"نحن قصار قامة، وهبنا الله الذكاء وخفة الدم وندخل القلوب سريعاً، نحب الخير لغيرنا، ونفرض أنفسنا في المجتمع"... بهذه العبارات يصف محمد بعلي، وهو من فئة قصار القامة في الجزائر، هذه الشريحة، ويروي قصته وأحلامه التي تجاوزت حدود وضعه الصحي، ويسلط الضوء على فئة ظلت تعيش على الهامش في المجتمع الجزائري.
وعلى رغم ارتباط قصار القامة بالنظرة الدونية والشفقة وسوء أوضاعهم الاجتماعية والنفسية، فإن بعضهم قرر كسر هذه الصورة النمطية، كما حال محمد بعلي الذي لم يتردد في الحديث إلينا عن آماله وآلامه التي رافقته منذ ولادته، وكيف اكتشف في طفولته أنه سيكون واحداً من ذوي القامات القصيرة.
مسار يومي
ويقول "الطفولة مرحلة ممتعة بكل فتراتها... قبل الالتحاق بالمدرسة أمضيت حياة ملؤها اللعب أسوة بباقي الأطفال، إلى حين دخولي المدرسة في اليوم الموعود"، بحسب تعبيره. ويضيف "بداية التفوق كانت في السنة الثانية حين بدأت أنافس زملائي على المراتب الأولى، واجتزت مرحلة الابتدائي بتفوق، وفي المرحلة المتوسطة حصلت على لقب (زعيم المتوسطة) بفضل المديرين والأساتذة الذي قدموا لي الدعم الكامل، إلى جانب أصدقائي في فترة الثانوية".
ويقول محمد بعلي، إن التحاقه بالجامعة بعد حصوله على شهادة البكالوريا، فتح له آفاقاً جديدة في مجال الاستثمار في تطوير الذات، مضيفاً "حقيقة شكلي وابتسامتي حببت كثيراً من الناس في شخصي، حيث كونت قاعدة جديدة في الصداقات والمعارف لأنني كرَّست نفسي لمساعدة الطلبة في الدراسة".
تغيب الإحصاءات الرسمية لعدد قصار القامة الإجمالي على المستوى الوطني (اندبندنت عربية)
أحلام مؤجلة
ويقضي محمد أيامه بين العمل والبيت في تحضير الدروس من مذكرات والكراسات اليومية وتحضير الوسائل التعليمية الخاصة بالطور الابتدائي كونه يعمل كأستاذ متعاقد، لذا يقضي وقته بتحضير دروس طلبة الجامعة التي يعمل فيها بشكل موقت، ويخصص الوقت المتبقي للعائلة والأصدقاء.
ويضيف أنه لم يحقق حلمه بعد كممثل كوميدي، نظراً إلى نقص الفرص، وكباحث في اللغات.
ويؤكد "خلال كل مساري الدراسي قصر قامتي لم يكون يوماً عائقاً بالنسبة لي، لأنني لم أكن أحمل حقداً تجاه أحد وقلبي رحب واسع وكبير".
وفي غياب إحصاءات رسمية حول عدد فئة قصار القامة في الجزائر، لا يزال هؤلاء يعانون مشكلات عدة في الحياة اليومية تؤرق معيشتهم في ظل غياب تكفل حقيقي بهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أرقام مجهولة
ويقول حسين بلحاج، رئيس جمعية محلية تعنى بفئة قصار القامة في الجزائر، إن قصار القامة أو ما يعرف لدى المتخصصين بـ"متلازمة لارون" تصنف في الدول المتقدمة كنوع من الإعاقة، باعتبارها مرضاً وراثياً ناتجاً عن خلل في هرمون النمو، من ثم نقص هرمون آخر يفرزه الكبد وهو شبيه بالأنسولين، يحفز نمو الخلايا، مما يؤدي إلى قصر شديد في القامة.
ويوضح بلحاج في حديث لـ"اندبندنت عربية" أن غياب الإحصاءات الرسمية بخصوص العدد الإجمالي لهذه الفئة على المستوى الوطني، يعوق التكفل بها، مشيراً إلى أن إحصاءات المنظمة العالمية للصحة تفيد بوجود حالة واحدة بين كل 60 ألف نسمة.
وأضاف حسين الذي ينشط في المسرح الجهوي لمحافظة سيدي بلعباس (غرب الجزائر) ويقدم عروضاً مسرحية، أن "هناك من لديهم قصر قامة حاد يؤدي إلى اعوجاجات في الهيكل العظمى وتعقيدات صحية كبيرة، وهذه الحالات قد تؤدي إلى وفيات مبكرة"، مستدركاً أن تلك الفئة عددها قليل وبإمكان السلطات المعنية التكفل بهم، البعض منهم تتكفل بهم عائلتهم فيما تبقى أعداد قليلة منهم يعيشون في ظروف صعبة في مناطق نائية تعاني مشكلات فقر، مما يمنعهم من الالتحاق بمقاعد الدراسة ومواصلة التعليم أو نيل شهادات عليا.
إحصاءات المنظمة العالمية للصحة تفيد بوجود حالة واحدة بين كل 60 ألف نسمة (اندبندنت عربية)
مطالب عالقة
وأفاد بلحاج وهو واحد من فئة قصار القامة ويعاني من تعقيدات صحية وأزمة ربو حادة، بأن الجمعية التي يترأسها تعد الوحيدة من نوعها في الجزائر أبصرت النور عام 1995، إلا أنها لم تتمكن من العمل بشكل يمثل هذه الفئة على نطاق واسع، بسبب غياب إطار قانوني يحميها أو يدمجها مع ذوي الحاجات الخاصة.
وعدد المتحدث جملة من المطالب التي لا تزال عالقة تنتظر استجابة السلطات، على رأسها الاستفادة من بطاقة الإعاقة التي تمنح هذه الفئة الأولوية في الحصول على بعض الخدمات العمومية، إضافة إلى ضرورة إدماج هذه الفئة داخل المجتمع عبر توفير مناصب عمل وتكوين للقادرين على العمل، ومنح لمن لا يستطيع الشغل، وإدماج حاملي الشهادات العليا مباشرة في مناصب عمل باعتبار أنهم قدموا تضحيات كبيرة طوال مسارهم التعليمي بالنظر إلى وضعهم الصحي.
كما طرح حسين بلحاج مشكلة التقاعد لفئة قصار القامة الذين يجدون أنفسهم يشتغلون حتى بلوغ سن 60 سنة للإحالة إلى التقاعد، وهو ما يعتبره بالمجحف في حق هؤلاء بالنظر إلى وضعهم الصحي، داعياً إلى إعفائهم من شرط السن وتمكينهم من معاش تقاعد نظير فترة عمل لا تتجاوز 20 عاماً فقط عوضاً عن 30.