على غير المعتاد من تداول قصص عن تعرض نساء للعنف من أزواجهم، باتت هناك شكاوى من رجال في المغرب بتعرضهم للعنف على يد النساء، وفي الوقت الذي تشير فيه معطيات رسمية إلى أن ثلث الرجال يتعرضون للعنف الزوجي، فإن الأرقام الحقيقية قد تتجاوز ذلك بكثير في رأي جمعيات حقوقية تدافع عن ضحايا العنف النسوي، كون كثيراً من الرجال يحجمون عن الاعتراف العلني بما يتعرضون له من إهانات.
ضرب ولطم وركل
جمال في عقده الثالث وبالكاد يسمع له صوت عندما بدأ سرد قصته لـ"اندبندنت عربية" حول ما تعرض له طوال سنوات مضت من أذى وإهانة بلغت حد الضرب واللطم والركل من طرف زوجته التي يصفها بـ"العصبية المجنونة".
ويتذكر جمال أنه في بداية حياته الزوجية كانت الحياة شبه عادية مع زوجته في البيت مثل أي زوجين يتخاصمان ويتصافيان، قبل أن تحصل له إعاقة على مستوى يده بسبب حادثة، فاضطر إلى ترك العمل وخرجت زوجته للبحث عن لقمة العيش.
وزاد المتحدث ذاته بأنه بعد الحادثة واضطرار زوجته إلى العمل تغيرت حياتهما بشكل واضح، إذ صارت أكثر عصبية وتستغل أي حدث أو حديث لتفرغ جام غضبها، حتى صارت مع مرور الوقت تبصق على وجهه وتعيره بعطالته.
ولم يتوقف الوضع عند هذا الحد، بحسب الزوج ضحية العنف النسوي، بل امتد إلى درجة أن زوجته صارت تهينه بسبب أو من دون سبب، بمفردهما وحتى أمام أفراد أسرتيهما، كما تضربه أحياناً بكل قوتها أو ترمي عليه بعض أواني المطبخ، قبل أن تهدأ ثورتها لتعيد الكرة من جديد.
من جهته لا يخفي أنور، زوج أربعيني، ما كان يعيشه من مرارة ومشكلات متراكمة مع زوجته التي تزوجها عن قصة حب، كما قال، خصوصاً أنها تتعامل معه بازدراء وتحقير كنوع من رد الفعل حيال علاقتها المتوترة مع والدته وأخواته.
وتساءل الزوج عن السبب الذي يدفع زوجته إلى إسقاط علاقتها المتوترة مع أمه على حياتهما الزوجية، حتى إنها تتعمد وصفه بألفاظ غير لائقة أمام أسرته، أو تتعمد إغاظته بتصرفات غير مسؤولة، بحسب وصفه، بل بلغ تعنيفها المعنوي له حد امتناعها الكامل من الفراش، لتتدهور علاقتهما ويؤول زواجهما إلى الطلاق قبل عامين.
إمكان البوح
ويبدو أنه صار للرجال الضحايا إمكان البوح بما يقع عليهم من أذى "الأنامل الناعمة"، وعدم كتمان التعنيف الذي يواجهونه في البيت وخارجه من خلال ما باتت تقدمه جمعيات مغربية رأت النور من خدمات الدعم النفسي والمعنوي، وأحياناً المؤازرة القانونية أمام المحاكم.
وكانت شبكة الدفاع عن حقوق الرجال التي تأسست عام 2008 أول جمعية حاولت طرق هذا "الطابو" الاجتماعي، من خلال استقبالها كثيراً من حالات تعرض الرجل لتعنيف زوجته أو حتى أخته أو إحدى قريباته أو جارته أيضاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستطاعت هذه الشبكة الحقوقية أن تخرج إلى العلن هذا الملف المسكوت عنه عبر دعم الرجال الذين يتعرضون للعنف النسوي نفسياً وقانونياً، ووفق عضو شبكة الدفاع عن حقوق الرجال عبدالفتاح بهجاجي فإن ربع الحالات التي تصل إلى مكتب الجمعية ترتبط بالعنف الجسدي، غير أن هناك حالات أخرى من العنف ضد الرجال ومنها طرد الزوجة لزوجها من عش الزوجية، والاستحواذ على أموال الزوج ووثائقه أو حرمانه من رؤية أبنائه عند الطلاق.
وتبعاً لبهجاجي فإن عنف المرأة ضد الرجل، وتحديداً عنف الزوجة ضد زوجها، لا يتعلق بفئة اجتماعية من دون غيرها، إذ يشاع أن الطبقات الفقيرة هي التي تستفحل فيها هذه الظاهرة، غير أن الواقع يبين أنها تطاول جميع الطبقات والمستويات التعليمية والعمرية.
وتستحضر الشبكة عدداً من حالات العنف المثيرة ضد الرجال من طرف زوجاتهم، ومنها حال مسن متقاعد كانت تعامله زوجته وبناته بقسوة إلى أن تطورت الأمور إلى طرده من البيت بعد أن سجل كل ممتلكاته باسم زوجته، وحالة أخرى لزوجة كانت تتعمد الاعتداء على زوجها في مقر العمل.
أيضاً تجتهد جمعية أخرى تدعى "الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق الرجال ضحايا العنف النسوي" التي أسسها فؤاد الهمزي عام 2017 في إيصال صوت الرجال ضحايا عنف النساء إلى المجتمع، بهدف تغيير النظرة النمطية التي تتلخص في كون المرأة دائماً هي ضحية عنف الرجل".
وتدعو هذه الجمعية إلى "إعادة النظر في مدونة الأسرة وسنّ تشريعات قانونية تضمن المساواة بين الرجل المرأة وتضمن حقوق الرجال ضحايا العنف"، معتبرة أن قانون مكافحة العنف ضد المرأة تحول إلى عنصر مشجع للمرأة لارتكاب العنف المعنوي والمادي ضد الرجل.
انعدام التوازن
وفي السياق يعزو الباحث والوسيط في الأسرة محمد غنامي دوافع تعنيف المرأة للرجل، وتحديداً الزوجة لزوجها، إلى تغير نمط الأسرة المغربية واستقلالية المرأة عن زوجها مادياً وحتى نفسياً، مما يجعلها أحياناً تتجاوز الحدود وتخضع لغريزة العنف بأشكاله ضد زوجها.
واسترسل المتحدث بأنه على رغم أن حالات تعنيف الزوجة لزوجها ليست بمثل حجم حالات تعنيف الرجل لزوجته، لكن لا بد من دق ناقوس الخطر في شأن تنامي هذه السلوكات التي تمس كرامة الرجل سواء أمام نفسه أو أمام زوجته نفسها وأفراد أسرته.
وشدد الوسيط الأسري على أن "مشكلة تعنيف الزوجة لزوجها تكون في الغالب بسبب ضعف شخصية الرجل أو سطوة شخصية الزوجة، بمعنى أنه لا يكون هناك توازن نفسي واجتماعي بين الطرفين"، مبرزاً "أهمية اللجوء إلى حكماء أو وسطاء لمعالجة هذه السلوكات التي تضر بنواة الأسرة وتهدم المجتمع من أصوله".
أرقام
وتفيد آخر أرقام رسمية للمندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة حكومية تعنى بالتخطيط ويعود إنشاؤها لعام 2019، أن أكثر من أربعة رجال من أصل 10 تعرضوا لفعل عنف واحد في الأقل خلال عام، وأن زهاء ثلث الرجال تعرضوا للعنف الزوجي.
ووفق المصدر الرسمي ذاته يعد بيت الزوجية الفضاء المعيشي الأكثر اتساماً بالعنف، إذ تعرض 31 في المئة من الرجال للعنف الممارس من طرف الزوجة أو الزوجة السابقة أو الخطيبة أو الشريكة الحميمة".
البحث نفسه الذي أجرته المؤسسة الحكومية المعنية أورد أن 30 في المئة الرجال أعلنوا تعرضهم للعنف النفسي خلال 12 شهراً، و32 في المئة منهم ينحدرون من المدن، بينما 26 في المئة منهم عانوا "سلوكات مهيمنة" تؤثر في حريتهم الفردية، و13 في المئة عانوا "عنفاً عاطفياً".