♦ الملخص:
رجل أقام مشروعًا خاصًّا به، لكنه فشل؛ فساءت حالته النفسية، ويسأل: هل هذا قدر من الله أو عقاب؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم.
منذ شهرين، أقمت مشروعًا خاصًّا بي؛ كي أرتاح من العمل عند غيري، ثم إنني بعد هذه الخطوة، انتابني الخوف، ومرضت نفسيًّا، رغم كوني محافظًا على الصلوات الخمس، والاستغفار؛ فأغلقت عملي الخاص؛ فساءت حالتي النفسية كثيرًا، حتى إنني لا أستطيع النوم ليلًا، أو العمل، فهل هذا قضاء وقدر، أم عقاب، أم شيء آخر؟ أرجو البيان، وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين؛ سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد أخي الفاضل:
فنشكرك على تواصلك معنا، وثقتك بنا، ونأسف لخسارتك المادية في مشروعك الشخصي، كما ندعو الله عز وجل بأن يعوضك خيرًا.
من سنن الحياة الثابتة عدم دوام الحال، فنجد مَن كان بالأمس طفلًا يغدو اليوم رجلًا، ومن كان رجلًا يصبح شيخًا، ومن كان بالأمس فقيرًا يغدو اليوم غنيًّا، بل ونجد من هو غني جدًّا، ثم فجأة أفلس، وهذه متطلبات الحياة، التي يشبِّهها البعض بنبضات القلب، التي تعلو حينًا، وتنخفض أحيانًا أخرى، إنَّ ما تعانيه - أخي الفاضل - من أعراض؛ من خوف، وسوء حالتك النفسية، وعدم القدرة على النوم، مع عدم القدرة على العمل - هي نتائج لعدة عوامل بيئية ونفسية وفسيولوجية، أو ما يسمى باستعدادنا الوراثي، فعندما نتعرض لضغط ما، وليكن - مثلًا - خسارة مشروع، فإننا نستجيب بطرق مختلفة؛ فمنا من يقف مباشرة، ويعيد ترتيب حساباته للبدء من جديد، ومنا من يحتاج وقتًا أطولَ، ومنا من يصرف النظر تمامًا عن الأمر، ترجع هذه الاختلافات في استجابتنا إلى الطريقة التي نشأنا بها، ومدى وَعْيِنَا بأنفسنا وقدراتنا، وأسلوب تفكيرنا، فمن يفكر بطريقة سلبية، فسيرى أن خسارته في تجارته هي خسارة في كل جوانب الحياة، وهذا من أخطاء التفكير غير المفيدة لصاحبها، التي يحتاج صاحبها إلى التعرف عليها، ثم الاعتراف بها وتقبُّلها، ومن ثَمَّ وضع خطة لتغييرها، والالتزام بالأفكار المفيدة التي تُعلي من همته لا العكس، بينما من يفكر بطريقة إيجابية، ويمتلك تفكيرًا سليمًا – وهذا راجع إلى تنشئته السليمة ودرجة وعيه وتزكيته لنفسه - نجده يحزن لخسارته مدة من الزمن، ولا يعمم هذا الألم في باقي جوانب حياته، وهذا ما يسمى في علم النفس بـ"المرونة النفسية"؛ وهي قدرة الفرد على أن يتأقلم مع الأحداث، ويتكيف معها، بل ويجعل من فشله درسًا له، وسببًا في نجاحه، كما فعل أديسون مخترع المصباح، عندما سخر منه أحدهم بقوله: "إنه فشل 99 مرة" وفي رواية أخرى: 999 مرة، فكانت إجابته بأنه لم يفشل 99 مرة، إنما تعلم أن هناك 99 طريقة لا تصلح لصنع المصباح، وهذا ما نسميه التفكير الإيجابي؛ وهو النظر إلى حكمة الله عز وجل في الأمور، والبحث عن الخير في الشر؛ لأننا نؤمن بأن وراء كل شر خيرًا، ويكفينا - نحن المسلمين - هذا الحديث النبوي الشريف الذي يثلج صدورنا، ويُلَمْلم شتات قلوبنا، ويشفي جروح أرواحنا؛ فعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يصيب المسلم من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا همٍّ ولا حزن، ولا أذًى ولا غم، حتى الشوكة يُشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه)).
واعلم - أخي الفاضل - أن أغلب من نجحوا في شتى الميادين - ومنها ريادة الأعمال - قد تعرضوا في فترات من حياتهم لنكبات جمة، ومعظمهم بدأ من الصفر أو أدنى من ذلك، وعلى سبيل المثال لا الحصر صاحب موقع "علي بابا"، وكذلك صاحب مطاعم كنتاكي، وغيرهم الكثير.
إن توجيهي لك باتباع ما سبق ذكره من الاعتراف بالمشكلة، وتقبلها، ثم السعي لتحديد مناطق الضعف، وأسباب الخسارة؛ حتى تتعلم من الماضي، وتستفيد منه، ثم تركز على الحاضر وما يمكنك القيام به؛ من حسن الظن بالله، والتوكل عليه سبحانه، كما لا ننسى اجتهادك في دراسة قواعد التجارة، والاستفادة من خبرات مَن حولك ممن وفقهم الله، وفتح عليهم في أعمالهم.
ونذكرك بأن هذه الاستشارة الإلكترونية لا تغني عن زيارة مختص نفسي يحلل حالتك بدقة، ويساعدك على اكتساب طرق تفكير أقرب للسواء، واكتساب عادات إيجابية أكثر.
نسأل الله عز وجل أن يوفقك ويعوضك خيرًا قريبًا.