مساء يوم الـ19 من مارس (آذار) 2000، قصد ويلي فولغير مكب النفايات لكي يبحث فيه عما يفيده (ما يسمى أيضاً الغوص في القمامة). كان الرجل يكرس معظم لياليه لهذا النشاط. انتقل إلى لوس أنجليس قبل ذلك بـ40 عاماً لملاحقة حلمه بأن يصبح مغنياً، لكنه لم يفلح بتحقيق تلك الخطة. فامتهن عوضاً عن ذلك عملية البحث عن أشياء قيمة في ساحات الخردة. غالباً ما كانت هذه الأشياء قطع غيار للسيارات. أو أي شيء يمكنه أن يبيعه لمتاجر الحديد [الخردة]. لكن تلك الليلة كانت مختلفة. إذ اكتشف كنزاً خلف متجر فود فور ليس في كورياتاون. وتحديداً، عشرات الرجال المذهبين. كان 52 تمثال أوسكار لامع يحدق به من داخل علبة الستايروفوم.
هرع فولغير لوضع هذه الأشياء القيمة المطلية بذهب من عيار 24 قيراط داخل سيارته الكاديلاك من طراز كوب ديفيل 1989 وأسرع إلى منزله. بعد بحث سريع على الإنترنت، فهم ما وجده: جيش صغير من تماثيل جوائز أكاديمية الأوسكار، خصصت مكافأة 50 ألف دولار لمن يعثر عليه. اتصل فوراً بالقناة التلفزيونية المحلية وبالشرطة. لقد صار غنياً.
قبل ستة أيام فقط، يوم الـ13 من مارس، كان المدير التنفيذي للأكاديمية بروس ديفيس في طريقه إلى غداء سنوي يدعى إليه الفنانون المرشحون للفوز بالجائزة في فندق بيفرلي هيلتون عندما ورده اتصال مذعور يخبره باختفاء التماثيل. هاتفه ممثل عن شركة آر إس أوينز، التي تصنع التماثيل ومقرها في شيكاغو، ليخبره بأن 55 منها سرقت يوم الثامن من مارس من رصيف تحميل في لوس أنجليس.
أفاد تحقيق أجرته مجلة فانيتي فير في عام 2001 أنه فيما كانت التماثيل داخل منشأة الفرز في لوس أنجليس، لاحظ أحدهم شعار الأكاديمية على لوح التحميل. وبحسب المزاعم، بعدما فتح موظفو النوبة الليلية صندوقاً واحداً، التقطوا صوراً برفقة تماثيل الأوسكار التي أخذوا يحملونها أمام عدسة الكاميرا مثلما يفعل الفائزون في هوليوود. خلال الساعات التالية، وضع لوح التحميل داخل شاحنة متجهة نحو هاوثورن بدل وجهته الأصلية، أي بيفرلي هيلز. ومنذ تلك اللحظة، اختفت تماثيل الأوسكار رسمياً عن الرادار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بدأت عندها عملية بحث ضخمة للعثور على التماثيل المفقودة. أنشئ خط هاتفي للتبليغات والمعلومات يعمل على مدار الساعة وأُشرك مكتب التحقيقات الفدرالي في العملية وأطلقت مناشدة لعمال المرفأ لكي يشاركوا ما لديهم من معلومات، ثم حددت مكافأة بقيمة 50 ألف دولار.
بعد التحقيق، ظهر بعض الأشخاص الذين لديهم معلومات. يوم الـ18 من مارس - قبل أن يعثر فولغير على التماثيل - اعتقلت الشرطة سائق الشاحنة لورانس إدوارد ليدينت ومشغل الرافعة آنثوني هارت، كل من منزله. وأصر ليدينت الذي شارك حكايته من وراء القضبان مع الصحافي مارك سيل من مجلة فانيتي فير، أن هارت هو الذي بدأ عملية السرقة ووضع لوح التحميل على شاحنة ليدينت من دون أن يعلمه بما كان يحويه.
وحين وصل ليدينت إلى نهاية خط التوصيل، شعر بالفضول، علماً أنه كان يعلم بأنه ينقل بضائع مسروقة. استرق النظر داخل العلبة فوجد تماثيل الأوسكار. صدم الرجل وأخذ التماثيل إلى منزل صديقه جون ويلي هاريس. لكن هاريس ذعر عندما عاد لمنزله ليجد ليدينت خبأ التماثيل فيه. فطرده من المنزل وجرى التخلص من تماثيل الأوسكار. في مرحلة ما في هذه العملية، وضع على حدة عن بقية التماثيل ثلاثة فرسان مذهبين.
دين كل من ليدينت وهارت وهاريس لارتباطهم بالسرقة. ويعتقد أنه عثر على تمثالين من الثلاثة المفقودين أثناء دهم للشرطة الفدرالية بحثاً عن مخدرات في ميامي في عام 2003، لكن ما يزال أحد التماثيل مفقوداً، في مكان غير معروف.
وفي تطور غريب لمسار الأحداث، تبين أن هاريس هو أخ غير الشقيق لفولغير، الرجل الذي وجد التماثيل في حاوية نفايات، لكن المحققين قرروا - بعد استجواب فولغير لساعات وربطه بجهاز كشف الكذب - أن الأمر لا يعدو كونه مصادفة بحتة، ولا وجود لرابط مشبوه بين عملية السرقة واكتشاف التماثيل.
وفقاً لمجلة "ذا هوليوود ريبورتر"، فإن تماثيل الأوسكار- التي كان من المفترض توزيعها في حفلة العام التالي، 2001 - أتلفت في ما بعد. وقال جوزيف بيتري، مدير التصميم في آر إس أوينز للمجلة "لم يكونوا ليمنحوا (الفائزين) تماثيل مسروقة".
ماذا حل بفولغير بعدها؟ عاش فترة صعود ثم هبوط تصلح لقصة فيلم هوليوودي. في البداية، كان بطلاً محلياً ومنح شيكاً مصرفياً بقيمة 50 ألف دولار خلال مؤتمر صحافي عقد أمام مقر الشرطة في لوس أنجليس. كما قدمت له الأكاديمية تذكرتين لحضور حفلة العام، وبذلة توكسيدو مجانية ووفرت له سيارة مع سائق. ووفق التقارير، سأل فولغير رئيس الأكاديمية ديفيس عندما هاتفه ليدعوه للحفلة "كم طول سيارة الليموزين؟". لكن بعدها نفى ديفيس وجود أي ليموزين، فانتزع فولغير هذه السيارة من برنامج إنسايد إديشن لقاء مقابلة حصرية حول الحفلة.
سار فولغير في وقت لاحق من ذلك الشهر على السجادة الحمراء برفقة ابنه آلن. وصافحه أرنولد شوارزنيغر وقال له "ويلي، لقد ولدت نجماً!". كما خصه مضيف الحفلة بيلي كريستال بالذكر من على خشبة المسرح فيما لوح فولغير للجمهور بقبعته، وصفق جاك نيكولسون ومورغان فريمان لرجل الساعة.
لكن هذا العيش الرغيد لم يدم. بعد سنة، قال فولغير لمجلة فانيتي فير "يا ليتني لم ألمح تماثيل الأوسكار تلك. لقد رفعتني في أحد الأيام، قبل أن ترمي بي في اليوم التالي. أنا الآن أتناول الأدوية! وأنا متوتر! أنا مضغوط نفسياً!".
أول ما فعله بالمبلغ الذي ربحه هو شراء سيارة ليكسوس ذهبية اللون سعرها 17 ألف دولار. واحتفظ ببقية المبلغ داخل خزنة في منزله - لكن المنزل تعرض للنهب وسرقت الخزنة. وماذا كان الشيء الوحيد الذي تركه السارقون؟ مجسم الشيك المصرفي الضخم الذي التقط فولغير صورة بجانبه خلال المؤتمر الصحافي.
توفي فولغير بعد ذلك بسنوات قليلة، في عام 2005. وفيما لم توجه له أي اتهامات متعلقة بالسرقة، ما يزال المحقق الذي عمل على القضية يشك بأمره. وقال المحقق في شرطة لوس أنجليس مارك زافالا لمجلة فانيتي فير في عام 2020 "كان يستميت للحصول على المال وأعتقد أنهم ورطوه بالموضوع. عرفت في قرارة نفسي أنه يملك معلومات أكثر".
بعد مرور 24 سنة على الحدث، تركت قصة سرقة تماثيل الأوسكار عدة خيوط عالقة [لن يبت في أمرها]. ما يزال آخر تمثال أوسكار مفقوداً، وما تزال الشرطة تشك بالحدث، فيما لقي الرجل الوحيد القادر على كشف الحقيقة عن حتفه مبكراً. لو حولت هذه القصة الحقيقية في يوم من الأيام إلى فيلم هوليوودي، لا شك أن الجمهور سيطالب بكتابة نهاية جديدة لها.