ملخص
شهدت أسعار الملابس الجاهزة ارتفاعاً ملحوظاً مقارنة بالعام الماضي، وأرجع متخصصون الأسباب إلى ارتفاع أسعار الخامات المستخدمة في الإنتاج، ما دفع بعض الأسر إلى الاتجاه لعديد من الأساليب لتوفير مبالغ تعينهم على شراء ملابس لأطفالهم لقضاء العيد.
لم يجد الأربعيني محمد سالم مع إلحاح أبنائه وحثه على التسوق لهم لشراء ملابس جديدة يستخدمونها في زيارات عيد الفطر، سوى اللجوء إلى أحد أصدقائه لاستدانة مبلغ مالي يعينه على تدبير احتياجات أولاده الثلاثة، الذين يجدون في هذه العادة متنفساً وحيداً للفرحة في موسم الأعياد. بحسرة يقول إنه اضطر إلى مواجهتهم بضرورة التنازل والاستغناء والقبول بقطعة واحدة من الملابس بسبب الغلاء وزيادة الأسعار بشكل مضاعف مقارنة بالعام الماضي.
بحسب ما يؤكده سالم لـ"اندبندنت عربية"، فإنه على رغم الحاجة والظروف الصعبة التي يعانيها وراتبه الذي لا يكفي المتطلبات الأساسية لأسرته، رضخ إلى مطالبهم، مواصلا هذه العادة التي تمنح أولاده سعادة، مكتفياً بتقليص عمليات الشراء.
بصوت مخنوق يقول الرجل الأربعيني "ارتفعت الفاتورة علينا مقارنة بالعام الماضي، وعملية الاستعداد للعيد هذا العام أرهقتني، وأمام هذه الأعباء المتراكمة دخلت في دوامة الاستدانة التي لا تنتهي، لكن بمجرد رؤية الابتسامة على وجوه أبنائي تذهب كل المعاناة" - بحسب تعبيره-. وأشار سالم إلى أنه لم يشتر لنفسه ملابس جديدة منذ نحو ثلاث سنوات بسبب الغلاء والالتزامات التي أرهقته.
بالتقسيط
لم يختلف الوضع كثيراً بالنسبة إلى سارة محمد (ربة منزل)، التي تقول إنها لم تكن مستعدة لاستقبال موسم العيد، ولجأت لبدائل تمنعها عن الاستدانة، واستخدمت هذا العام أحد تطبيقات الدفع الإلكتروني لتقسيط المبالغ المخصصة لملابس العيد لابنتي الوحيدة بحيث طلبت أن أدفع قيمة الملابس على ستة أشهر، متحملة نسبة فائدة يقرها التطبيق على المستخدمين، مشيرة إلى أنها اضطرت إلى الشراء من متاجر معينة تتعامل بهذه السياسة، وكانت جميعها بأسعار مرتفعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضحت سارة، التي كانت تتجه بحديثها تلقائياً إلى أزمات معيشية متعددة عرفت طريقها إلى منزل الأسرة نتيجة الغلاء وارتفاع الأسعار، أن كلفة ملابس العيد التي اشترتها لابنتها وصلت إلى نحو 2500 جنيه (52.5 دولار أميركي)، بعد إضافة نسبة الفائدة، ما يعني أنني سأدفع نحو 400 جنيه شهرياً (8.4 دولار أميركي) على مدى نصف عام، وهذا الخيار كان الوحيد أمامي حتى لا أتخلى عن هذه العادة، بخاصة أنني سأكتفي بهذه الملابس طوال العام، ولا أفكر في الشراء إلا في أضيق الحدود.
وشهدت أسعار الملابس الجاهزة ارتفاعاً ملحوظاً مقارنة بالعام الماضي، وأرجع متخصصون الأسباب إلى ارتفاع أسعار الخامات المستخدمة في الإنتاج، ما دفع بعض الأسر إلى الاتجاه لعديد من الأساليب لتوفير مبالغ تعينهم على شراء ملابس لأطفالهم لقضاء العيد، منها الدخول في جمعيات واستقطاع مبالع من رواتبهم قبل أشهر من حلول العيد لهذا الغرض.
الانسحاب من السوق
بخصوص نسبة الزيادة في أسعار الملابس في موسم العيد يقول نائب رئيس شعبة الملابس الجاهزة بغرفة القاهرة التجارية، خالد فايد، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن أسعار الملابس ارتفعت بنسبة 60 في المئة، ما أدى إلى تراجع حاد في الإقبال على شراء الملابس في موسم العيد.
وسلط فايد الضوء على تأثير ارتفاع الأسعار على أصحاب مصانع الملابس أنفسهم بدءا من المعدات المستخدمة مروراً بالأقمشة والعمالة وكلفة الكهرباء. وبسبب هذا الوضع، أغلق عديد من التجار محالهم لضعف الطلب وصعوبة تحمل كلف الإنتاج –بحسب حديثه-.
ودفعت الزيادة في أسعار الملابس بعض الفئات التي كانت من زبائن المتاجر الخاصة بالتوكيلات إلى اللجوء لأسواق أخرى وبازارات تعرض قطعا بخامات جيدة وبأسعار مخفضة.
وفق رانيا سعيد، سيدة خمسينية تعمل بمجال السياحة، فإن زيادة أسعار الملابس جعلها تبتعد بشكل كبير عن الشراء من المولات التجارية، والاكتفاء بالأسواق التي تقدم منتجات بكلفة أقل. وأشارت سعيد إلى أنها لم ترفع ميزانية هذا العام المخصصة لشراء ملابس العيد لأبنائها، لكنها قللت من شراء القطع في موسم العيد. وفي ما يتعلق بالتغير الذي طرأ على الأسعار، انتقلت بحديثها إلى اختلاف الأسعار من متجر إلى آخر على رغم التشابه في الشكل والخامة، نتيجة عدم وجود رقابة على هذه الأسواق.
وأضافت "لا أقدر على شراء ماركات الملابس التي كنت أشتريها لأبنائي للاحتفال بالعيد، وعزفت عن الأماكن المفضلة للشراء، وأحياناً نلجأ إلى الشراء عبر الإنترنت حتى لو كانت الجودة ضعيفة لتقليل النفقات".
قطعة واحدة تكفي
تقول رانيا "كنت أفضل عدم الشراء في موسم العيد هذا العام" وتواصل "ارتباط أولادي بهذه العادة جعلني أتراجع عن هذه الخطوة، وأوفر لهم ما أقدر على شرائه من ملابس لأنها وسيلة تشعرهم بسعادة". واعتبرت رانيا أن أسعار القطاع التي اشترتها زادت عن الضعف، "لم أجد بنطلون جينز بسعر أقل من 1200 جنيه، على رغم أن كلفته العام الماضي كانت في حدود 350 جنيه". وبسبب هذا الغلاء قالت "أحرص الآن على تعليم أبنائي التنازل عن الأشياء التي يفضلونها والاقتداء بي بسبب الظروف الصعبة، لذا أطلب منهم عدم شراء كل ما يريدون اقتناءه، والاكتفاء بقطعة واحدة".
يقول رئيس شعبة الملابس الجاهزة بغرفة القاهرة التجارية، إنه لتأمين ملابس الطفل الواحد، تحتاج الأسرة إلى مبلغ يتراوح في حدود ألف جنيه على أقل تقدير، هذا الارتفاع الكبير في كلف الملابس يضاعف العبء على العائلات، ما يجعل بعضها مضطراً للجوء إلى شراء بقايا التصدير أو الملابس التي تهرب إلى البلاد.
وبالنسبة للمخاوف الشخصية، أبدى فايد قلقه من تزايد حالات هرب العمالة من المصانع، بخاصة في ظل تراجع الإنتاج بسبب عزوف بعض الزبائن عن الشراء بسبب الأسعار المرتفعة، ما يتسبب في تدهور الأوضاع داخل المحال التجارية. وأشار إلى أن الشعبة ستتواصل مع التجار الشهر المقبل بهدف خفض الأسعار وتشجيع الزبائن على الشراء، ضمن مبادرة من رئاسة الوزراء بالتعاون مع الاتحاد الغرف التجارية، بهدف حث التجار على تقديم الخصومات نظراً إلى الشكاوى المتزايدة من الارتفاع في الأسعار.
ركود بفعل الغلاء
على وقع الأغاني وتكبيرات العيد، كانت عشرات الأسر تقصد أحد البازارات التي تضم متاجر مخصصة لملابس الأطفال بشتى أعمارهم، ورصدت "اندبندنت عربية" ضعف عملية الشراء مقارنة بحجم الإقبال على المتاجر التي انتظر أصحابها موسم العيد لبيع الملابس في ظل حالة الركود التي عرفت طريقها إلى البازار مثل غيره من المتاجر الأخرى.
وفق درة عبد العزيز، التي تعمل في مجال الملابس منذ 10 أعوام، ومكلفة إدارة البازار، فإن الغلاء أثر على عملية البيع في موسم العيد، ضاربة مثالاً بأن "الحركة لم تعرف طريقها إلى المكان إلا في الـ10 أيام الأخيرة من شهر رمضان". مضيفة "نحاول إيجاد حلول متاحة مثل تقليل نسب الاستفادة والمكاسب حتى تستقر الأوضاع".
وترجع درة أسباب غلاء أسعار الملابس إلى أزمة الدولار، "لدرجة أن الملابس زادت ثلاثة أضعاف، والزبائن عزفوا عن متاجرنا فترة طويلة حتى استوعبوا أنها ليست مشكلة تجار جملة ومستورد بقدر أنها باتت أسعار سوق". وأشارت إلى أن معظم الأسر باتت تكتفي بقطعة واحدة لكل طفل، وتشير إلى أن بعض التجار أغلقوا متاجرهم على رغم أن رؤوس أموالهم تقدر بالملايين، وهو ما ينذر بكارثة، على حد تعبيرها.
وأضافت "نواجه تحديات متزايدة للبقاء، بحيث انخفض معدل الربح إلى 50 في المئة، ونلاحظ أن نقاشات تدور أثناء عملية الشراء، وفي السابق كانت الزبائن تشتري ما تريد من دون تفكير" معتبرة أن أجواء العيد اختلفت في السنوات الأخيرة، فهي السنة الأولى التي نشعر فيها بوجود قيود في الشراء بشكل كبير.
كان محمد عصام، الذي يمتلك 7 أعوام من الخبرة في تجارة ملابس يمارس هوايته في إقناع الزبائن بجودة الملابس التي تميز متجره عن غيره من المتاجر، وبعد أن انتهى من محاولة بيع باءت بالفشل قال لـ"اندبندنت عربية"، إن "زيادة الأسعار انعكست عليه في عديد من الأشكال التي تشمل أسعار المنتجات والشحن والتصنيع، والزيادة لدينا وصلت إلى 75 في المئة". من ضمن المشاهد الإنسانية التي تحدث أمامه يقول عصام، إن "بعض الأطفال يطلبون قطع ملابس لا يقدر الآباء على توفير كلفتها، ما يضعهم في حرج".
يضيف، "لاحظت أن الأسر لا تبخل على أبنائها في ما يتعلق بشراء ملابس العيد لهم على الرغم من الغلاء، لكن عملية الشراء في الغالب تقتصر على طقم ملابس واحد لكل طفل عكس الماضي".
ارتفاع جنوني
لم تكن السيدة دعاء أحمد مصطفى، التي لديها ثلاثة أبناء بمنأى عن هذه الأزمة، حيث اعتبرت أن أسعار الملابس ارتفعت بشكل جنوني، وأثر ذلك على طريقة اختيارها للملابس المخصصة للعيد، وتفضيلها المتاجر التي توفر الملابس محلية الصنع كبديل عن المستوردة.
ومع ذلك تؤكد دعاء أن كلفة الملابس المصرية اقتربت من المستورد، على رغم أن الجودة مختلفة، مؤكدة أنها تكتفي بشراء طقم ملابس واحد لكل طفل بدلاً من ثلاث، وتدرس الكلفة قبل اتخاذ قرار الشراء.