"قصر البارون" فرحة ترميم لم تكتمل في مصر

منذ 1 سنة 203

من جديد يعود #قصر_البارون بمنطقة مصر الجديدة بالقاهرة إلى دائرة الضوء مع تداول رواد مواقع التواصل صوراً وفيديوهات للقصر تظهر فيها آثار رشح للمياه على أسواره وجدرانه، بعد عامين من انتهاء عمليات ترميمه وفتحه للجمهور.

وتكلفت عملية ترميم قصر البارون 175 مليون جنيه (5 ملايين دولار) وتضمنت إصلاحات وتجديدات واسعة النطاق، طاولت عناصره الزخرفية مثل النوافذ الزجاجية الملونة والفسيفساء وترميم السمات المعمارية الأصلية للقصر مثل القباب والأقواس والمآذن وغيرها من الأعمال الفنية، وكذلك ترميم حدائقه.

وأنشأ القصر المليونير البلجيكي البارون إدوارد إمبان وصممه المعماري الفرنسي ألكساندر مارسيل عام 1911 على طراز العمارة الهندوسية - الأوروبية، لكنه تعرض للإهمال حتى اشترته الحكومة المصرية عام 2005 لتبدأ في عملية ترميمه عام 2017 من خلال وزارة الآثار وجهات دولية، مثل صندوق الآثار العالمي الذي قدم مليوني دولار.

تضارب بين البيانات

وفي وقت أصدرت وزارة السياحة والآثار بياناً رسمياً لها في شأن الصور المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر آثار رشح المياه على جدران القصر، تباينت آراء خبراء الآثار والمعماريين المتخصصين في ترميم المباني الأثرية.

ويؤكد مساعد وزير السياحة والآثار لمشاريع الآثار والمتاحف والمشرف العام على مشروع القاهرة التاريخية هشام سمير أن حوائط قصر البارون آمنة وسليمة تماماً، موضحاً أن "ما ظهر في الصور عبارة عن بعض رطوبة وأملاح بسبب قرب هذه الأسوار من حديقة القصر التي كانت تروى بالغمر في فترات سابقة، فتشبعت الطبقات الأرضية بالمياه قبل أن نحولها إلى طريقة ري آمنة".

ولا ينكر سمير ظهور أملاح على جدار الأسوار القريبة من الحديقة لكنه يؤكد أنها تعالج أولاً بأول حتى انقطاعها بالطرق الفنية الملائمة، بينما يشير الباحث الأثري ووكيل نقيب المرشدين فرنسيس أمين إلى أن المياه الجوفية في مصر تمثل التهديد الأول للمباني الأثرية بعامة وليس قصر البارون وحسب.

ويقول أمين إن "مصر تعوم علي بحيرة من المياه الجوفية"، لافتاً إلى أن كثيراً من المباني الأثرية مثل مباني وسط البلد التي طالها الترميم تغرق قواعدها أيضاً في بركة من المياه الجوفية، وقصر البارون شأنه في ذلك شأن مختلف الترميمات التي تمت من الخارج للواجهات والأجزاء العلوية فقط، لكنها لم تتناول عملية ترميم الأساسات من خلال الحقن بمواد عازلة بعد حفر فتحات تسمح بمرور تلك المواد السائلة لتصل إلى الفراغات البينية بين حبيبات التربة، ومن ثم تشكل طبقة عزل وحماية بالأسفل للأساسات، لذا من الطبيعي أن يظهر رشح المياه في أسفل الحوائط التي تشبعت بقدر عال من الرطوبة والمياه الجوفية.

ويؤكد أمين أن معالجة أزمة المياه الجوفية ليس أمراً سهلاً وتكلف أرقاماً ضخمة لترميم الأساسات بعملية عميقة ودقيقة بهذا الشكل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويفرق هنا فرنسيس أمين بين حالتين لرشح المياه بالحوائط والواجهات، واختلاف أسباب كل منها عن الأخرى بشكل جذري، فالأولى تكون في الأجزاء السفلية للحوائط وتعود للمياه الجوفية، والثانية في الأجزاء والواجهات العلوية وسببها خطأ في عملية الترميم قد يكون عدم تنفيذ فتحات ومواسير لطرد مياه الأمطار حتى لا تتراكم وتفسد عملية الترميم.

أمين لم يعاين قصر البارون على الطبيعة ليصدر حكماً قاطعاً لكنه يلفت إلى أن سرعة الانتهاء من عملية ترميمه تثير لديه الشكوك بأنها لم تكن عميقة ودقيقة كما يجب، وأنها ركزت على الشكل الجمالي الخارجي فقط.

ويشير الباحث الأثري إلى أن عمليات الترميم لمبنى بهذا الحجم وبتلك الحال تحتاج إلى سنوات طويلة، مستدلاً بما عاصره من ترميم واحد من المباني الأثرية في إيطاليا وقد استغرق قرابة 30 عاماً، ويقول "لدينا عجز كبير في الموارد التي يمكنها تغطية عملية ترميم بدقة وعمق وتصل كلفتها إلى مليارات من دون مبالغة، وهو ما افتقدته عملية ترميم القصر".

علاقة طردية

الباحث في ترميم المباني الأثرية والتاريخية المهندس أحمد المصري يصف عملية ترميم مبنى بحجم قصر البارون بأنها "معقدة وطويلة، بخاصة مع تدهور حاله على مر الزمن، ومن ثم تستوجب مجموعة متنوعة من الأساليب أبرزها التنقيب والتحليل المعماري والحفظ والترميم، للكشف عن الهيكل الأصلي للقصر وتحديد أي قطع أثرية أو معالم يمكن استخدامها لإعادة بناء المبنى، إذ أجرى علماء الآثار أيضاً مسوحات للمنطقة المحيطة لتحديد الهياكل أو الميزات الأخرى التي ربما كانت موجودة في حال القصر الأولى".

ويضيف المصري أن "التحليل المعماري لتحديد أفضل السبل لاستعادة التصميم والتخطيط الأصليين للقصر يتضمن درس الوثائق التاريخية والصور الفوتوغرافية ومصادر المعلومات الأخرى حول تصميمه للحفاظ على العناصر الموجودة فيه مع استعادة أي عناصر تالفة أو مفقودة، والعمل على التأكد من أن أي مواد جديدة مستخدمة في عملية الترميم كانت متوافقة مع المواد الموجودة حتى لا تتلفها أكثر بدلاً من إصلاحها".

وأوضح المصري أن "عملية الترميم تعمل على إعادة أكبر قدر ممكن من التصميم والتخطيط الأصلي، وتتضمن عدداً من الخطوات بما في ذلك تنظيف وإصلاح الهياكل القائمة واستبدال العناصر التالفة أو المفقودة بأخرى جديدة تتناسب والتصميم الأصلي، مع استعادة أية عناصر زخرفية فقدت أو تضررت بمرور الوقت، ويعمل فريق الترميم أيضاً على التأكد من أن جميع المواد المستخدمة أصلية وتناسب الفترة التي تم فيها بناء القصر".

وأشار المصري إلى طرق عدة يمكن من خلالها استعادة أعمال البناء المتدهورة، مثل إعادة الدهن والترقيع والحشو، وأيضاً العلاج بالحقن وغيرها من الأساليب التي يعرفها المتخصصون، منوهاً إلى أن هناك جوانب من التصميم الأصلي لا يمكن تكرارها بسبب نقص المعلومات المتاحة عنها في الوقت الحالي.

وينصح المصري بعدد من التدابير الاحترازية لعدم تعرض القصر إلى التدهور مرة أخرى، مؤكداً أن عملية الترميم وحدها ليست كافية للحفاظ عليه، بل يجب إجراء أعمال الصيانة والتفتيش الدوريين للوقوف على أية مشكلات محتملة قبل أن تصبح أكثر خطورة، كما يجب تنظيف القصر بانتظام وإزالة أي حطام أو أوساخ لمنع مزيد من الضرر، إضافة إلى وجوب حماية القصر من العناصر الطبيعية من طريق تركيب وسائل مقاومة للعوامل الجوية مثل الأسقف وأغطية النوافذ والعزل وملء أي شقوق أو فجوات في الجدران أو الأساسات بمادة مانعة للتسرب ومناسبة لتمنع المياه من إتلافها.

خلفيات فنية وتاريخية

ويشير المؤرخ ممدوح الششتاوي إلى أن هناك خلفيات فنية دقيقة لها مرجعية علمية لا يمكن فهمها للعامة، ومن الطبيعي أن يحدث جدل حول مكان بهذا الحجم له عدد من الذكريات لدى كثيرين ويشكل جزءاً من تاريخنا، لكن كل هذا مردود عليه، فليست كل الانتقادات في محلها مثل ألوان القصر التي نالها نقد واسع وهاجمها كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي، على رغم أنها الألوان الأصلية لقصر البارون بحسب التحقق بالأساليب العلمية الدقيقة من قبل المتخصصين، سواء من اختبارات وتحاليل وتوثيق فوتوغرافي، بل وأثبتتها مسبقاً الوثائق التاريخية المتعلقة بالقصر، إذ إن ألوانه مستوحاة من معابد القرن الـ 12 شمال الهند، وأكدت ذلك إيميلي دارشوت في كتابها

 (LE ROMAN D'HELIOPOLIS) ، إذ وثقت من خلال دراسات علمية أن ألوان القصر يغلب عليها اللون الأحمر المحروق، وذلك راجع لحب البارون إمبان للحضارة الهندية ورغبته في تمييز قصره عن باقي المباني التي شيدت في المنطقة وكان يغلب عليها اللون الترابي.

ويوضح الششتاوي أن عملية ترميم بهذا الحجم يشرف عليها فريق من المتخصصين في الحفاظ على الآثار التاريخية ومهندسون معماريون ومؤرخون فنيون وعلماء ترميم وآثار ومهندسو مناظر طبيعية، وغيرهم من المتخصصين الذين يعملون معاً لضمان اكتمال جميع جوانب الترميم بعناية واهتمام بالتفاصيل.

ويشير الباحث التاريخي إلى أن القصر ظهر في عدد من الأفلام والبرامج التلفزيونية والكتب على مر السنين، واستخدم كمكان لإقامة الحفلات الموسيقية والمعارض وغيرها من الأحداث، وفي عام 2010 أدرج كموقع للتراث العالمي لـ "يونيسكو".

وأشارت القائمة إلى أن القصر "يمثل نموذجاً استثنائياً للعمارة في القاهرة" وأنه "مثال بارز على التخطيط الحضاري خلال القرن الـ 19".

ويضيف، "احتفت عدد من الصحف العالمية بقصر البارون مثل  (The New York Times) و(The Guardian) و(Le Monde)، كما تم عرضه في برامج تلفزيونية مثل مسلسل (Egypt Unwrapped) الذي يعرض على قناة National Geographic ومسلسل (Wonders of the World) على قناة BBC"".

وركزت معظم الدراسات والمعالجات الأكاديمية على تاريخ القصر وهندسته المعمارية وترميمه، كما تناولت تأثيره على المجتمع المحلي وأهميته الثقافية، وربما كانت الدراسة الأكثر شمولاً تلك التي أجريت من قبل فريق من الباحثين من الجامعة الأردنية في عمّان عام 2010، وتناولت تاريخ القصر وخصائصه المعمارية وعملية ترميمه وكيفية استخدامه مع مرور الوقت وتكييفه مع الحاجات المتغيرة، وخلصت الدراسة إلى أن قصر البارون موقع تراثي ثقافي مهم يجب الحفاظ عليه للأجيال المقبلة من خلال عدد من التدابير الوقائية.