غريب الأطوار!

منذ 1 سنة 149

غادر ملايين البشر أسوار المدرسة، لأن أحداً لم يستطع أن يوقف سيل التندر تجاههم. وترك خيرة المتفانين أعمالهم لأن أحداً لم يفهم حاجاتهم. كلما ظهر الملياردير إيلون ماسك على الشاشات الصغيرة، وارتكب خطأ فادحاً في عباراته وسلوكه، تذكرت كيف سيكون مصير هذا الرجل تحت إمرة مدير صارم لم يعجبه سلوكه. الملياردير ماسك مالك منصة «إكس» (تويتر سابقاً)، وسيارات «تسلا»، والمركبات الفضائية وغيرها، صارح الجمهور بأنه مصاب بمتلازمة «إسبرجر» (مثل آينشتاين وغيره)، وهي طيف من أطياف التوحد.

واعترف صراحة بقوله: «أعلم أنني أحياناً أقول أو أنشر أشياء غريبة، لكن هذه هي الطريقة التي يعمل بها عقلي». ويهمس في آذاننا قائلاً: «أي شخص تعرض للإهانة، أريد فقط أن أقول إنني أعدت ابتكار سيارات كهربائية، وسأرسل أشخاصاً إلى المريخ على متن سفينة صاروخية. هل تعتقد أنني سأكون رجلاً عادياً ومرتاحاً؟»، وفق ما جاء في تقرير «بي بي سي». ليس هذا فحسب، بل إن ماسك قال لمؤلف كتاب وثق سيرته (والتر إيزاكسون) إنه يعتقد بأنه مصاب «باضطراب ثنائية القطب، لكن لم يتم تشخيصه حتى الآن». وهو ما كان يعرف باسم «الاكتئاب الهوسي» وهي حالة صحية عقلية تُحدِث تقلبات مزاجية مفرطة. ومن أخف أعراضها ما يسبب تشتتاً ذهنياً لكنه في الوقت نفسه يمنحك نشاطاً وقّاداً، وطاقة هائلة، وتتدفق بسببها مشاعر مبالغ فيها بالثقة في النفس، والنشوة، والثرثرة.

موقع «مايو كلينك» يرى أن المصابين بذلك قد يصيبهم «سوء في اتخاذ القرار على سبيل المثال، الإسراف في الشراء بشكل مستمر أو القيام باستثمارات حمقاء». وربما هذا ما عبّر عنه إيلون من شراء «تويتر» (منصة إكس) بسعر مبالغ فيه (نحو 44 مليار دولار)، فاضطر إلى حملة «تفنيشات» ورسوم عديدة. وفيما نرى بلدان متقدمة تمخر عباب البحار بغواصاتها وحاملات طائراتها، قرر إيلون أن يخرق الغلاف الجوي بصواريخ «إكس». وبغض النظر عن آراء الناس به، فهو شخص قد يبدو «غريب الأطوار»، وعانى بالفعل من قسوة والده في الطفولة، إلا أنه سطر للعالم أجمع أنه مهما كان المرء «غريباً» في هذا العالم، فسوف يقف له الناس احتراماً، إن حقق نجاحاً يشار إليه بالبنان.

وتعج مدارسنا وميادين العمل، بكثير من المبدعين أو «المختلفين» عنا الذين لم يحظوا بمسؤول أو معلم نال قدراً كافياً من الثقافة والوعي الذي يرشده إلى كيفية التعامل مع الاضطرابات السلوكية، وتقبّل اختلافات البشر، وتفهّم دوافعهم. مشكلتنا الإصرار على أن نحيط أنفسنا بمن يشبهوننا ثم نصدم حينما لا يأتون سوى بنسخ «كربونية» مشابهة لأفكارنا وقراراتنا!