في سماء رام الله... طائرات ورقية رسالتها الثقافة والترفيه

منذ 1 سنة 141

قبيل انتهاء العطلة الصيفية، يستمتع جود عابد (13 سنة) وتوأمه جواد بشد خيوط طائرتهما الورقية ذات الألوان الزاهية وتصميمها المستوحى من التراث الفلسطيني، التي صنعاها بمساعدة العائلة من مكونات يدوية محلية، علها تفوز بما تحمله من رسومات وأحلام وأمنيات بأجمل طائرة ورقية لهذا العام، وشارك مئات الأطفال الفلسطينيين وأسرهم في مهرجان الطائرات الورقية بنسخته التاسعة، باستعراض طائراتهم، والتنافس في الارتفاع الذي تصل إليه، وتطمح المؤسسات والجمعيات المحلية المنظمة من خلال المهرجان، إلى تطوير روح الإبداع والمبادرة لدى الأطفال والفتيان، وتعزيز العلاقات الاجتماعية عن قرب بين المواطنين من خلال منح مساحة حرة تفاعلية تشارك فيها الأسرة بأفرادها كافة، إلى جانب إعادة الحياة للنشاطات الترفيهية والألعاب الشعبية التقليدية بعيداً من وسائل التكنولوجيا والهواتف الذكية والألعاب الإلكترونية التي باتت تستحوذ على اهتمام شريحة كبيرة من الفلسطينيين.

رغدة 2.jpg

خمس الشعب الفلسطيني يعاني حالة من الضغط المزمن واضطراب ما بعد الصدمة (اندبندنت عربية)

ووفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغت نسبة الأفراد (10 سنوات فأكثر) الذين يمتلكون هاتفاً ذكياً في فلسطين 73 في المئة خلال عام 2022، بواقع 83 في المئة بالضفة الغربية و58 في المئة في قطاع غزة، وأظهرت نتائج مسح القوى العاملة للعام ذاته، بأن 92 في المئة من الأسر لديها أو لدى أحد أفرادها إمكانية النفاذ إلى خدمة الإنترنت في المنزل، في حين بلغت نسبة الذين يستخدمون الإنترنت من هواتفهم في أي مكان 89 في المئة.

جيل جديد

بالنسبة إلى التوأمين، فإن قيادة الطائرة وتحليقها لمسافة بعيدة في هذه المنافسة تجعلهما يشعران وكأنهما يطيران معها، في حين تقول الشابة نور الطويل التي استطلعت "اندبندنت عربية" رأيها في المهرجان "فرصة مثالية لمزيد لإعادة نشر هذه اللعبة والارتقاء بها لمستويات جديدة، بخاصة أنها اختفت تدريجاً منذ سنوات بسبب انشغال الجيل الجديد بالأجهزة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، فيما اعتبر آخرون أن مهرجان الطائرات الورقية ليس احتفالاً ترفيهياً للأطفال وحسب، وإنما إحياء لثقافة الشعب الفلسطيني المحب للحياة، بخاصة أنه يقام سنوياً عند قمة جبل قرطيس في محافظة رام لله والبيرة الواقع ضمن المنطقة المصنفة "جيم" الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، ويتوسط مستوطنتي "بساغوت" و"بيت إيل" التي يقع فيها المقر العام للإدارة المدنية الإسرائيلية.

رغدة 3.jpg

تمنح البرامج والمهرجانات التفاعلية للأطفال التعرض لألوان فنية بعيداً من الشاشات والهواتف (اندبندنت عربية)

وتتميز الأنشطة والفعاليات التي ينفذها فلسطينيون بالهواء الطلق، في خلق فضاءات تدمج بين الرياضة والترفيه والتعليم في آن معاً، حيث عمدت بلدية رام لله، أخيراً، على تخصيص مسار رياضي مجاني بطول 890 متراً، للركض والمشي وركوب الدراجات الهوائية في منطقة خضراء صديقة للبيئة، إضافة لتخصيصها قطعة أرض مساحتها 30 ألف متر مربع، تضم ملاعب لكرة القدم وكرة السلة واليد والطائرة والتنس.

رغدة 5.jpg

تصل نسبة انتشار الاضطرابات النفسية بين الفلسطينيين إلى 22 في المئة، وهي نسبة أعلى بـ12 في المئة مقارنة بالمعدل الطبيعي للدول الأخرى (اندبندنت عربية)

"يلا عالحديقة"

وضمن برنامجها السنوي "يلا عالحديقة"، أفردت بلدية رام لله برنامجاً للأطفال في حدائق البلدية العامة، يشمل تقديم عروض مسرح تفاعلي وموسيقى وحكايات في الحدائق العامة، لترويج الأعمال الثقافية والفنية الفلسطينية المتنوعة، وتوزيع الإفادة من البرامج الثقافية المكرسة للأطفال في أحياء مختلفة من المدينة، والشعور بالانتماء للمساحات العامة والخضراء، ووفقاً للأهالي المشاركين، تمنح البرامج والمهرجان التفاعلية للأطفال التعرض لألوان فنية مختلفة ومتنوعة، بعيداً من الشاشات والهواتف النقالة التي تنتشر بين الأطفال والمراهقين بشكل لافت، ويتيح لهم قضاء وقت نوعي مع أطفالهم.

وترى الباحثة الاجتماعية في التنمية والطفولة عروب جملة أن "الفعاليات المجتمعية التي تجمع العائلة في نشاط واحد تشاركي، من شأنها تعزيز الصحة النفسية لدى الأطفال، وتقوية الروابط الأسرية، بخاصة بعد أن أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مصدراً رئيساً للترفيه والمعرفة لدى كثيرين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعتبر تمكين الصغار والكبار من عبور تجارب معرفية جمالية عبر التفاعل معها، إحدى أهم السياسات التي ينفذها المتحف الفلسطيني في بلدة بيرزيت (وسط الضفة الغربية) من خلال برنامج تعليمي، يهدف بشكل أساسي إلى إشراك الجمهور بفئاته المختلفة، وتحديداً طلبة المدارس والجامعات الفلسطينية، وتشجيعهم على التفكير بدورهم في صياغة المشهد الثقافي، عبر تحفيز القدرات الإبداعية والتفكير النقدي لدى المشاركين، إضافة إلى حثهم على التعبير عن ذواتهم فنياً وجمالياً، إذ تركز أنشطة البرنامج التعليمي داخل المتحف وعبر حدائقه المتنوعة إلى التفاعل بهدف الإنتاج، إذ يخرج المشاركون بمنتجات تعبر عن تطلعاتهم ووجهات نظرهم المختلفة.

منصة تعليمية

وأطلق المتحف، في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، أول منصة تعليمية هي الأولى من نوعها في العالم كموقع متحف تربوي باللغة العربية، بهدف المساهمة في توسيع تجربة التعلم المتحفية للأطفال واليافعين والعائلات وتشجيعهم على التعبير عن الذات وتبادل الآراء والأفكار، من خلال اللعب، والصناعة والاستكشاف والتواصل تحت شعار "سناسل نلعب معاً نتعلم معاً"، وقالت مديرة المتحف عادلة العايدي "توفر المنصة بيئة معرفية حرة للأطفال في فلسطين والعالم يتنقلون خلالها بين فيديوهات الرسوم المتحركة، والواقع الافتراضي، والألعاب، والألواح التفاعلية بطرق شيقة". أضافت "الزوايا الأربع توفر رحلة ثقافية في التاريخ والجغرافيا والفنون، وتتيح إمكانية صنع الأشياء وتحويلها من مواد أولية إلى أعمال فنية لاختبار حواس الأطفال والخوض معهم بتجارب صغيرة، إذ يمكنهم إعادة ترتيب الصور واللوحات واكتشاف الأحجيات والألغاز، في حين أن التواصل يوفر فرصة اللقاء معاً ومشاركة ما يقوم به الأطفال من أعمال فنية، وكتابات إبداعية، أو ما تلتقطه عدساتهم من الأماكن التي يعيشون فيها".

علاج نفسي

وقال رواد المسار الرياضي في رام لله، إن الأنشطة والفعاليات المحلية بخاصة التي تعزز اللياقة البدنية والترفيه واللعب مع العائلة والمهرجانات وغيرها، من شأنها تخفيف التوتر والضغط النفسي والاجتماعي الذي يعانيه الفلسطينيون جراء تفاقم أوضاعهم الاقتصادية وتردي ظروفهم الأمنية والسياسية، وقدرت وزارة الصحة الفلسطينية، عام 2021، أن مليون مواطن في حاجة للدعم النفسي من قبل متخصصين، إذ تصل نسبة انتشار الاضطرابات النفسية بين الفلسطينيين إلى 22 في المئة، وهي نسبة أعلى بـ12 في المئة مقارنة بالمعدل الطبيعي للدول الأخرى، وفقاً لمديرة دائرة الصحة النفسية في الوزارة سماح جبر.

من جانبه، قال مدير عام مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب خضر رصرص "ممارسات الاحتلال التي تنطوي على قدر كبير من انتهاكات حقوق الإنسان، تؤثر في مستوى استقرار الحالة النفسية عند الفلسطينيين"، ووفقاً لرصرص، خمس الشعب الفلسطيني يعاني من حالة من الضغط المزمن واضطراب ما بعد الصدمة والاضطرابات الناجمة عن هدم البيوت والاغتيالات والاعتقالات وتعطيل على الحواجز والاستيلاء على الأراضي.

ملاحظة: الجمعيات المؤسسات التي ذكرت في التقرير غير ربحية ولا تهدف لأي نشاط تجاري