بعدما ردت التحية على طلابها، بدأت المعلمة إيمان سالم في شرح الكيمياء، وخصصت حصتها حول التفاعلات الناشرة للحرارة، وعلى سبورة تقليدية كتبت المعادلة الكيماوية NaHCo3 + H2O → Na2CO3 + H2O + CO2.
أدارت المعلمة وجهها إلى الطلاب لتشرح "أنه إذا ما أضيف الصوديوم إلى الماء، ستتولد طاقة على شكل انفجار قوي، وغاز ثاني أكسيد الكربون، وحمض الكربونيك"، ومن ثم سألت "هل هناك أحد استوعب المعادلة؟".
فصل دراسي افتراضي
لم يفهم أغلب الطلاب ما قالته المعلمة، ولم يكن بمقدورهم تخيل التجربة بطريقة نظرية، فهي تخاطب تلاميذ الصف التاسع (لم تتجاوز أعمارهم 13سنة)، ومن الصعب عليهم إدراك الرموز الكيماوية في الجدول الدوري للعناصر وحل مسائل المعادلات الكيميائية.
صعوبة استيعاب الطلاب للمعادلات الكيماوية، وبعض المواد الدراسية الأخرى التي تحتاج إلى تجارب واقعية أو تخيل واسع، بينما يجري تعليمها في غزة بطريقة نظرية، دفعت مدرسة "البسمة الحديثة" (تتبع لوزارة التربية والتعليم)، إلى إنشاء فصل دراسي معزز بتقنية الواقع الافتراضي، ومن خلاله عملت على تحويل المناهج إلى تطبيقات محاكاة محسوبة.
ولمحاولة شرح المعادلة بطريقة مختلفة، وإتاحة الفرصة للطلاب لتطبيق التفاعل الكيماوي، اصطحبت إيمان تلاميذها إلى غرفة الفصل الدراسي المعزز بتقنية الواقع الافتراضي، وفور وصولهم لبس كل تلميذ منهم نظارات الـ"VR" وأمسك بمقابض التحكم، ليطبق المعادلة الكيماوية.
تجربة الطلاب
وما أن بدأ الطلاب في تجربة الفصل الافتراضي، حتى دخلوا في عالم آخر، لكنه مشابه إلى بيئتهم التعليمية، إذ وجدوا مبنى المدرسة وبعد دخلوها كان في انتظارهم كواكب متناثرة في فضائها، ويحمل كل واحد منهم اسم مادة تعليمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
طلبت إيمان منهم الدخول إلى كوكب مادة علوم الكيمياء، وتحديداً إلى درس المعادلات لتطبيق نظرية تفاعل الصوديوم مع الماء، وعلى الفور أخذ التلاميذ يتحركون كأنهم في عالم آخر وليس في غرفة فصل دراسي.
داخل نظارة الـ"VR" التي كان يرتديها الطالب محمود، شاهد الجدول الدوري للعناصر، ومن خلال مقبض التحكم اختار رمز "Na" الذي يرمز إلى الصوديوم ووضعه في وعاء الاختبار، وكذلك كرر التجربة مع عنصر الماء، وبدأ في تطبيق المعادلة التي نتج منها انفجار ودخان وفوران.
لمعالجة تشتت الانتباه
في دقائق معدودة، فهم محمود وبقية التلاميذ المعادلة الكيماوية وطريقة بنائها، والنواتج التي حصلت بعد تفاعل العناصر، وهذا ما اختصر على المعلمة إيمان عناء الشرح الطويل، والبحث عن المواد الكيماوية لتطبيق التفاعل.
تقول المعلمة "ربما لا تتوفر العناصر الكيماوية في المختبر، ما يعيق تنفيذ أي تجربة، وكذلك من الممكن أثناء تنفيذ بعض التفاعلات حدوث خطأ يتسبب في أضرار تلحق بالطلاب، إضافة إلى أنه من الصعب السماح لجميع الطلاب تطبيق المعادلة، لكن من خلال تقنية الواقع الافتراضي كل شيء متوفر وآمن ومتاح للجميع".
وتضيف إيمان "في الفصل الدراسي التقليدي ربما يشرد ذهن الطالب، أو يتشتت تركيزه، لكن داخل غرفة الفصل المعزز بتقنية الواقع الافتراضي مستبعد ذلك، إذ نلاحظ تركيزاً عالياً وسهولة في توصيل المعلومات".
الأول من نوعه في الأراضي الفلسطينية
يعد الفصل الدراسي المعزز بتقنية الواقع الافتراضي، الذي دخل العملية التعليمية في بداية مارس (آذار) الجاري، الأول من نوعه في الأراضي الفلسطينية، وخصص لتسهيل فهم التلاميذ للدروس الهندسية والكيماوية والرياضيات إلى جانب العلوم الأخرى.
حول فكرة الفصل الافتراضي، تقول معلمة الحاسوب آلاء الحوراني وهي المشرفة التقنية على صناعته، إن المدرسة لاحظت صعوبة في فهم التلاميذ لبعض الدروس بطريقة نظرية، ولحل هذه المشكلة "عملنا على إنشاء صف دراسي تكنولوجي تطبيقي يعمل على محاكاة الدروس المنهجية الفلسطينية من خلال الولوج في بيئة افتراضية واقعية مليئة بالرسومات ثلاثية الأبعاد".
وتضيف "يعتمد الفصل الدراسي على تقنية الواقع الافتراضي ويدمج الطالب في البيئة التعليمية التكنولوجية والتطبيقية بشكل معزز، ويمكنه من الوصول إلى عوالم تعليمية خارجية هدفها تنمية عقول الطلبة الإبداعية".
علوم المستقبل
وتشير إلى أن فكرة الفصل الافتراضي تقوم على برمجيات خاصة في المدرسة يجريها مهندسو برمجة متخصصون يعملون على دراسة الكتب التعليمية والبحث عن المواضيع التي يمكن تحويلها إلى مواد تفاعلية، بدلاً من أن تكون مكتوبة بشكل عادي روتيني.
وتوضح الحوراني أن تنفيذ الفصل الدراسي يعد تطبيقاً لمنهجية العلوم الهندسية "STEM" التي تعني العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وهذا ما يتيح للطالب الانخراط في علوم المستقبل ويفهم المناهج الدراسية بشكل تطبيقي أكثر.
وتؤكد الخبيرة التقنية أن الفصل الدراسي المعزز بتقنية الواقع الافتراضي أسهم في إلغاء دور المعلم التقليدي من ملقن وجميع المهمات على عاتقه، إلى مشرف وموجه للعملية التعليمية، إلى جانب أن الطالب بات يستكشف ويستنتج المعلومات بنفسه.
مكمل للفصل التقليدي
من جهته، يقول مدير العلاقات العامة والتواصل الإعلامي في مدرسة البسمة الحديثة أحمد الناطور، إن الأساليب المتبعة في التدريس قديمة نسبياً، ولا تشجع على التعلم الإبداعي، كما أن الوسائل العلمية ما زالت دون المستوى المطلوب، ولا تتناسب مع الطفرة التكنولوجية التي تمر بها دول العالم، ولمحاولة مجاراة ذلك عملنا على إنشاء صف دراسي تكنولوجي معزز بتقنية الواقع الافتراضي.
ويضيف "إلى حد اللحظة يعد الفصل الدراسي المعزز بتقنية الواقع الافتراضي مكملاً للفصل الدراسي التقليدي وليس بدلاً منه، ونحاول تطبيقه خلال الفترة المقبلة على جميع فصول المدرسة، بعد أن لاحظنا تمكن التلاميذ من استيعاب المناهج بواسطته بشكل أسرع".
يعالج مشكلات متعددة
يوضح الناطور أن الفصل الافتراضي، يعالج مشكلات كثيرة تواجه العملية التعليمية في غزة، حيث من الصعب على الطلاب السفر لزيارة مدينة الخليل أو القدس الشرقية للتعرف عليها، كما أن فهم أركان الحج بطريقة نظرية يحتاج إلى تخيل واسع ووقت طويل، لكن من خلال الواقع الافتراضي تكون العملية أسهل وأسرع.
ويرى الناطور أن الفصل الافتراضي غير مخصص لعلوم الكيمياء فحسب، بل أيضاً من خلاله يمكن تسهيل شرح علوم أخرى منها اللغة العربية والثقافة الإسلامية والجغرافيا، وجميع المناهج المقررة على التلاميذ.
وحول المشروع، يقول وكيل وزارة التربية والتعليم في غزة خالد أبو الندى، إن نظام التعليم الحالي في مدارس القطاع يعد بدائياً إلى حد كبير، ويفتقر إلى الإمكانات الحديثة التي أصبحت إحدى دعائم التعليم في الوقت الحالي، فالمدارس تفتقر إلى وجود عناصر التكنولوجيا، ولا توفر للطلاب عوامل التجربة والاكتشاف كالسفر والرحلات، لذلك يعد الفصل الدراسي المعزز بتقنية الواقع الافتراضي تقنية جديدة تنقل الطلاب إلى مستوى جيد في استخدام التكنولوجيا.
ويضيف "من خلاله نحاول الارتقاء بالمناهج الدراسية وتطويرها، بما يتيح للطلاب تطبيق الكيمياء والفيزياء والرياضيات الهندسية"، لافتاً إلى أن وزارته تعمل على تطوير مشاريع الواقع الافتراضي في أكثر من مدرسة في القطاع.