ظهر عميد الكوميديا السورية دريد لحام في رسالة يعتذر فيها بإباء عن مسايرته للحكم السابق. كذلك فعل فنانون آخرون. وسارع عدد من النقاد إلى السخرية من «تكويع» الفنانين والنيل من كراماتهم. وفي ذلك ظلم كبير. ساعة نعرض برنامج عن صيدنايا وفرع فلسطين، وساعة نتهم الفنانين والكتّاب بالجبن و«التكويع»، أي التنكّر للماضي.
فنانو سوريا مثل فناني الاتحاد السوفياتي، مثل فناني جميع الأنظمة المطلقة، لو تعرضوا للترهيب والقمع والاضطهاد. ومن لم يكن قادراً على مغادرة البلاد، وتحمل أعباء المنفى، كان عليه أن يتحمل القهر وذل الممالأة لسطوة المخابرات ورقيها ومفهومها العادل لمعاملة الشعوب.
في حالات عدّة، لعب الأدباء والفنانون دوراً مهماً في إسقاط الطغيان: ألكسندر سولجنتسين في روسيا، وفاتسلاف هافل في تشيكوسلوفاكيا. وفي بولندا تولى إسقاط النظام العامل الكهربائي ليك فاليسا. لكن ذلك كله حدث ضمن مناخ عالمي متضافر، أدى في النهاية إلى تغيير النظام العالمي برمّته، وانهيار جدار برلين، السور الفاصل بين الشرق والغرب.
لم يكن لنظام الأسد معارضون كي نتهم الفنانين بالتكويع. المعارضون كانوا في المقابر، أو السجون، أو المنافي، أو الاختفاء. ولم يكن هناك مكان لأي اسم أو وجه أو ذكر، سوى السيد الرئيس. وسلمت شؤون الأدب والإبداع في بلاد نزار قباني وأدونيس ومحمد الماغوط إلى النقيب صابر فلحوط، ومن ثم علي عقلة عرسان.
لم أجد أي درجة عدل في برنامج «تكويع» الذي قدمته «بي بي سي عربية»، وأسهبت مقدمته في اصطناع وافتعال الشواهد. ولم يكن البرنامج مهيناً فقط «للمكوعين»، بل أيضاً لعدد كبير من المناضلين الذين أفنوا أعمارهم في سبيل عودة سوريا إلى الحرية.
لا نريد التقليل من أهمية العمل الصحافي وتنوعه. وكثيراً ما يبحث الصحافي عن «السبق» من دون الالتفات إلى مشاعر الآخرين. لكن الأفضل دائماً تفادي الجراح. يكفي ما سبق.