ملخص
اللافت في العمل أنه عرض كل جوانب القصة، من الناحية الدينية والفكرية والاجتماعية والمادية والإنسانية والطبية أيضاً
قليلة هي الأعمال الدرامية العربية، التي تثير نقاشاً وأسئلة واستفسارات. الضجة التي أثيرت مثلاً حول مسلسل "الحشاشين"، كانت حول الأخطاء التاريخية التي وقع بها العمل، فانبرى عديد من المؤرخين والباحثين لتصحيحها، فيما كان جواب صناع العمل، أن ما قدم لا يتطرق للرواية التاريخية بحذافيرها.
يختلف الأمر مع مسلسل "صلة رحم"، الذي يتناول قضية تأجير الرحم بكل أبعادها ومشكلاتها. قضية مستحدثة في العالم العربي، والحديث عنها لا يزال من التابوهات أو المحرمات. فالعادات والتقاليد لا تقبل بذلك، كما أن الدين يحرمها، وغالباً من يريد الاستعانة بهذه العملية ينتمي إلى فئة فكرية معينة، منفتحة وغير مهتمة بالرأي الديني.
فتح المسلسل طوال 15 حلقة، نقاشاً حول القضية، من مع، ومن ضد. واللافت في العمل أنه عرض كل جوانب القصة، من الناحية الدينية والفكرية والاجتماعية والمادية والإنسانية والطبية أيضاً. هو أشبه بتحقيق استقصائي مصور، يعرض لنا مراحل اتخاذ القرار، وكيفية تنفيذه والبحث عن رحم، والأبعاد النفسية والسيكولوجية للأم البديلة، مع شعور الأهل في المستقبل، وما يترتب على ذلك من ترتيبات اجتماعية في البيئة المحيطة.
إذاً نحن أمام عمل متكامل شكلاً ومضموناً، والأهم أنه مكتوب بعناية، لتصل الفكرة إلى المشاهد من دون أن ينفر منها أو يمقتها. يقدم الحلول لعدم القدرة على الإنجاب، بطريقة قوية وفجة، إنما واقعية مليئة بالمشاعر والأحاسيس.
القصة
تدور الأحداث خلال تسعة أشهر، وهي مرحلة الحمل والولادة، من خلال طبيب التخدير حسام (إياد نصار) الذي يتسبب في حادثة مؤلمة لزوجته الحامل، مما يستدعي استئصال رحمها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولشعوره بالذنب، يضطر إلى مخالفة مبادئه، ويلجأ إلى خطوات خارج إطار القانون لاستئجار رحم سيدة من أجل تحقيق حلمه المؤجل بإنجاب طفل، مما يورطه في كثير من المشكلات والأزمات المعقدة. وخلال ذلك نشاهد كثيراً من الأحداث السريعة والمتواترة حول القصة، إلى أن تنجح الخطة، ويموت الدكتور لحظة احتضانه لابنه، وتبقى النهاية مفتوحة بين الأم البديلة والأم صاحبة البويضات.
كتب العمل بتميز وعمق محمد هشام عبيه، وأخرجه تامر نادي، وهو من بطولة كل من إياد نصار، أسماء أبو اليزيد، محمد جمعة، يسرا اللوزي، هبة عبدالغني، ريام كفارنة، عابد عناني، محمد السويسي، عمرو القاضي، ونورا عبدالرحمن.
وتأجير الأرحام هو عملية خلق الحمل عن طريق وضع الجنين أو الأجنة الناتجة من طريقة التلقيح الاصطناعي للزوجين في رحم امرأة أخرى، ثم إنهاء الحمل بالولادة عن طريق نقله إلى نهاية العملية.
الإجهاض
ومن النقاط اللافتة والجريئة التي ناقشها العمل، حق السيدات في الإجهاض، بعيداً من الصورة النمطية لذلك في الدراما، وفي المشهد الذي يدافع فيه الممثل محمد جمعة الذي لعب دور الطبيب، يشرح وجهة نظره، حول أن هذه الغلطة يجب ألا تنهي حياة الفتاة، بل تمنحها أملاً جديداً وبداية جديدة.
كلام تقدمي في مجتمع محافظ، لكنه محاولة لفهم أوضح للصورة، الإجهاض حق من حقوق النساء، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالقتل والعقاب. مشهد قد يبقى طويلاً في الذكرة لقوة ما يطرحه.
ومما يسجل للعمل، تطرقه للقصة بطريقة مكثفة، بعيداً من الإطالة والدراما غير المبررة، معتمداً على أحداث متسارعة وحوارات قوية عميقة، عارضاً ظلم الأعراف والقوانين، مناقشاً الحلال والحرام والقانون.
كما أنه تطرق لكيفية تغير الأفكار والمعتقدات بحسب الظروف، فإياد نصار مثلاً كان معارضاً لعمليات الإجهاض الآمنة التي يقوم بها الدكتور محمد جمعة، ودخل معه بنقاش حاد حول ذلك.
لكن حين احتاج نصار رحماً بديلاً، تفهم فكرة الدكتور جمعة وما يفعله، وتعاطف مع السيدات اللاتي يجهضن. هذه التقلبات الإنسانية التي أصابت إياد نصار، هي بالفعل ما يريد الكاتب إيصاله إلى المشاهد، حول هذه القضية تحديداً.
يتميز الممثل الأردني إياد نصار بالأبعاد النفسية التي يمنحها للشخصية، وتجسيده لشخصية الأناني والمرتبك بإتقان. يفعل الشيء ونقيضه، ينفعل فجأة ويخمد بسهولة. تعابير وجهه، تثبت للمشاهد أنه فعلاً محتار، خائف، يائس، لا يعرف ماذا يفعل.
والدور هو امتداد للتميز الذي بدأه نصار في مسلسل "الجماعة" حين قدم شخصية حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، ومن ثم توالت الأدوار المتنوعة.
كما تميزت الممثلة المصرية أسماء أبو اليزيد بدور الأم البديلة، خصوصاً حين بدأت الانتقال في الحالة التمثيلية من الفتاة الشعبية الهاربة من علاقة زواج فاشلة، صوب كونها أما بديلة لكن بشعور مقنن. ولا بد من الإشارة إلى الموسيقى التصويرية (أشرف الزفتاوي) المميزة في العمل، التي رافقت التبدلات النفسية للممثلين، وعبرت عن مشاعرهم.
الحلقة الأخيرة
يمكن القول إن الحلقة الأخيرة من العمل، تحفة فنية. وتتجسد فيها كل المشاعر الإنسانية، من خوف وحب وقتل وتوتر واضطراب وبكاء وحنان وأمومة. والأهم أنها صادمة. فبعد ولادة الأم البديلة للطفل، يحتضنه إياد نصار، ينظر إليه بشغف ويموت (كان تلقى ضربة سكين سابقاً).
موت البطل في هذه القصة صادم، ويسجل للمخرج في هذه الحلقة تحديداً ابتعاده عن النهايات التقليدية الكليشية.
لكن الصدمات لا تتوقف هنا، إذ بعد موت نصار، يعمد المخرج إلى إنهاء المسلسل بمشهد مفتوح بين يسرا اللوزي (الأم البيولوجية) وأسماء أبو اليزيد (الأم البديلة) وهما ينظرن إلى الطفل، من تستحق الولد، صاحبة البويضات، أم الأم التي عانت معه تسعة أشهر وحملت به؟