أعان الله شعب السودان الطيب على الفكاك من هذه المصيبة التي حلت عليه هذه الأيام، مصيبة الحرب الداخلية.
كثير من المراقبين خارج السودان وكثير مثلهم من عامة السودانيين في حيرة من أمرهم، ولا يعلمون صراحة من هو المحق ومن هو المبطل في غمرة الاشتباك، هل هو الجنرال عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ورئيس المجلس السيادي، أم نائبه محمد دقلو، المعروف بلقب حميدتي، قائد قوات الدعم السريع؟
ثمة من هو أحد الطرفين وثمة من يتهمها بالجرم في سلة واحدة.
لكن بعد مرور أكثر من 10 أيام على اندلاع الحرب السودانية الداخلية، لمست انحيازاً «إخوانياً» صريحاً مع البرهان ضد حميدتي، لاحظ تعليقات مشاهير «الإخوان» داخل وخارج السودان، وستقف على ذلك، عندك «الإخوانية» اليمنية توكل كرمان والمصري أحمد منصور والموريتاني محمد الشنقيطي، وأمثالهم من «إخوان» الخليج، كلهم يعزفون على نغمة شيطنة حميدتي والثناء على البرهان. وإذا عدنا إلى طرفي الصراع، فسنجد هذا الكلام. في مجلة فايننشال تايمز البريطانية اتهم حميدتي البرهان بانحيازه لـ«الإخوان المسلمين» الساعين لاستعادة السلطة. في حين نفى البرهان هذه الاتهامات، وأكد في أكثر من مناسبة، آخرها في شباط (فبراير) الماضي، أنّ الادعاء بوجود «كيزان» في الجيش هو «ادعاء كاذب».
مصطلح كيزان هو تعبير سوداني محض، المقصود به «إخوان» السودان.
حزب الأمّة القومي في السودان ذكر في بيان له على صفحته في «فيسبوك» أنّ هناك ضباطاً في الجيش يتبعون تنظيم «الإخوان المسلمين» وفلول النظام السابق، الذين يفضلون حرق السودان على البقاء خارج الحكم.
جماعة تضم تحالف قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة في الأحياء قالت، في بيان لها، إنّ «خطة الفلول (المقصود بهم فلول الإخوان والبشير) هي إعادة السيطرة على البلاد مرة أخرى، حتى لو كان ذلك يعني تقسيم البلاد»، وفقاً لـ«رويترز».
الخطيب السوداني السلفي المناهض لـ«الإخوان»، مزمل فقيري، في بثّ مباشر عبر حسابه على «فيسبوك» قال إنّه يملك وثائق تثبت تورط «الكيزان» في الحرب للعودة إلى السلطة بقتل المواطنين وإشعال الفتنة بين الجيش وقوات «الدعم السريع».
لكن الشيخ فقيري قال في استدراك مهم إن الكيزان ليسوا مع الجيش ولا «الدعم السريع»، بل يظهرون خلاف ما يبطنون. فهل إخوان السودان «يستغلون» الجيش أو بعضه، والبرهان ليس «إخوانياً»، أم من الكيزان، أم هو عسكري سوداني وطني محترف؟!
تقرير موقع «حفريات» المختص بشؤون الحركات الإسلامية في تقريره الجميل نقل عن المحلل السياسي السوداني المقيم في الولايات المتحدة، فريد زين، في حديث لموقع «الحرة» أنّ البرهان ليس متشدداً أو منتمياً لـ«الإخوان»، لكنّ تمسكه بالسلطة جعله يتحالف معهم للبقاء بأيّ ثمن، حسب رأيه. القيادي في «قوى الحرية والتغيير»، مأمون فاروق، قال إنّ «قيادات (الإخوان) هي من تدّعي قربها من البرهان، وإنّ لها علاقة قوية بمركز اتخاذ القرار، وكثير من ضباط الجيش المستمرين في الخدمة يتبعون (الإخوان)».
وحاصل ذلك كله أن المشهد السوداني ليس بالسهولة التي يتوهمها البعض، وليس مجرد ثنائيات مكررة؛ الجيش الشرعي ضد ميليشيات لا شرعية. ولا مجرد صراع بين جنرالين على السلطة. القصة معقدة... وحسناً فعلت السعودية والإمارات، ومعهما بريطانيا وأميركا (الرباعية) في السعي إلى وقف الحرب واستئناف الحل السياسي السلمي.
وبعد، فما مضى هنا لا يعني تبرئة الجنرال حميدتي من الخطايا الحاصلة اليوم، وذاك حديث آتٍ هنا...