ملخص
مشاهدة النساء هذا النوع من المحتويات يرجع إلى رغبتهن في فهم عقلية المجرم، من أجل حماية أنفسهن والرغبة في الغوص في أعماق الطبيعة البشرية.
"الدم المغدور" و"قاتل النساء" و"من مؤثرة مشهورة إلى مجرمة" عناوين مختلفة لفيديوهات مؤثرين ومؤثرات يسردون تفاصيل جريمة ما بطريقة مشوقة ومثيرة، على رغم أنهم يسلطون الضوء على الجانب المظلم للإنسانية ويغوصون في أعماق نفسية المجرمين، لكن فيديوهاتهم تحظى بمشاهدات كبيرة تصل إلى ملايين، فما الذي يجعل هذه الفيديوهات مفضلة لدى نسبة كبيرة من المغاربة؟
حماية النفس
"من خلال هذه الفيديوهات تعلمت كيف أحمي نفسي، وأصبحت أدرك أنني أعيش مع ناس مرضى نفسيين، ويمكن لهم أن يلحقوا بي الأذى في أية لحظة"، هكذا تصف الشابة المغربية دعاء البالغة من العمر 22 سنة سبب مشاهدتها لإحدى مشاهير حكي قصص المجرمين على منصة "يوتوب".
تضيف دعاء أنه "من خلال هذه الفيديوهات أصبحت لدي خبرة في فهم كيف يفكر بعض المجرمين؟ وكيف يمكن أن يتحول شخص طبيعي لا أحد يشك فيه إلى مجرم؟ لقد أدركت أهمية أن أتعامل مع جميع الناس بحذر، فربما أحدهم مضطرب نفسي أو قاتل".
مشاهد مأسوية
حول الأسباب التي تدفع المغاربة إلى مشاهدة هذا النوع من المحتويات على منصة "اليوتوب"، سألنا الأكاديمي المتخصص في علم الاجتماع الدكتور عبدالرحيم عنبي، الذي اعتبر أن هناك عوامل تاريخية تدفع المغاربة على الإقبال على هذا النوع من الفيديوهات، تكمن في علاقتهم الخاصة بفن "الحلقة" منذ القديم، وهو فن يعتمد يعتمد على سرد قصص بشكل مشوق.
ويشار إلى أن فن "الحلقة" من الفنون الشعبية بالمغرب يمارس في الشارع أمام تجمع من الناس، ويقدم أعضاء الحلقة فنهم بشكل مشوق.
وفي هذا الصدد يقول عبدالرحيم عنبي إن المواطن المغربي يبحث دائماً عن الفرجة وخصوصاً التشويق، فالمشاهد المأسوية تتحول لدى المغاربة إلى فرجة، وهذا يرجع إلى فن "الحلقة،" وهو فن ظهر في ظروف المجاعة والأوبئة خلال القرنين الـ16 والـ17، وفي الحلقة يسرد "الحكواتي" القصة بشكل مثير ومشوق، مما يلبي رغبة الفرد لمعرفة أخبار الناس.
مخاوف الشباب
ويضيف عنبي أن المغاربة لديهم رغبة في أن تكون لديهم معلومات يحكونها للآخرين، فهو عندما يشاهد هذه الفيديوهات يصبح ملماً بمجموعة من القضايا، ويشارك ذلك مع زملائه أو أصدقائه.
ينظر أستاذ علم الاجتماع للإقبال على هذا نوع من الفيديوهات بشك وحذر، ويعزو تخوفه قائلاً إنه بسبب الفراغ الذي نعيشه في المغرب المتمثل في غياب من يوجه الشباب، نلاحظ أن الشباب يعيشون في عزلة هذه الفترة التي تشهد غزارة المحتويات على مواقع التواصل الاجتماعي، فالشاب أو الشابة ليس لديهم القدرة على التعامل بشكل نقدي مع هذه المحتويات التي تزيد من مخاوفهم وعزلتهم.
ويمضي قائلاً لأن المجتمع المغربي شفهي يفضل ما يحكى عما يكتب، كما أنه يمكن لأي شخص الوصول إلى هذه المحتويات بسهولة، والغريب أن هذا النوع من الفيديوهات تشاهدها حتى الفئة المتعلمة.
ويشير إلى أن هذه الفيديوهات تكرس أحياناً أحكاماً مسبقة على النساء، مضيفاً "تتناول قضايا التابوهات مثل الجنس والاغتصاب، وغيرها من المواضيع التي تثير الفضول".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الجمهور النسائي
تعرض الفيديوهات تفاصيل مخيفة عن عالم الجريمة، وتصف بشكل مفصل سيكولوجية الجاني في حال كان مضطرباً نفسياً، لا يشاهدها الرجال فقط بل أكثر من يشاهدها هن النساء، فما الأسباب التي تدفع النساء إلى مشاهدة فيديوهات تتناول عالم الجريمة.
بحسب دراسة حديثة لمجلة "Stern Crime" فإنه 81 في المئة من المشاهدين لهذه الفيديوهات هن نساء، وأكدت دراسة أخرى "Seven.One Audio" في عام 2022 بأن المرأة أكثر من يشاهد قصص الحكي عن الجرائم.
وتشير الدراسة إلى أنه أظهر عدد من الأبحاث أن النساء يخشين أكثر بكثير من أن يصبحن ضحايا للجريمة مقارنة مع الرجال، ربما يساعدهن الاستماع إلى تفاصيل الجرائم في مواجهة الخوف وحماية أنفسهن، وهذه الفيديوهات يمكن أن تكون عبارة عن محتويات ترفيهية، لكن في الوقت ذاته تزيد من وعيهن بالأخطار وفهم طبيعة الجرائم، مما يعزز ثقتهن بأنفسهن كي لا يصبحن ضحايا للجريمة.
فهم عقلية المجرم
وبحسب الدراسة "توفر قصص المجرمين معلومات دقيقة حول كيف جرت الجريمة والتحقيق وأيضاً السيرة الذاتية للجناة ونفسيتهم والنظام القانوني، ويعد الغوص في الأعماق هو أحد دوافع المستمعين.
وأكد عدد من الأبحاث أن مشاهدة النساء هذا النوع من المحتويات يرجع إلى رغبتهن في فهم عقلية المجرم، من أجل حماية أنفسهن والرغبة في الغوص في أعماق الطبيعة البشرية.
وأجرت كلية الصحافة والإعلام بجامعة نبراسكا لينكولن في الولايات المتحدة الأميركية دراسة في عام 2018 حول الأسباب التي تدفع الناس إلى مشاهدة محتويات خاصة بقصص الجرائم، وتوصلت إلى أن الاستماع أو مشاهدة قصص المجرمين يمكن المرء من الهرب من الحياة اليومية إلى عالم آخر مخيف، ومعرفة حياة شخص آخر وأفكاره وأفعاله السيئة، كما أن هذه الفيديوهات تمكن الشخص من أن يحصل على معلومات مثلاً عن الطب الشرعي والقانون.