جاؤوا من بقاع بعيدة من العالم، يتحدثون لغات مختلفة، ويمثلون مختلف درجات الطيف الآيديولوجي، بينما تراوحت أعمارهم بين 43 و80 عاماً. ورغم ذلك، بقي أمر واحد مشترك بين الرئيس جو بايدن والقادة الآخرين لمجموعة السبع المشاركين في القمة المنعقدة باليابان في نهاية هذا الأسبوع، أنهم جميعاً لا يتمتعون بشعبية كبيرة داخل أوطانهم.
وما يخص بايدن ونظراءه من القوى الصناعية الرائدة عالمياً، أن العصر الراهن هو عصر السخط الديمقراطي، حيث يبدو الناخبون مستائين باستمرار من الرؤساء ورؤساء الوزراء الذين اختاروهم. واليوم، يعيش كل زعيم من زعماء مجموعة الـ7 في مأزق لأسباب مختلفة. ومع ذلك، تسلط المحن المشتركة التي يخوضونها الضوء على هشاشة المجتمعات الحرة في عصر الانقسامات السياسية والثقافية العميقة.
ولذلك، تحولت قمة هذا العام في هيروشيما إلى شيء يشبه «نادي القلوب الوحيدة»، على حد تعبير أحد المتخصصين، حيث يمكن للقادة غير المحبوبين أن يبدوا تعاطفهم بعضهم مع بعض بسبب مشكلاتهم الداخلية، ويتبادلوا الأفكار حول كيفية استعادة رضا ناخبيهم. في خضم ذلك، ربما يشعر قادة المجموعة بالارتياح تجاه قضاء بضعة أيام بعيداً عن الوطن، للتفاعل مع أقرانهم على الساحة العالمي، وفرصة للظهور في صورة رجال السياسة الذين يصيغون قوى التاريخ.
ورغم ذلك، وجدت مشكلاتهم سبيلاً لاقتفاء أثرهم ومطاردتهم، ويمكن أن تحد من الخيارات المتاحة أمامهم ومن نفوذهم. من جهته، لم يبدأ بايدن صباحه في اليوم الافتتاحي للقمة، التي استمرت 3 أيام، بعقد مناقشة رفيعة حول الشؤون الدولية، وإنما بعقده مكالمة هاتفية طيلة نصف ساعة مع واشنطن للاطمئنان على مسار المفاوضات مع الجمهوريين حول قضايا الإنفاق والديون الأكثر عمقاً. واختتم اليوم بالانصراف مبكراً 90 دقيقة تقريباً من حفل عشاء الزعماء في جزيرة مياجيما، كي يخوض مكالمة أخرى من مقر إقامته بشأن محادثات الإنفاق.
من ناحيتها، أعربت سوزان مالوني، مديرة برنامج السياسة الخارجية بمعهد بروكنغز، عن اعتقادها بأن «المحصلة النهائية» تمثلت في «بيئة يتعين فيها على قادة أقوى الأنظمة الديمقراطية بالعالم التعامل مع عالم أكثر تحدياً عن أي وقت مضى، حتى في وقت يعانون هشاشة وضعهم على الساحة الداخلية. يمكن أن يثير ذلك شكوكاً في نفوس حلفائنا، وثقة مفرطة في نفوس خصومنا. الأمر الذي يتركنا جميعاً عرضة للخطر جراء ذلك».
في هذا السياق، كشفت بيانات استطلاع، جمعتها مؤسسة «مورنينغ كونسلت» خلال الأيام الأخيرة أن 4 قادة فقط من أصل 22 دولة كبرى جرت دراستها حصلوا على معدلات رضا من المواطنين تتجاوز 50 في المائة.
لم يتمكن أي من زعماء دول مجموعة الـ7 من حشد تأييد الأغلبية داخل بلادهم. وجاءت رئيسة وزراء إيطاليا، جيورجيا ميلوني، التي انتخبت الخريف الماضي، في الموقع الأفضل بنسبة تأييد بلغت 49 في المائة، طبقاً لما ذكرته «مورنينغ كونسلت»، أعقبها بايدن بنسبة 42 في المائة، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بنسبة 39 في المائة، والمستشار الألماني أولاف شولتز بنسبة 34 في المائة، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بنسبة 33 في المائة، ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا بنسبة 31 في المائة، ثم جاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ذيل القائمة بنسبة هزيلة بلغت 25 في المائة.
من جهته، نجح كيشيدا في تحقيق أداء أفضل مع نسبة تأييد لحكومته بلغت 52 في المائة، حسب استطلاع أجري حديثاً. وكانت هذه المرة الأولى التي تتجاوز فيها الحكومة نسبة 50 في المائة من حيث التأييد على مدار 8 أشهر، ما أثار تكهنات بأنه قد يدعو إلى انتخابات مبكرة للاستفادة من هذه النسبة.
في هذا الإطار، قال مايكل أبراموفيتز، رئيس منظمة «فريدوم هاوس»، التي تتخذ من واشنطن مقراً لها: «اعتقادي أن أرقام الاستطلاع المنخفضة تعكس الاستقطاب المتزايد في عدد من هذه المجتمعات. في الواقع، حتى لو مهد بايدن الشوارع بالذهب، فسيبقى نصف المواطنين معترضين عليه. من الواضح أن الديمقراطيات بحاجة إلى بذل مجهود أكبر».
وتبدو مشاعر خيبة الأمل الحالية تجاه القيادات بمثابة اختبار لقوة الديمقراطية، في وقت تتعرض فيه لضغوط. وخلصت المجموعة التي يترأسها أبراموفيتز، التي تتابع أوضاع الديمقراطية دولة بعد دولة، إلى أن الحرية قد تراجعت في جميع أنحاء العالم لمدة 17 عاماً على التوالي، في خضم تراجع داخل دول مثل المجر وبولندا. وبينما دعا الرئيس السابق دونالد ترمب إلى «إلغاء» الدستور الأميركي لإعادته إلى السلطة، غالباً ما يردد بايدن أنه يعد أن مهمته الدفاع عن الديمقراطية.
وفي قلب حالة من التأزم العام، يواجه كل زعيم نمطاً مختلفاً من المشكلات. من ناحيته، يجابه ماكرون، انحساراً في معدلات تأييده، بعد رفع سن التقاعد إلى 64 بدلاً عن 62، الأمر الذي أشعل احتجاجات عنيفة في الشوارع. وكشف استطلاع للرأي نُشر هذا الشهر أن ماكرون سيخسر حال دخوله في منافسة أمام مارين لوبان، الزعيمة اليمينية المتطرفة التي تفوق عليها العام الماضي.
وبالمثل، إذا جرت انتخابات الآن، أظهرت دراسات مسحية حديثة أن حزب المحافظين بقيادة سوناك سيخسر أمام حزب العمال في بريطانيا، وسيخسر حزب ترودو الليبرالي أمام حزب المحافظين في كندا، وسيخسر الحزب الديمقراطي الاجتماعي بزعامة شولتز أمام الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ألمانيا.
ويرى بعض السياسيين المخضرمين أن ضعف قادة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى يرجع إلى القلق الاقتصادي في أعقاب جائحة «كوفيد 19». عن ذلك، قال كارل بيلدت، رئيس وزراء السويد السابق: «يبدو أن موجة من الاستياء تجتاح ديمقراطياتنا. أعتقد أن عودة التضخم، بعد اختفائه منذ فترة طويلة، قد تكون لها علاقة بهذا الأمر».
وبالتأكيد، استنفد التضخم الدعم الذي يحظى به بايدن، علاوة على الأزمة المشتعلة على الحدود الجنوبية، والمخاوف حيال معدلات الجريمة بالمناطق الحضرية، والغضب تجاه أسلوب الإنفاق الحكومي، والقلق إزاء عمر الرئيس.
في الواقع، أفضل ما يخدم بايدن سياسياً اليوم يكمن في احتمالات أن يواجه ترمب مرة أخرى العام المقبل، الأمر الذي يعتقد معاونوه أنها ستحفز الديمقراطيين والمستقلين الذين ليسوا متحمسين للرئيس، لكنهم يعارضون الرئيس السابق بشدة. ومع ذلك، كشفت استطلاعات رأي أن مسألة فوز الرئيس على سلفه مرة أخرى ليست في حكم المؤكد. في الوقت ذاته، يشعر أقران بايدن في مجموعة الـ7 بقلق عميق إزاء عودة ترمب إلى السلطة.
من ناحية أخرى، لا تعد هذه المرة الأولى التي يجتمع قادة مجموعة الـ7 في وقت يعانون فيه مشكلات كبيرة داخلياً. في هذا الصدد، أوضح جون جيه كيرتون، مدير المجموعة البحثية التابعة للمجموعة، أن مثل هذه الفترات من الانحسار تحدث عادة عندما تعاني الدول الأعضاء من ركود حاد أو ركود تضخمي، لكن هذا ليس الحال اليوم.
* خدمة «نيويورك تايمز»