قصة أول كنيسة كاثوليكية في أفريقيا باتت أيقونة التعايش في الجزائر

منذ 11 أشهر 116

لا يمكن للزائر أن يدخل الجزائر العاصمة من دون أن يلاحظ تلك الكنيسة الشامخة فوق جبل يطل على البحر الأبيض التوسط، إنها "السيدة الأفريقية" التي تأسست عام 1872 ولا تزال تفتح أبوابها للأقلية المسيحية والزوار، وهي ترمز إلى التعايش الديني وحرية ممارسة الشعائر الدينية في البلاد.

طراز بيزنطي وزخارف عربية إسبانية

تقع "السيدة الأفريقية" الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في منطقة باب الواد، أشهر الأحياء الشعبية في العاصمة الجزائر، فوق جبل يعلو 228 متراً عن سطح البحر، واستغرق بناؤها 14 عاماً كاملاً بدءاً من 1858 تحت إشراف المهندس المعماري الفرنسي جان أوجين فرومجو الذي اعتمد على الطراز البيزنطي وزخارف عربية- إسبانية، وبذلك تعتبر من أشهر كنائس منطقة المتوسط والعالم، وأول كنيسة كاثوليكية تشيّد في أفريقيا.

تعود تسمية الكنيسة لسيدة أفريقية صاحبة بشرة سوداء تدعى مارغريت بيرغر، وهي الخادمة المسيحية التي قدِمت برفقة الأسقف بافي من مدينة ليون الفرنسية إلى الجزائر عام 1836، من أجل تشييد أول كنيسة في أفريقيا، وتوفيت عام 1857.

وعلى رغم رفض المشرف على "السيدة الأفريقية" السماح لنا بالتصوير داخل الكنسية لأسباب أمنية، إلا أن هندستها وبناءها يرويان كثيراً عن الديانة المسيحية، فعلى يسار الساحة الداخلية تقابلك لوحة حجرية نقشت عليها العبادة المريمية في شمال أفريقيا خلال القرن الأول، بينما نحت على أخرى اسم السيدة مريم وسط نقوش جميلة، إضافة إلى كتابات وصلوات بالعربية والفرنسية والأمازيغية. وتعلو الكنيسة قبة كبيرة مزينة بالزجاج الملون، إلى جانبها تمثال للقديس أغسطينوس مع صور جدارية تبين مراحل حياته، وصلاة كتبت منذ قرن "يا سيدة أفريقيا صلي من أجلنا ومن أجل المسلمين".

WhatsApp Image 2023-12-07 at 16.40.35.jpeg

تعلو الكنيسة قبة كبيرة مزينة بالزجاج الملون (اندبندنت عربية)

رمز التعايش والتضامن

وتبقى "السيدة الأفريقية" رمزاً للتعايش السلمي بين الحضارات والتضامن بين الديانات في الجزائر، إذ استجاب خلال الساعات الماضية حوالى 200 شخص، من بينهم دبلوماسيون وممثلون عن جمعيات مختلفة، لدعوة الكنيسة الكاثوليكية إلى الالتقاء والصلاة من أجل السلام في قطاع غزة، وقال رئيس أساقفة الجزائر العاصمة جان بول فيسكو "أردنا تنظيم يوم للصوم والصلاة من أجل السلام وإنهاء القتال، إنه يوم صلاة تضامناً مع جميع سكان غزة"، مشدداً على النية الجماعية وراء التجمع.

وكان من بين الحضور السفير الفرنسي ستيفان روماتي والسفير الفلسطيني فايز محمد محمود أبو عيطة ورئيس الجمعية الجزائرية "عابر السلام" يوسف مشرية.

وعلى رغم ما عكسته الخطوة عن تعزيز روابط التضامن والتعايش، غير أن تقارير الحريات الدينية التي تصدر بصورة خاصة عن وزارة الخارجية الأميركية لم تخلُ من انتقاد وضعية المسيحيين في الجزائر، وهو ما أشارت إليه واشنطن في آخر وثيقة لـ2022، تقول فيها إن "هناك انحيازاً من المحاكم الجزائرية في القضايا العائلية، تحديداً الطلاق ضد المتحولين عن الإسلام"، منتقدة "منع السلطات الجزائرية التبشير بالمسيحية، ودعوتها الكنائس إلى تقليص عدد من الأنشطة مثل توزيع الكتب المسيحية وإقامة مناسبات خاصة بالطائفة المسيحية".

WhatsApp Image 2023-12-07 at 16.40.35(1).jpeg

هندسة الكنيسة وبناؤها يرويان كثيراً عن الديانة المسيحية (اندبندنت عربية)

غياب أرقام رسمية؟

وبعد استقلال الجزائر عام 1962، تم إجلاء حوالى 800 ألف إلى فرنسا، غالبيتهم من المسيحيين أو اليهود، بينما اختار نحو 200 ألف البقاء في الجزائر، وعاشوا في سلام وهدوء إلى جانب الجزائريين لحين الأزمة الأمنية التي عرفتها البلاد عام 1992، حيث باتت أعمال العنف والقتل تسيطر على المشهد العام، مما أدى إلى فرار الجميع نحو وجهات مختلفة، ومن بينهم المسيحيون الذين غادروا البلاد على نطاق واسع.

وفي 2009، أحصى مكتب الأمم المتحدة حوالى 45 ألفاً من أتباع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، القسم الأكبر منهم من ذوي الأصول الأوروبية ممن سكنوا البلاد إبّان الاستعمار ويتركزون في العاصمة والمدن الكبرى، وعشرات آلاف البروتستانت من ذوي الأصول الأوروبية يعيشون في الجزائر، بينما تشير إحصاءات إلى أن عدد البروتستانت في الجزائر بين 100 إلى 150 ألفاً، القسم الأكبر منهم من أصول جزائرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اعترافات

إلى ذلك، يعتقد الحقوقي عابد نعمان بأن الحرية الدينية هي حرية ممارسة الشعائر والعبادات، وهذا مرجعه الشريعة الإسلامية، وتم اعتماده مبدأ في الدساتير، وتنص القاعدة الدستورية على حرية ممارسة العبادات وفق المادة 51 التي تذكر أن لا مساس بحرمة حرية الرأي وأن حرية ممارسة العبادات مضمونة وتمارس في إطار احترام القانون، مضيفاً أن المادة الدستورية ألزمت الدولة حماية أماكن العبادة من أي تأثير سياسي أو أيديولوجي، والحرص على حياة غير المسلمين وعباداتهم بقدر الحرص على عدم السماح لهم بأن يشكلوا خطراً على المسلمين، وقال "يجب أن نفرق بين ممارسة العبادة في مكان مخصص وبين النشاط التبشيري في مكان عام تحت غطاء الاحتفال".

وصرح أسقف الجزائر السابق المطران بول ديفارج خلال توليه مهماته، بأن "حرية ممارسة الشعائر الدينية يكفلها ويضمنها القانون الساري في البلاد"، مشيراً إلى أن "الكنيسة الكاثوليكية في الجزائر تدير أماكنها المخصصة  للعبادة التي يعترف بها القانون".

"حرية العقيدة"

وجاء في المادة 36 من الدستور الجزائري أن "حرية العقيدة والرأي مضمونة"، وورد في المادة 29 أن "كل المواطنين سواسية أمام القانون، ولا يمكن أن يتذرع بأي تمييز يعود سببه للمولد، أو العرق، أو الجنس، أو الرأي، أو أي شرط أو ظرف آخر، شخصي أو اجتماعي".

وتنص المادة 42 على أن "حرية ممارسة الشعائر الدينية مضمونة في ظل احترام القانون"، إضافة إلى أن "الدولة الجزائرية التي تدين بالإسلام تضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية في إطار احترام أحكام الدستور والقوانين والتنظيمات السارية المفعول"، وتشير المادة 3 إلى أن "الجمعيات الدينية لغير المسلمين تستفيد من حماية الدولة".