"قرطاج يجب أن تدمر"... قميص زوكربيرغ يثير جدل التونسيين

منذ 6 أشهر 95

ملخص

"ببساطة أصبحت العبارة المدونة على قميص زوكربيرغ مشهورة لأن كاتو الأكبر كان يختم بها خطبه كلها في برلمان روما مهما كان الموضوع، حتى إن تحدث عن الطقس".

أشعلت صور نشرها مؤسس منصة "فيسبوك" مارك زوكربيرغ بمناسبة احتفاله بعيد ميلاده الـ40 مواقع التواصل الاجتماعي في تونس، بسبب عبارة كتبت على قميصه باللغة اللاتينية "قرطاج يجب أن تدمر".

واختار زوكربيرغ أن يظهر بقميص أسود كتب عليه باللغة اللاتينية "يجب أن تدمر قرطاج"، مما أغضب بعض التونسيين الذين اعتبروه تهديداً مباشراً لبلادهم بحكم أن قرطاج هي مدينة الحكم التاريخية.

تراوحت ردود فعل النشطاء على منصات التواصل الاجتماعي على صورة مارك زوكربيرغ بين السخرية والتأويل، وذهب بعضهم أنه ليس من باب الصدفة أن يرتدي شخص بشهرته قميصاً من دون أن يعلم فحوى ما كتب عليه، مرجحين أن ذلك يحيل إلى "مؤامرة تستهدف تونس"، بحسب اعتقادهم.

أهل مكة أدرى بشعابها

تعليقاً على الصورة كتب أستاذ علم الاجتماع معاذ بن نصير تدوينة اعتقد فيها أنه "ليس من باب الصدفة أن يرتدي مارك قميصاً مكتوباً عليه يجب أن تدمير قرطاج"، كما اعتبر كثر غيره أن الأمر مدبر وعلى الدولة التونسية الرد على "تهديد مباشر".

إلا أن أستاذ الصحافة التونسي محمد شلبي يرى أن الأمر لا علاقة له بتونس، وقال "ببساطة أصبحت العبارة المدونة على قميص زوكربيرغ مشهورة، لأن كاتو الأكبر كان يختم بها خطبه كلها في برلمان روما مهما كان الموضوع، حتى إن تحدث عن الطقس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف شلبي "كان الرجل منزعجاً من قوة قرطاج التي يراها خطراً على روما، وسخر حياته لضرورة الحرب البونيقية الثالثة التي دمرت قرطاج"، موضحاً أن العبارة المتداولة في الغرب تشير إلى الثبات على منهج تدمير العدو ولا علاقة لها الآن بقرطاج التونسية، فقولها عند الحديث عن أوكرانيا مثلاً، من منظور معاد لروسيا، يعني ضرورة هزيمة بوتين، وقولها عن الموضوع نفسه من منظار مساند لروسيا معناه ضرورة هزيمة زيلينسكي"، مفسراً أنها "أصبحت اليوم مضرب أمثال، قولنا قميص عثمان اليوم لا يعني ثوب ابن عفان".

في السياق ذاته قال الكاتب شفيق طارقي إن "قرطاج في ما كتب على قميص مارك اسم علم لا يدل على التعيين، بل يخرج عن مقتضاه ليتجاوز الإخبار إلى الإيحاء"، مضيفاً أن "مثل ذلك قولك كل الطرق تؤدي إلى روما، وأنت لا تقصد روما، بل الحديقة أو أية مدينة أو منزلك".

وأضاف طارقي "يسري هذا على الأعلام للأعيان فسقراط ليس الفيلسوف في سياقات كثيرة، بل هو كل ما يوحي بتدبر الأمور فكرياً"، وفي قولنا "أهل مكة أدرى بشعابها" لا تدل مكة على مكة، بل إنها لا تدل على المكان، وعليه فاللغط حول ما كتب لا معنى له، فأسماء الإعلام تنزاح بدلالتها عن التعيين إلى غير ذلك مما يبرره السياق".

قرطاج... حضارة قارعت روما

وفي باب التأويلات المختلفة التي أثارتها صورة الثري الأميركي مارك زوكربيرغ رأى بعضهم أن على تونس استغلال هذا الأمر لمزيد من الترويج لمدينة قرطاج الساحرة والتعريف بها.

وقال الصحافي طارق الغيزاني "بغض النظر عن حقيقة الدلالات الرمزية وراء العبارة اللاتينية، فإن الخطاب الذي يسوق بأن قرطاج غير معروفة في العالم ويضع الآخر كمعيار للمعرفة، هذا فيه كثير من التقزيم الذاتي وعدم معرفة والدليل ما كتب في قميص مارك".

وأضاف الغيزاني "يوجد من لا يعرف قرطاج التاريخية أو لم يطلع عليها في أي نص أو بحث حتى بشكل عرضي، فهذا بحسب رأيي الشخصي يعكس حالاً من الجهل المعرفي المدقع، ليست قرطاج أو تونس مسؤولة عنه، ربما لأسباب ثقافية روما أكثر انتشاراً في الغرب، لكن أهم جزء من تاريخ روما مرتبط بقرطاج القوة الأسبق تاريخياً في حوض المتوسط، والجنرال العبقري حنيبعل".

والعبارة هي في الأصل عبارة خطابية لاتينية صرح بها كاتو الأكبر، وهو سياسي مشهور في الجمهورية الرومانية. ونشأت المقولة من المناقشات التي دارت في مجلس الشيوخ الروماني قبل الحرب البونيقية الثالثة (149-146 قبل الميلاد) بين روما وقرطاج، إذ قيل إن كاتو استخدمها كخاتمة لكل خطاباته من أجل الدفع للحرب بعد أن انتصروا في الحرب البونيقية الثانية، وبعد ما بعث مخبرين لقرطاج وعرف أنها ستعود أقوى إن لم تدمر، وفعلاً دمرت قرطاج وعلى رغم المحاولات المتكررة فشلت في العودة أقوى لليوم.

وقرطاج اليوم هي مدينة تاريخية وساحلية، وتقع على بعد 15 كيلومتراً شرق العاصمة، كما يسمى القصر الرئاسي في البلاد "قصر قرطاج"، وصنفت "اليونيسكو" هذه المدينة تراثاً عالمياً منذ عام 1979، وعرفت قرطاج بقائد تاريخي كبير هدد روما في أوج قوتها هو حنيبعل، لكن تاريخ قرطاج يعود لما قبل حنيبعل.

وأسس الفينيقيون مدينة قرطاج عام 814 ق م، وتحديداً على يد الأميرة عليسة التي جاءت فارة من مدينة صور بلبنان، وسميت المدينة "قرت حدشت"، وتعني "مدينة جديدة".

وشهدت قرطاج نهضة في الصناعات والفنون والعلوم، وباتت حضارة تقارع روما في الضفة الأخرى من المتوسط، وهو ما لم يرق لروما فجاء قرار "تدمير قرطاج"، وحرص الرومان بعد حروب طويلة على ألا يبقوا شيئاً من قرطاج التي تجرأ قائدها حنيبعل على التحدي، وقاموا بعد تدميرها واستعمارها على تأسيس مدينة أخرى رومانية على أنقاضها، لكن إلى اليوم يعتبر التونسيون أن قرطاج حضارة مستقلة وليست رومانية.