بين عدد من الآثار التي تعود للحقبة اليونانية الرومانية في مصر، يأتي معبد قصر قارون واحداً من الآثار التي تزخر بها محافظة الفيوم جنوب القاهرة، وتعد من أهم مزاراتها السياحية والتاريخية.
وللفيوم تاريخ طويل وممتد منذ عصور مصر القديمة، وتمتلك عدداً من المقومات السياحية المهمة التي يمكن أن تضعها على خريطة السياحة المصرية، إذ يوجد بها ما يقرب من 30 موقعاً أثرياً تعود لعصور مختلفة، ومن أهمها "مسلة سنوسرت الأول" و"مقبرة الأميرة نفرو بتاح" و"هرم سيلا" و"هرم هوارة" و"أطلال مدينة ماضي" و"قصر اللابيرنث" و"هرم اللاهون".
وعن تاريخ معبد قصر قارون يقول رئيس قسم الآثار اليونانية الرومانية بكلية الآثار جامعة القاهرة خالد غريب لـ "اندبندنت عربية" إنه "أحد المعابد المهمة التي ترجع للعصر البطلمي، وعرفت المنطقة التي يقع فيها عبر النصوص القديمة باسم مدينة ديونيسوس، وكان لها ارتباط بصناعة النبيذ، والمعروف أن الفيوم كانت تمثل أحد أكثر المناطق خصوبة في العالم، والمعبد مبني من الحجر الجيري الأصفر وكرس لعبادة ’سوبك‘ الذي كان يصور على هيئة التمساح، ولا يمكن لنا وضع تاريخ محدد للمعبد إذ إنه خال من النقوش إلا نقشاً على واجهة المدخل يمثل قرص الشمس المجنح، إضافة إلى نقش آخر في سطح المعبد يمثل ’سوبك‘ التمساح معبود المعبد وأمامه أحد الملوك، لكن لا يوجد أي نص يشير إلى هوية الملك".
ويضيف غريب، "داخل المعبد عدد من الحجرات التي تقودنا إلى قدس الأقداس حيث توجد ثلاثة مقاصير، وأمكن لبعض دارسي الفلك تحديد موعد سنوي تدخل فيه أشعة الشمس إلى قدس الأقداس، وهو يوم الـ 21 من ديسمبر (كانون الأول)، وإلى جانب المعبد بقايا تحصينات رومانية مشيدة من الطوب وداخلها بقايا ’بازيليكا‘ مسيحية، إذ كانت الفيوم أهم مراكز المسيحية خلال بداياتها في مصر".
ليس له علاقة بقارون
وكرّس المعبد بالأساس للإله "سوبك" لكنه يعرف حالياً بمعبد قصر قارون، مما قد يثير لبساً عند بعض الناس بوجود علاقة بينه وبين قارون الذي جاء ذكره في القرآن الكريم، وفي ذلك يقول غريب "يعرف المعبد باسم قصر قارون نظراً إلى وقوعه إلى الغرب من بحيرة قارون الشهيرة في الفيوم، وليست له أية علاقة بقارون الذي كان من قوم موسي بحسب نص القرآن، كما أن البحيرة نفسها ليس لها علاقة بقارون بل هي تسمية متعارف عليها بين أهالي الفيوم على مدى السنوات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع، "بدأت أعمال الكشف عن المعبد والمدينة منتصف القرن الـ 20، إذ عثر على بقايا منازل لا يزال بعضها يظهر حين نصعد إلى سطح المعبد، وكذلك هناك بقايا حمامات رومانية، وهناك من يعتقد بوجود ممر تجاري من المدينة إلى مناطق الواحات البحرية، ولكن لا يوجد دليل أثري يؤكد ذلك".
هنا تتعامد الشمس أيضاً
ومنذ سنوات تمكن فريق بحثي من اكتشاف ظاهرة تعامد الشمس على قدس أقداس معبد "قصر قارون"، وهي ظاهرة شائعة في كثير من المعابد المصرية، ومع ثبوت الأمر بشكل قاطع تحول إلى احتفال كبير تشهده المحافظة يوم الـ 21 من ديسمبر كل عام.
وعن هذه الظاهرة يقول المتخصص في الفنون والعمارة المصرية القديمة ورئيس الفريق البحثي المكتشف للظاهرة أحمد عوض، "قامت البعثة المصرية – الإسبانية نهاية عام 2007 بقياس ميل المحور الرئيس لـ 330 معبداً ومقصورة مصرية قديمة، وأثبتت الدراسة أن جميع المعابد والمقاصير المصرية القديمة تواجه قرص الشمس، سواء بصورة فلكية مباشرة ذات صلة بالأطوار الشمسية الثلاثة المقدسة في العقيدة المصرية القديمة، وهي الشروق والظهيرة والغروب، أو بصورة رمزية ذات علاقة بالموقع اللاهوتي لشروق الشمس في العقيدة المصرية القديمة، فظاهرة تعامد الشمس أصيلة في تصميم وبناء المعابد، وهي تأكيد للمفاهيم الدينية في إطار معماري يقترن بالشعائر".
ويضيف عوض لـ "اندبندنت عربية" أنه "بشكل عام فإن فنون مصر القديمة لها سمة مهمة جداً وهي الاستمرارية، إذ تتطور باختلاف العصور ولكن بشكل ثابت، فمعابد مصر القديمة شهدت ظاهرة تعامد الشمس، ومعابد العصر اليوناني الروماني التي بنيت في عصور لاحقة ومنها معبد قصر قارون استمرت فيها الظاهرة نفسها، وهكذا فالمنتج المصري الفني والحضاري والمعماري له سياق واحد متماسك، والمفهوم اللاهوتي والرمزي لعمارة المعابد والمقاصير أنه اعتبرها البرزخ السماوي الذي يكفل الوصل المادي بين العالمين السفلي والسماوي، ومن ثم تعد تلك المعابد والمقاصير من وجهة النظر اللاهوتية هياكل بنائية تجسد المعبر الوحيد الذي يسلكه قرص الشمس ومعبوده المقدس في رحلته الليلة والنهارية بين العالمين، رفقة أتباعه من النجوم والمعبودات وأرواح الملوك والأبرار".
سياقات مختلفة للنور الأزلي
ويختلف الهدف من تعامد الشمس على واجهة المعبد أو المقصورة باختلاف الغرض من إنشائه وبحسب السياق العام الذي يعبر عنه، إذ يشير عوض إلى أن "كل معبد من المعابد المصرية هو جملة مكتوبة بشكل معماري وتحمل معنى وهدفاً وينبغي قراءتها بشكل مستقل يناسب سياقها، فأهداف تعامد الشمس على واجهات المعابد والمقاصير تختلف باختلاف وظيفة المكان، فمثلاً تعامد الشمس على الـ ’ماميزي‘ أو غرفة الولادة بمعبد دندرة يكون على باب وهمي يفترض المصري القديم أنه يوصل إلى العالم الآخر، بمعنى الولادة من جديد في العالم الآخر، بينما التعامد في معبد الكرنك يكون على بوابة المعبد وكأنها تضيء المدينة بكاملها، وتعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني بمعبد أبو سمبل له سياق مختلف".
ويوضح عوض أن "بعض المعابد وثقت على جدرانها عملية تعامد أشعة الشمس، مما يدل على أن المعماري المصري القديم فعل هذا عن عمد ولهدف معين وليس بمحض الصدفة على الإطلاق".