بقلم: يورونيوز • آخر تحديث: 07/12/2022 - 18:30
الرئيس الصيني شي جيتغ بين - حقوق النشر Jack Taylor/AP
قبل أسابيع فقط كان القادة الصينيون يتمسكون بسياسة صفر كوفيد مهما كان الثمن، لكن الاحتجاجات ضد إجراءات الإغلاق والتباطؤ الاقتصادي الذي تسببت به دفعت الرئيس شي جينبينغ الى التراجع بشكل جذري عن هذه الإجراءات الصارمة التي تحمل بصماته.
اعتبر شي سياسة صفر كوفيد بمثابة انتصار، وروّج لها على هذا النحو مدعيا أن بلاده وضعت "الناس وحياتهم في المقام الأول" في ما يتعلق بالوباء، بحيث باتت هذه الإجراءات القاسية فوق النقد. لكن أعلى هيئة صحية في البلاد اعلنت الاربعاء عن تخفيف واسع النطاق للإجراءات "لمواكبة تغيّر الأزمنة".
وتغيّر الأزمنة يشمل الاحتجاجات التي لم تشهدها الصين منذ عقود، والتي توسعت لتتحول إلى دعوات لحريات سياسية أوسع بعد أن وصل الإحباط من القيود الصحية الى ذروته في الشارع الأسبوع الماضي.
تغيير الخطاب الإعلامي
وقال دان ماكلين محلل المخاطر السياسية في شنغهاي لوكالة فرانس برس إن الحزب الشيوعي "يسعى الآن لتبني هذا التغيير أمام الرأي العام، وبالتالي تعزيز شرعيته لدى الجماهير". وأضاف "بشكل أساسي، يريد أن يُنظر إليه على أنه يدفع بالاتجاه الجديد، بدلا من تتوجه اليه موجة السخط".
وبالفعل فقد تغيرت الرسائل الإعلامية للدولة بشأن كوفيد بعد التظاهرات، على الرغم من تسجيل الصين أرقاما قياسية لإصابات كوفيد. فالسلطات الآن باتت تركز على ضعف المتحورة أوميكرون، بعد أن كانت في السابق تبرز مخاطر كوفيد وتستند الى مشاهد الفوضى التي تسبب بها الوباء في دول العالم.
وأوضحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماو نينغ الأربعاء أنه "في مواجهة الوضع الجديد والمهام الجديدة للوقاية من الوباء ومكافحته، أجرت الصين تعديلات على سياسات السيطرة على الوباء، وأظهرت عقلية +البحث عن الحقيقة بين الوقائع+ ومواكبة تغيّر الأزمنة".
تحد للسلطات
قدم شي نفسه على أنه منخرط بعمق في تطوير سياسة صفر كوفيد. وتجلت مخاطر هذا النهج في الاحتجاجات في شنغهاي، عندما هتف بعض المتظاهرين "يسقط شي جينبينغ".
وقالت جاين دوكيت مديرة المركز الاسكتلندي لأبحاث الصين في جامعة غلاسكو لوكالة فرانس برس إن التظاهرات "من المرجح أنها دقت ناقوس الخطر لدى القادة ودفعتهم للاستنتاج بأن الاستياء يتصاعد بشكل خطير".
وقال ستيف تسانغ مدير معهد "سواس" الصيني بجامعة لندن إن رفع الإجراءات كان ردا على "الوضع المتغير الذي بدأ يبدو أنه يمكن أن يصبح تحديا لسلطة شي و (الحزب الشيوعي)، ولهذا السبب هم يستجيبون بسرعة وبقوة".
وأكد المحللون أن الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الصيني من خلال استراتيجية صفر كوفيد كانت حاسمة أيضا لفهم تغيير الحكومة الصينية موقفها. فالنمو الاقتصادي والفرص هما حجر الزاوية ل"الحلم الصيني" للرئيس شي ورؤيته لدولة قوية ومزدهرة يستمد منها شرعيته وشرعية الحزب الشيوعي.
لكن الأرقام الصادرة الأربعاء والتي تظهر انخفاض واردات وصادرات الصين في تشرين الثاني/نوفمبر إلى مستويات لم تشهدها منذ أوائل عام 2020 ليست سوى الأحدث في سلسلة من مجموعات البيانات المالية القاتمة. وصرح بيرت هوفمان من جامعة سنغافورة الوطنية لوكالة فرانس برس بان "الآثار الاقتصادية للسياسات السابقة باتت واضحة بشكل متزايد".
وأعرب ألين وو الأستاذ في كلية الطب بجامعة نانجينغ والذي يقدم المشورة لمنظمة الصحة العالمية، عن اعتقاده بأن الإنذار الاقتصادي وليس صدمة الاحتجاجات وراء هذا التحول في سياسة صفر كوفيد. وقال "تقليديا، تكون الحكومة الصينية دائما حذرة للغاية ... تميل إلى أن تكون بطيئة في اتخاذ قراراتها أو تغيير سياستها".
وأشار وو إلى أن ارتفاع الإصابات خلال الأشهر الأربعة الماضية لم يؤد إلى ارتفاع مماثل في حالات المرض الشديدة. وقال "أعتقد أنها أعطت الثقة ليس فقط للحكومة ولكن أيضا للناس العاديين بأننا سنتمكن من التعامل مع الفيروس". لكنه أقر بأن "إحباط الناس المتزايد" من إجراءات كوفيد كان بالتأكيد أحد عوامل رفع القيود.
مخاطر على الحزب
لكن التراجع عن سياسة صفر كوفيد له أيضا مخاطره. وقال محلل المخاطر ماكلين "باعتقادي هناك خطر على الحزب بالتأكيد بأن يرى الناس التراجع على أنه استسلام أمام الضغط الشعبي، ما قد يشجعهم على الاحتجاج أكثر في المستقبل".
أضاف "ومع ذلك، أعتقد أن الحكومة تحاول بصدق الاستجابة لتغيير ما في الرأي العام، وسيقدّر الكثير من الناس ذلك". واعتبر تسانغ أن الوضع يعتمد على ما إذا كان النظام الصحي الصيني مرهقا بالزيادة المحتملة في الإصابات بالفيروس.
وقال "إذا حدث ذلك فسيكون له تأثير سلبي كبير على سمعة شي والحزب". ووصف ليونغ هو نام خبير الأمراض المعدية المقيم في سنغافورة التوقيت بأنه "ملائم سياسيا" مشيرا إلى مخاوف بشأن تخفيف القيود خلال أشهر الشتاء.
وقال "يجب عدم فتح البلاد الآن. من الواضح أن هذا هو اختيار أسوأ وقت لخوض معركة كوفيد". وقالت دوكيت إن شي والحزب الشيوعي "من المرجح أن يكونا قد حسبا أنهما قادران على إدارة التحول، والتحكم في الرواية وربما أيضا في أعداد الوفيات المبلغ عنها". أضافت "لكنها لا تزال لحظة محفوفة بالمخاطر بالنسبة للنظام".