب تونس سيبدأ مشواره ضد الدنمارك ثم أستراليا وأخيرا فرنسا وهنا تكمن الفرصة.
فالتعادل وربما تحقيق الفوز وبمعنى أدق حصد أربع نقاط من أول مباراتين ربما يجعل فرص منتخب تونس كبيرة للغاية في التأهل للدور الثاني قبل ملاقاة فرنسا.
لذا إن أراد منتخب تونس كتابة التاريخ وتسطيره بشكل رائع فعليه أن يضمن الوصول للقاء فرنسا بأكبر آمال ممكنة وحينها يترك الطرفين الآخرين يتصارعان.
وستكون مواعيد مباريات منتخب تونس في المجموعة كالتالي:
الجولة الأولى ضد الدنمارك في 22 نوفمبر.
الجولة الثانية ضد أستراليا في 26 نوفمبر.
الجولة الثالثة ضد فرنسا في 30 نوفمبر.