فادي إبراهيم: العالم يتغير بسرعة والفوضى تهدد الفن

منذ 1 سنة 200

فادي إبراهيم ممثل مخضرم عاصر المرحلة الذهبية للدراما اللبنانية عندما كانت في أوج عطائها، وبرز اسمه في عديد من الأعمال التي شكلت بصمة في سجله. بدايته الاحترافية كممثل كانت تلفزيونية عام 1984 عندما شارك في مسلسل "الفاتحون"، لكن مسلسل "الوحش" الذي شارك في خمس حلقات منه، شرع له أبواب التلفزيون على مصاريعها عندما اختاره الممثل إيلي صنيفر لتجسيد إحدى الشخصيات فيه. ومن بعده توالت أعماله، فشارك في سلسلة "حكاية كل بيت" للكاتب مروان نجار، ثم في  كثير من الأعمال باللغة الفصحى، بدعم من الكاتب والممثل رشيد علامة الذي كان يعتبره ابنه الفني. أول دور بطولة تلفزيونية له كان في مسلسل "وأمطرت ذات صيف" إلى جانب مادلين طبر ويوسف شرف الدين، لكن مسلسل "العاصفة تهب مرتين" للكاتب شكري أنيس فاخوري الذي عرض على مدار عامين كاملين، شكل نقطة تحول في مسيرته الفنية، نظراً لجرأته في معالجة المواضيع الاجتماعية. ومن بعدها كان مسلسل "نساء في العاصفة" الذي شاركته دور البطولة النسائية فيه الممثلة رولا حمادة.

مكياج وتمثيل وإخراج

إلى التمثيل خاض تجربة الإخراج عبر مسلسلين هما "سقوط امرأة" و"جود" ولكنه لم يحقق ما كان ينتظره وتعرض لكثير من الانتقادات أرجعها لضعف الميزانية. وهذا الفشل الإخراجي دفعه إلى عدم تكرار التجربة والاكتفاء بالتمثيل، فكان نادر صباغ في "العاصفة تهب مرتين" والبيك في "ياسمينا" وأيوب في "ثورة الفلاحين" وغيرها من الشخصيات والأدوار التي أبرزت قدراته كممثل من الدرجة الأولى.

thumbnail_1 (1).jpg

ومع أنه اكتشف موهبته التمثيلية أثناء الدراسة عندما شارك في  أعمال مسرحية عدة في فرقة الكشافة المدرسية، لكن تجربته الاحترافية على الخشبة كانت مع الكاتب مروان نجار عبر سلسلة أعمال مسرحية من بينها "لعب الفار بعب الست" و"عمتي نجيبة" و"نادر مش قادر". ومن بعدها شارك في مسرحية "عقد إيلين" للمخرج نبيل الأظن، التي عرضت على مدار سنوات ثلاث.

أحب السينما ولكن تجربته فيها ظلت محدودة، ويضم رصيده عدداً قليلاً من الأفلام كان أولها فيلم "ليلة الذئاب" مع الممثل رفيق علي أحمد، كما شارك في فيلم "الجزيرة المحرمة" وفي عدد من الأفلام الإيرانية.

استسهال النجاح

إبراهيم الذي يركز حالياً نشاطه التمثيلي على التلفزيون وأعمال المنصات طرح اسمه للمشاركة في مسلسل جديد معرّب عن المسلسل التركي الشهير "التفاحة الحمراء". يتحدث عن رأيه في موجة تعريب الأعمال التركية الناجحة وتحويلها إلى أعمال عربية، وعما إذا كان يرى بأنها تشير إلى أن الدراما العربية تعاني من نقص عدد الكتاب المبدعين أم أن الأمر لا يتعدى كونه استسهالاً للنجاح من المنتجين فقال:" لم يتحدث أحد بخصوص هذا العمل، ولكن تحويل الأعمال التركية إلى عربية هو مجرد موضة عرفت الدراما العربية في الفترة الماضية مثلها مع انتشار موضة الدراما المكسيكية. وبين فترة وأخرى تكتسح الدراما موجات معينة لا تلبث أن تنتهي. مثلاً في فترة من الفترات انتشرت موضة المسلسلات التاريخية وأنتج كثير من هذه الأعمال، حتى أننا كنا نصور مسلسلين أو ثلاثة مسلسلات سنوياً. ولكنها لم تعد موجودة اليوم، لأن الناس يريدون متابعة الأعمال التي تسليمهم، عدا عن أن عدد المحطات الفضائية زاد بشكل كبير، وبتطور تقني لافت على مستوى البث والتصوير، ولم تعد تكتفي بالأعمال المحلية كما في السابق. هناك ما يشبه العولمة على مستوى الدراما، ويمكن شراء أي عمل مهما كانت جنسيته وإعادة تصويره وتنفيذه عربياً، في حال كانت القصة والإنتاج مناسبيْن".

thumbnail_Screenshot_20230123-100422_Instagram.jpg

ويضيف إبراهيم: "لا مشكلة لدي مع هذه الأعمال، بل مشكلتي هي في أن أعود وافتخر بدراما بلدي مجدداً. ولا أعرف كم نحن قادرون على الصمود والاستمرار لكي نصل إلى هذه المرحلة، خصوصاً وأننا نعيش مرحلة تراجع فظيعة، ولذلك فإن المطلوب منا هو المحافظة على بعضنا بعضاً لكي نتمكن من الاستمرار". 

في المقابل يرى إبراهيم أن الإنتاج أو رأس المال هما ما يتحكم بنوعية الأعمال التي تعرض، ويوضح: "قرار البث بنوع الأعمال له علاقة بالمنتجين كما بالمحطات التلفزيونية التي تعتمد سياسة إنتاجية معينة. التوجه أصبح عالمياً أكثر وحصلت تغييرات كثيرة في الفترة الأخيرة، وألغي كثير من المحاذير والممنوعات. وهذا الأمر يمكن أن ينتج عنه شيء من الفوضى قد تكون إيجابية ويمكن أن تكون سلبية إذا كان تأثير المواضيع التي تتناولها الدراما سلبياً ومؤذياً في المجتمع، من خلال إخضاعه لعملية غسيل دماغ، وعندها تتغير اللعبة برمتها".

وعما إذا كان يرى أن الأمور تسير في الاتجاه الثاني، يوضح: "لا شك أن هذا الأمر موجود إلى حد ما. كلنا نعرف تأثير الإعلام في المجتمعات، وهو عندما يقدم إنتاجاً يوصل أفكاراً معينة فإنها يمكن أن تؤثر في طريقة تفكير الناس وتطلعاتهم، وعلى وضعهم الراهن، وتجعلهم ينسون ماضيهم وجذورهم، وهذا الأمر يحصل فعلاً خصوصاً وأن الحياة تغيرت بسرعة كبيرة في السنوات الأخيرة على مستوى الاختراعات والاكتشافات، وما يسميه البعض تمدناً هو الذي يتسبب بإلغاء إنسانيتنا وعدم احترامنا لبعضنا وللطبيعة والحيوان".

thumbnail_Screenshot_20230123-133550_Instagram.jpg

هل يعتقد بأن الدراما تخضع للسياسة بشكل وبآخر، يجيب: "ليس بالضرورة! ربما يكون الأمر مجرد سوء اختيار وليس مقصوداً، ولكننا نصل إلى ما أشرت إليه بطريقة غير مباشرة. المسألة لا علاقة لها بالوعي وحسب، بل هناك تراجع كبير في المستوى الثقافي عند الناس، وكثير من السطحية في التعاطي مع الأمور كافة، ولا يوجد عمق في التفكير لأن إيقاع الحياة السريع، لم يعد يسمح للإنسان بأن يبني للمستقبل بشكل إيجابي".

إبراهيم خاض تجارب مسرحية عدة منذ عام 1979 ويضم رصيده عدداً من الأعمال المسرحية، وهو كان بصدد التحضير لعمل مسرحي يدور موضوعه حول جبران خليل جبران. عن مصير هذا العمل الذي تحدث بحماسة عنه أكثر من مرة من غير أن يرى النور حتى الآن، يرد يقول: "كورونا أوقفت كل شيء. وحتى إخراج هذا العمل لم يعد وارداً في الوقت الراهن لأن الأوضاع لم تعد تسمح بالدخول في مشروع مماثل، خصوصاً وأن معداته مكلفة جداً، ولا يوجد مدخول والوضع الاقتصادي أكثر من سيئ. المسرح تراجع على مستوى العالم كله". لكنه يستدرك: "المسرح أضاف لي الكثير، كالاحتكاك المباشرة مع الجمهور ورهبة الوقوف على الخشبة التي لا يمكن مقارنتها بأي تجربة أخرى لكونها تختلف تماماً عن تصوير مشهد تلفزيوني وإعادته ثم منتجته ووضع موسيقى له. في المسرح يكون هناك تواصل فكري وروحي وبصري مباشر مع الناس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يشيد بتجربته المسرحية التي أعطته الكثير، حين يؤكد أن "المسرح يصقل الموهبة ويهذب النفس ويرتقي بالفنان إحساساً وعطاء وأداء. وبشكل عام أنا لا أفضل مجالاً على آخر سواء كان المسرح أو السينما أو التلفزيون، بل أختار الدور الذي يعجبني في كل مجال من هذه المجالات الثلاثة".

لكن إبراهيم يوضح أننا نعيش زمن التلفزيون بامتياز خصوصاً وأنه أصبح في الكف، ويتابع :" اليوم، بإمكاننا مشاهدة كل ما نريده عبر الهاتف الذي نحمله بين يدينا، والتلفزيون متاح وموجود أكثر من السينما والمسرح في الوقت الحالي. ولا شك أنه أخذ من رصيدهما، ولا أعرف ما إذا كان سيتغير هذا الوضع مستقبلاً، ولكنني أشعر أن الفوضى التي يعيشها العالم سوف تستمر مع ازدياد عدد سكان الكرة الأرضية".

أما عن تجربته السينمائية، فيعتبر إبراهيم أنه لا توجد صناعة سينمائية في لبنان، ويشرح: "أنا أحب السينما ولكن مشاركتي فيها اقتصرت على عدد قليل من الأفلام، ولو أنني أعيش خارج لبنان لاختلف الموضوع تماماً. السينما تعتمد على التقنيات وكل الأعمال التلفزيونية الجديدة العربية منها أو الأجنبية، أصبحت أقرب بأسلوبها إلى الأفلام السينمائية".