أطلق الحكم صافرة البداية، وتعالت هتافات المشجعين التي ضجت بها الصالة الرياضية، فاللعبة ليست تقليدية، إذ إن اللاعبين من قصار القامة، لكنهم ينافسون فريقاً يضم أشخاصاً عاديين، وهي المرة الأولى التي تنظم فيها مباراة كرة قدم لهذه الفئة في قطاع غزة.
على وقع الأجواء الحماسية التي خلقها الجمهور الذي جاء ليشاهد تفاصيل استعداد فريق قصار القامة للمباراة، نزل اللاعبون ذوو الزي الأحمر إلى الملعب لإجراء بعض تمارين اللياقة وكانوا صفاً واحداً، وما أن لامسوا العشب الأخضر حتى هتف المشجعون "يلا بدنا قوول".
تأسيس فريق
في غزة، يعاني قصار القامة من عدم وجود مؤسسات تحتضنهم، وضعف الاهتمام الرسمي بهم، على رغم أن القانون الفلسطيني يصنفهم أنهم أشخاص ذوو إعاقة، وحول ذلك قال الناشط في مجال الإعاقة منسق فريق كرة القدم لقصار القامة بغزة هيثم السقا، إن "عدم تقبل فئة قصار القامة وحرمانهم من الفرص الحقوقية أثر فيهم بشكل كبير، فتلك النظرة تؤثر في المشاركة المجتمعية وإمكان وصولهم للخدمات كالصحة والتعليم والوظيفة".
رفضوا أن تمنعهم إعاقتهم من ممارسة الكرة (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)
لم يستسلم قصار القامة لواقعهم في غزة، ورفضوا أن تمنعهم إعاقتهم من ممارسة اللعبة الشعبية، فقد اجتمعوا معاً وقرروا تشكيل فريق كرة قدم خاص بهم أطلقوا عليه "منتخب فلسطين لقصار القامة" وبات معترف به من هيئة الشباب والرياضة (مؤسسة حكومية)، وجرى ذلك على أمل أن يفتح لهم ذات فرصة المشاركة في بطولات دولية، إذ أوضح السقا أن هذا التجمع غير حياته، وأصبح من خلاله يشعر بالاهتمام.
وأضاف السقا "منذ سنوات ونحن نمارس هذه الرياضة كهواية، ونلعبها مع أصدقائنا في الحي، لكننا لأول مرة نشعر بكيان يجمعنا ضمن فريق واحد، ويحقق لنا الأمل بمشاركة مجتمعية، وهذا أول كيان ينقلنا في ممارسة الرياضة من الهواية إلى الاحتراف، إنه تحول إيجابي كبير".
تدريب وإحماء
في طرف الملعب كان علاء من فريق قصار القامة يجهز نفسه، بينما كان المدرب يضع القطع البلاستيكية التي تأخذ شكل أقماع وسط الصالة الرياضية، وأعطى إشارة إلى بدء الركض تجاهها، فيما أكد الشاب الذي يبلغ طوله 1.18 متر أن هذه الخطوة تدل على الاهتمام بهذه الفئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ركض علاء من جانب القمع، وتوالى خلفه بقية الفريق، ثم استلقى على الأرض، وبدأ يمارس تمارين ضغط الصدر مع بقية فريقه، لافتاً إلى أن هذا الإحماء صعب عليهم، لكنه يعمل على تقوية عضلات أجسادهم وتأخير الإرهاق أثناء اللعب.
من غير الواضح وجود إحصائية رسمية عن أعداد قصار القامة في قطاع غزة، لكن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أورد عام 2019، أن تسعة في المئة من الأطفال دون سن الخامسة في قطاع غزة يعانون قصر قامة بصورة متوسطة أو حادة.
سماع صافرة الحكم أوقفت تمارين اللياقة، ففهم اللاعبون قصار القامة أن عليهم الاصطفاف لبدء المباراة، ومباشرة انتشروا على أرض الملعب كل واحد منهم يعرف مكانه ومهامه، لكن الخوف يعتلي ملامحهم، إذ يوضح علاء أن كرة القدم إحدى الرياضات التي تتطلب طولاً طبيعياً لممارستها، لكن هذا لن يكون معضلة أمامهم.
مباراة حماسية
تنطلق المباراة، ويركض علاء الذي يلبس زياً رياضياً كاملاً مناسباً لحجمه، نحو كرة القدم ويركلها إلى وسط الملعب، وبصوت صاخب يقول "يجب أن أبدع وأسجل هدفاً هذا حلمي"، مباشرة تسلم مهاجم الفريق وبدأ يمرر بها قبل أن يحاول تسجيل هدف.
في خضم تمريرات المهاجم وقع نظره مرة أخرى على علاء فأرسل له الكرة مرة ثانية، مباشرة استحوذ عليها وهم بالتسديد صوب المرمى، لكن فريق الخصم اعترضه وحرمه من تسجيل هدف، فلم يفقد الشاب الأمل وحاول مرة ثانية حتى نجح.
يقود علاء هجمة عكسية بمساعدة رفاقه وحين يصل إلى منطقة الجزاء يسدد بقدمه ركلة طويلة تستقر في زاوية المرمى، يصرخ الجمهور فرحاً "قووول"، على وجه السرعة يتوجه قصار القامة نحو بعضهم للاحتفال بهدف التقدم.
فرحة وأمل
الفرحة عمت فريق القصار وتبادلوا الأحضان، فيما يؤكد علاء أنه كان يشعر "بالضجر وفقدان الأمل لأنه من قصار القامة، لكن عندما انضم إلى الفريق تغير مجرى حياته، وأصبح يسعى إلى تحقيق حلمه وتمثيل فلسطين رياضياً".
انتهت المباراة بتقدم فريق قصار القامة واستغرقت 45 دقيقة، والجهد الذي بذله اللاعبون كان مضاعفاً لعدم مراعاة الملعب احتياجات اللاعبين البدنية.
تعاني فرق قصار القامة في غزة من عدم وجود ملاعب خاصة بهم، فيمارسون تمارينهم في ملاعب بلديات المحافظات يوماً واحداً في الأسبوع، وهو غير كاف، إضافة إلى قلة الموارد المالية لتغطية احتياجات التدريب.
فرصة كروية
حول الفريق، قال مدربه محمد زقوت "هذه المرة الأولى التي ستتاح فيها الفرصة لقصار القامة للعب كرة القدم بطريقة منظمة، إن ممارستهم الرياضة لم تكن سهلة لاعتبارات صحية وبدنية، لكن بدأت مرحلة التدريب مع الفريق بالتسلسل، واحتاجوا تمارين مكثفة للياقة البدنية، ومنهم من واجه الإجهاد والتعب، إذ من الضروري متابعتهم ومراعاة أن لديهم ضيق تنفس".
من جهته أكد رئيس جمعية فلسطين لكرة القدم فؤاد أبو غليون أنهم لا توجد لديهم معرفة صحية كاملة بحالة قصار القامة، كقوة تحملهم لصدمات الكرة ولياقتهم في الملعب أو قدرتهم على التعامل السريع، لكنه أشار إلى أن عاملين صحيين من الخارج يزورون غزة للإشراف عليهم وضمان عدم تأثير المباريات في صحة الفريق.